كبفن كارتر .. الصورة القاتلة !

الشيخ عبد الرحمن السديس
الشيخ عبد الباسط عبد الصمد

حكاية صورة ... حكاية ألم... حياة كيفن كارتر بقلم المصور ميلود بن علي
الكاتب ابراهيم الفضيلات
عثرت ليلة الأربعاء 27 جويلية 1994 شرطة جوهانسبرغ على شاحنة حمراء صغيرة من نوع نيسان مركونة قرب نهر برامفونتاينسبروي وهو نهر صغير يقطع الضواحي الشمالية للعاصمة جوهانسبرغ ...

"أنا حقا، حقا آسف"... هذا ما كُتب على ورقة يسار المقعد الأمامي تحت حقيبة ظهر...
- السائق ؟
- كان ميتا وحوله الكثير من الرسائل للعائلة وللأصدقاء.
كان 27 جويلية هو اليوم الأخير في حياة كيفن كان يبدو أنه سعيد فلم يقم من فراشه حتى منتصف النهار، كان آخر من رآه مونيكا أرملة صديقه أوستر بروك.
مساء هذا اليوم وفي حدود الساعة التاسعة ركن كيفن شاحنته الحمراء قرب إحدى الشجرات أين لعب في الماضي كطفل... وصل العادم بداخل الشاحنة بواسطة أنبوب سقي أخضر، أدار المحرك أشعل الموسيقى... ومات !!!
ترى لماذا ينتحر شاب في الثالثة والثلاثين من عمره؟
سمعت الجميلة بريجيت باردو تقول في احدى الحصص ان الانتحار هو استحالة أن تعيش الثواني القليلة القادمة، ترى ماذا حدث لكيفن طوال الثلاثة والثلاثين سنة حتى تستحيل حياته في تلك الثواني ..

كيفن كارتر هو حفيد أحد المهاجرين الانجليز في جنوب افريقيا ولد سنة 1960 لأب يدعى جيمي وأم تدعى روما، سكنت العائلة في باركمور إحدى ضواحي جوهانسبرغ، قبل والداه التمييز، لكن كيفن الطفل بدا مشاغبا جدا وكثير الأسئلة ... يبدو أن الركن المفضل لللعب عند كيفن الطفل كان عند تلك الشجرة ... أين انتحر! كان يقول لأحد أصدقائه "طفولتي كانت تعيسة" ...
في المراهقة كان يجد لذة في قيادة الدراجات النارية وكان يحلم أن يكون سائق سيارات رالي، كان مليئا بالأحلام لأن محيطه كان مليئا بالكوابيس أحلام الفقراء لها معنى ...
في سنة 1976 حصل كيفن على شهادة من مدرسة كاثوليكية داخلية في بريتوريا درس بعدها علم الصيدلة لكنه سرعان ما هجر الدراسة واشتغل بعدها نادلا.
عندما بلغ العشرين ركب كيفن دراجة نارية إلى دوربان وفيها أصبح اسمه دافيد وعمل كموسيقي...
اشتاق إلى أهله لكن... لم يعد.
في اليوم الذي ضيع فيه كيفن عمله بلع الكثير من الحبوب المنومة... لكنه نجى.
أنهى خدمته الوطنية سنة 1983 بعد انفجار قنبلة أودت بحياة تسعة عشر فردا وإصابته فيها، عمل بعدها في محل لتأجير آلات التصوير... دخل إلى عالم الصحافة كمصور رياضي، في الأول عمل لصالح Johannesburg Dimenche express
سنة 1984 عندما بدأ الثائرون يكنسون ضواحي السود تنقل كيفن إلى جوهانسبرغ، الصحفيون البيض الذين أرادوا أن يعرضوا كل ذلك العنف والتمييز - المهمة التي كانت في السابق حكرا على المصورين السود- تعرضوا للحبس وللتهديد...

1990 أنهى كيفن عقده الثالث، بدأت الحرب الأهلية في جنوب إفريقيا، وبدأ كيفن رفقة أصدقائه الثلاثة في رصد العنف في الضواحي ونقله، كان كيفن والكثير من الصحفيين يدخنون الماريجوانا - المعروفة محليا باسم داقا والمتوفرة بكثرة في جنوب إفريقيا خاصة في الضواحي- للتخفيف قليلا من الضغط وللاتصاق أكثر بمقاتلي الشوارع لكن كيفن مر من استهلاك الداقا إلى شيء أخطر La Pipe Blanche إنه خليط من الداقا والماندراكس Mandrax
لقب الكثير من صحفيي جنوب إفريقيا الرباعي بمجموعة كو- كو le Club de coup-coup.
سبتمبر 1991 نال أحد أصدقائه الثلاثة جائزة بوليتزر عن صورته لأحد أفراد قبائل الزولو وهو مذبوح...

