ما أهم الأحداث التي واكبتها خلال تواجدك بالجزائر
في الثمانينات؟
لقد
حضرت في الجزائر الجدل الواسع الذي دار على حظر رواية "وليمة لأعشاب البحر" لصاحبها
الكاتب السوري، حيدر حيدر، وأنا كنت ضدّ حظرها، فالرواية عبارة عن اعلان هزيمة
التيار الشيوعي الماركسي، الذي هاجر من العراق وسوريا الى الجزائر، وظنوا أنه من
جهادهم أخذهم الجزائر إلى هذا المعسكر، فالرواية من اولها الى آخرها بإباحيتها
وتهتكها، انتهت بانتحار البطل، واعتقد انها سيرة ذاتية لاعلان هزيمة الماركسية التي
حاولت انتهاك الجزائر، التي قامت على لا اله الا الله محمد رسول الله.
كيف عايشت أنت ككاتبة إسلامية الصحوة الإسلامية في
مصر؟
لقد
اعتقلت في عهد السادات ثلاث مرات مع الماركسيين بتهمة أنني ماركسية، ولم تؤثر هذه
التجارب مطلقا على مساري. فنحن مواليد الثلاثينات، الضربة التغريبية التي مررنا بها
لم تنزع منا الإسلام، لكن غيرت شكلنا، نصلي ونصوم، لكن شكلنا الخارجي مختلف عن
باطننا، واذكر حينما ذهبت للحج في 1972، كان يجب أن ادرس الدين جيدا، وكان من وراء
التزامي الزي الشرعي، وأنا عائدة في الطائرة كان يجلس بالقرب مني عالم ذو هيبة،
سألته من أي بلد فأخبرني أنه من الجزائر، فسألته إن كان بإمكاني أن ألبس لباسي
العادي حينما ارجع إلى مصر، فقال لي ما تلبسينه هو اللباس العادي، كأنه أخبرني
ببديهية أنا كنت عامية عنها، فلما رجعت لم أخلعه أبدا، وكان الكل مندهشا منه، ولم
أكن أجد حتى ما ألبسه وأضطر لتفصيله مع الخياطة، واستعنت بأزياء المسرح للقرن 17
حتى أحصل على لباس شرعي أستمر به.
هل تعرضت لمضايقات بسبب حجابك في تلك
الفترة؟
بل
صار الناس يعتقدون أنها حركة من حركات صافي ناز، ثم بعدها بدأ العهد الساداتي
يمنعني من نشر كتاباتي النقدية في مجلة "المصور"، وفي 1975 قدمت في الجامعة
العراقية لتدريس المسرح، الجامعة المستنصرية ببغداد قسم اللغة الانجليزية، أدرس
مادة المسرح، وكان هذا بمثابة المنفى لي، بموجب عقد بروتوكولي بين الحكومتين، لذا
حينما بدا صدام يتجبر على أهل العراق ويذبحهم جملت حقائبي، وقلت إنني لن أكون في
بلد يقتل فيه النظام شعبه من كل الطوائف.
هل عايشت القتل الذي كان يمارسه ضدّ
شعبه؟
حينما
قامت ثورة ايران في فيفري 1979، أزاح صدام حسين محمد حسن بكر، وقتل 22 من القيادة
الجماعية وانفرد بالحكم، وبدأ يذبح العراقيين، ففي أربعة سنوات رأيت أهوالا، أدخل
للتدريس أرى الطلبة كما لو ان هناك شبحا يخطفهم بالواحد، كل يوم يختفي طالب أو
اثنان، وحينما أسأل أين اختفت فلان يجيبونني نال شرف الشهادة، من كل المذاهب، فضلا
عن المذابح التي كنا نسمع عنها، والجبروت التي كان يمارسه، فقد كان يقتل الشاب
ويرسل الى أهله ليأخذ منهم ثمن الرصاصة التي قتل بها، فقد قضى على خيرات البلد
وأهلك الحرث والنسل، ثم يستاؤون من قتله ليلة العيد، المفروض أن يقتل أكثر من مرة،
لقد أذل العراقيين وقهرهم.
هل تعتبرين مبارك والقذافي أيضا على خطى صدام
حسين؟
أنا
أندهش كثيرا من ناس يحبون صدام وعبد الناصر والقذافي، كل هؤلاء الطواغيت المجرمين
الذي أصبحوا مكان المحتل الفرنسي والانجليزي، لكن بأقنعة تشبهنا، فمصر منذ عهد محمد
علي باشا الى السادات ومن بعده، كلهم طواغيت، كلنا في البداية أحببنا الثورة
والتففنا حول عبد الناصر ثم اكتشفنا أنها خديعة ناصرية، فقد انهزم في 1956 وأفهمنا
أنه انتصر ولم يحتط، بل أعاد الهزيمة في 1967 "اللي جابتنا الأرض" ليومنا هذا،
واعترف بقرار 242 الذي به مادة تنص على حدود آمنة معترف بها لإسرائيل، وهذه فتحة
الباب التي وضع بها السادات اتفاقية كامب ديفيد، فالكل متفق مع بعضه البعض، فالثورة
التي بدأت في 1952 مع عبد الناصر انتهت بحسني مبارك في يناير 2011، فحسني مبارك لم
يفعل شيئا الا انه استمر في طريق بدأه عبد الناصر والسادات.