إلى الآن تنقل كيفن إلى خطوط مواجهة سياسية كثيرة في جنوب إفريقيا أين سجل صورا كثيرة للاضطهاد والتمييز العنصري .
كان كيفن إنسانا مليئا بالإحساس الأمر الذي أضاف لمهنته الكثير من الصدق، من الحرية ، من الحقيقة لكن جلب عليه الكثير من المتاعب...
في هذه الفترة كان بحاجة إلى ترك جنوب إفريقيا دفع من ماله الخاص ليذهب إلى حرب أخرى، إلى جنوب السودان...
غريب حقا أن تقع اختياراتنا الكبيرة في الحياة على أشياء تؤلمنا، تجرحنا... تقتلنا...؟ !!
في جنوب السودان اكتشف مأساة من نوع آخر، الناس في وطنه يحتاجون الحرية والمساواة، الناس هنا يحتاجون الأكل!!! علكم تذكرون البنت السوداء من جنوب السودان رفقة عقاب ينتظر بفارغ الصبر موتها، البنت بالكاد حية، بعد أن صور البنت جلس تحت شجرة دخن، تكلم إلى الله، فكر في ابنته مورغان وبكى...
رجع كيفن إلى جوهانسبرغ، في هذا الوقت كانت النيويورك تايمز NewYork Times تبحث عن صور للمجاعة في السودان، اشترت صورته وعرضتها يوم 13 مارس 1993... الصورة جعلت العالم يبكي ... بعد أن ظهرت في le Courrier في فرنسا وفي The Gardian في بريطانيا و في أغلب وسائل الإعلام،أثير نقاش على نطاق واسع في الولايات المتحدة الأمريكية وفي أوربا وفي خارجهما عن مصير تلك الطفلة، بعض أصدقاء كيفن تساءلوا بصوت عال: لماذا لم ينقذ كيفن الطفلة؟ !! ...
ما الذي فعله كيفن من أجلها...؟؟؟ ... الحقيقة أنه لم يفعل شيئا، سوى أنه انتظر أكثر من عشرين دقيقة ليطير العقاب لكنه لم يفعل !!!!. بعدها واصلت الطفلة طريقها إلى احدى مراكز الإطعام...
اشتغل بعدها لصالح Reuters بألفين دولار للشهر....
عزّز كيفن عاداته في الإدمان سجن في هذه الفترة لمدة عشر ساعات بتهمة السياقة في حالة إدمان بعد أن حطم سيارته على جدار أحد المنازل، عاش كيفن في هذه المرحلة قصة حب فاشلة... صار يبحث عن مكان آخر للعيش...
12 أبريل 1994 The NewYork Times تتصل بكيفن لتخبره أنه فاز بجائزة بوليتزر.
باكرا يوم 18 أفريل 1994 ذهب رفقة أصدقائه الثلاثة لتغطية أعمال عنف في توكوزا Tokoza إحدى الضواحي في العاصمة، قبل منتصف النهار عاد كيفن... سمع في الراديو خبر وفاة أستر بروك أحد أصدقائه الثلاثة وإصابة آخر بجروح خطيرة...
سافر كيفن إلى نيويورك لاستلام جائزته في حفل كبير... أصبح الآن من أكثر المصورين شهرة ... منذ أن وطأت قدماه مدينة نيويورك وهو يناديها مدينتي، أقام بها عدة شهور، كتب لوالديه عندما نال الجائزة "لا أستطيع الانتظار لأريكما الجائزة، إنه الشيء الأكثر أهمية، إنه الاعتراف الأكبر الذي يمكن أن أتلقاه في مهنتي". بعدها عاد إلى جوهانسبرغ وقد تعاقد مع وكالة SYGMA، يقول في رسالة إلى أحد أصدقائه في نيويورك بعد وصوله "...جوهانسبرغ جافة، سمراء باردة ميتة مليئة بذكريات سيئة وأصدقاء غائبين".

بعدها غطى كيفن زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران لكن الصور وصلت متأخرة نوعيتها لا تلبي طلبات زبائن SYGMA.
في هذا الوقت بدأ كيفن يتحدث عن الانتحار...
بعد شهرين من استلامه جائزة بوليتزر كان كيفن كارتر في عداد الأموات. يقول ماك ليود مدير مكتب وصديق كيفن "قصة كيفن هي إنذار لما قد يحدث على إثر تاريخ طويل من التمييز، حياة بعض البيض هزّت أيضا بل وانتهت بهذه التجربة الاجتماعية..."
في آخر رسالة لكيفن كتب "صور المجازر والجثث والغضب والألم والأطفال الجائعين والمجروحين لم تغادرني ولم استطع الفرار منها"... " ألم الحياة فاق بهجتها إلى حد أن البهجة انعدمت"....
----------------------------

جميل حمد

هذه الصورة التقطها المصور كيفن كارتر في جنوب السودان، وفازت بجائزة بوليتزر في نيسان 1994 وفي المشهد طفلة سودانية تزحف باتجاه مخيم توزيع الأغذية وقد أنهكت المجاعة جسدها النحيل .
خلفها ''النسر '' آكل الجيف ينتظر موتها، ولا احد يعلم ماذا حدث للطفلة،أما كيفن فقد عثر عليه بعد شهرين من فوزه بالجائزة منتحرا.. !