ما أشد ما أساء به مبارك
للمصريين؟
لقد
اخترع أسلوب تعذيب جديد وأسماه "ضربة استباقية" يقضي بها على مناوئيه قبل ان
ينطقوا، وقتله أهل القرى، وتلفيق القضايا للناس، وكان هناك مشروع لبيع ميدان
التحرير لشركات أجنبية، كنا جالسين في عهد مبارك على ألغام لا نعرف متى ستنفجر،
وكان هو وزوجته يعملان على تخريب الهوية الاسلامية للشعب المصري، بدليل وجود نادي
الروتاري (الماسوني) المشبوه بفروعه الثلاثة، وحصول سوزان على مرتبة الرئيسة
الشرفية للنادي في المنطقة، مع وجود الصحوة البهائية في مصر أيضا.
ذكرت أن إعدام صدام غير كاف، كيف ترين مصير
مبارك؟
إنه
خائن للقسم الجمهوري، ولا أحد حكم مصر أكثر من ثلاثين سنة إلا محمد علي باشا
المجرم، وبعده مبارك.
هناك من المؤسسات الهامة التي لم تقف الى جانب
الشعب في ثورته، مثلما رأينا الأزهر الشريف مثلا، كيف تعلقين على
ذلك؟
نعم
كل الناس من كانوا لآخر لحظة مع مبارك، فشيخ الأزهر، سجله أسود، وعار أن يكون شيخا
على الأزهر، وبقي لآخر لحظة يؤخر موقف الأزهر من الثورة تأسيا بالبابا شنودة، الا
أن هذا الأخير معذور، فمن ورائه فئة يريد ان يحميها، بينما هو وراءه الشعب كله
يطالب مبارك بالرحيل، واليوم يستدعي النخب الثقافية التي كانت محسوبة على النظام
السابق من أمثال جابر عصفور.
كيف تتصورين آداء هذه المؤسسة بعد رحيل
مبارك؟
طالما
أن شيخها الطيب فهذا ليس جامع الأزهر، فلنا عشرات العلماء مثل السيد محمد سيد
النصير، الشيخ العاشور، فمازلنا لحد الآن في جلباب السلطة، وكان يجب بعد الثورة أن
يحدث كشط لكل الجلود الميّتة، ولا توضع هذه الشخصيات في مناصب فعالة وتعطى لهم فرصة
ممارسة نفاقهم، بل يجب طردهم فورا، فمصر مليئة بالأجيال النظيفة التي لم
تسقط.
عرف عنك حبّك لزعيم المقاومة، حسن نصر الله، هل
لازلت على نفس العهد بعد ما أشيع عن مساندته لبشار الاسد، فيما يجري
بسوريا
يعرف
الرجال بالحق ولا يعرف الحق بالرجال، فأنا أعيب عليه الوقوف مع بشار الأسد، وهو
صاحب لبيك يا حسين، ولن يرضى الحسين على ما يفعله بشار، وأرسلت اليه مع واحدة من
حزب الله ان شعار "لبيك يا حسين" عهد، ومن يقف مع الأسد عهده "لبيك يا حجاج لبيك يا
يزيد"، فما يحدث في سوريا كل يوم كربلاء. وأرجو ان لا يكون نصر الله مساندا للأسد،
لكن حينما يسير مع الأسد سنسير وراء الحق ولن نسير وراءه.
كيف تتصورين مستقبل المقاومة إن ثبت وقوف نصر الله
إلى جانب الأسد؟
المقاومة
حرة، وليست مربوطة بشخص، إنها فطرة بداخلنا، ومن جاء بحسن نصر الله يخلق ألفا
غيره.
هل لك العودة إلى قصة زواجك من الشاعر أحمد فؤاد
نجم؟
تزوجته
بصفته شاعرا عظيما، وتزوّجته تقديرا لشعره، استمرت زواجنا أربع سنوات، كان زواجنا
ناجحا بالغرض الذي أريده.
ما كان هذا الغرض؟
أن
أحافظ عليه وأحميه، لأنه كان وقتها يكتب شعره بخصوبة والناس تسرق شعره، ولا تعطيه
المقابل، وتزوجته لدعمه بقدراتي المالية المحدودة.
وما كان سبب الفراق؟
الظروف
السياسية، وبسبب الوضع المالي، أنا اعتقلت ثم سافرت الى العراق للتدريس، حينها
اقتربت منه المغنية عزة بلبع وتزوجا، فلم أر مانعا من ذلك وطلبت الطلاق، ولم
يضايقني شيئا غير تعلّق نوارة به فتأملت لفراقنا، لكنني عرفت أداوي جراحها، ونجحت
في جعلها تحب والدها.
هل كانت تسمية نوارة من اختيارك او اختيار
الشاعر؟
أنا
من أسميتها تيمنا بحرب أكتوبر 73 "نوارة الانتصار"، ومازالت الانتصارات
قادمة.