أجمل تعليق ...

------------

فيض في حضور الصورة ،واعتذار للنسر.
أية تصاريف التي وضعت طفلة هدها الجوع أمامك فبدوت شامتا ، بئس النسر أنت وان علوت، وبئس النسر أنت إن تفرد جناحيك وتتشهى أن تولغ منتشيا في دمها ، دون وازع من ضمير..
وبئس النسر أنت ،ألا تراها لا شيء يعينها على الاستنهاض أو حتى النظر صوبك، ففيم تنتظر !
***
كيف لمثلك أن يرى الألم مبثوثا في قسمات وجهها، أو يرى العينين تحتقنان بالدم والاسى ،وانت تقف هناك خلفها ..هلا درت حولها، لتسمع وجيف قلبها الملتاع ؟
***
النسور لا قلب لها وأنت أشدها وطأة ،فمن علمك أن تشتم رائحة الموت دون أن تدرك ما يضطرم في داخل هذا الكائن الهش من وجل وخوف.
لم أر'' ذئبا يعوي في صورة إنسان أو طائر الا أنت وكيفن، فقد التقط صورته ومضى ،وها أنت رابض تترقب ، ويحك ،لم أعرف ذئبا ارتوى من دمنا.
***
لعلها استأنست بك يا كيفن،فالانسان يستأنس بالأنسان، ولكنه الغدر يسري في عروقنا،ووحده هو صاحب المشيئة ،أراد ما كان من أمرها، لحكمة تخفى ،فكان ما كان، مما يعلم ولا نعلم ،ووحده سمع أنينها .
****
في السادس والعشرين من اذار في عام 1993، ظهرت هذه الصورة لأول مرة على صفحات نيويورك تايمز بعد أن اشترتها الصحيفة من كيفن كارتر،وفي تلك الليلة بدأت مئات الاتصالات تتوالى على الصحيفة لتسأل ''هل نجت الطفلة من الموت ''؟ واضطرت الصحيفة أمام سيل الأسئلة للرد والتوضيح ''بأن الطفلة لديها ما يكفي من القوة للابتعاد عن النسر اما مصيرها النهائي فليس معروفا '' .
وفي الثاني من نيسان عام 1994 ،اتصلت المشرفة على الصور في النيويورك تايمز بكيفن لتخبره بفوز الصورة بجائزة بوليتزر. ،ويروي صديق لكيفن رافقه في الرحلة الى جنوب السودان وهو المصور جاوا سيلفا في مقابلة مع الكاتب الياباني اكيو فوجيوارا ،القصة من وجهة نظر مغايرة لما عرف حينها من جدل حول الصورة فيقول ''رافقنا أنا وكيفن وفدا من الأمم المتحدة لتوزيع الغذاء في جنوب السودان،وبعد ان هبطت الطائرة اخبرونا بان موعد الإقلاع سيكون بعد 30 دقيقة فقط وبدأنا نتجول في اطراف المخيم لالتقاط الصور فذهبت أنا لأبحث عن المتمردين وأصورهم ، بينما لم يبتعد كيفن سوى خطوات عن الطائرة.
ويكمل سيلفا الرواية بقوله''أصابت الصدمة كيفن فهي التجربة الاولى في حياته التي يرى فيها المجاعة وبدأ يلتقط الصور للأطفال الذين أنهكهم التضورجوعا '' وفعلت مثل كيفن فالتقطت مجموعة صورلاطفال باكين من الجوع ،يجلسون على الارض بعد ان تركهم اباؤهم وامهاتهم وحيدين لفترة قصيرة لانهم ذهبوا للطائرة للحصول على الغذاء وهذا هو وضع الفتاة في الصورة كما التقطها كيفن.
،فالنسر هبط خلفها وحتى يتمكن كيفن من جمع الفتاة والنسر معا داخل العدسة بوضوح، فقد تحرك ببطء ودون جلبة حتى لا يهرب الطائر،والتقط المشهد من مسافة لا تتجاوز عشرة أمتار تقريبا .
ويختم ''التقط كيفن مجموعة صور وطار النسر بعيدا''...!
وكما جلبت الصورة الشهرة لكيفن،فقد أثارت الانتقاد الشديد حول سلوكه ،وكان هناك شبه اتفاق بانه أدار ظهره بعد التقاط الصورة ،ولم يساعد الطفلة في الوصول الى مركز توزيع الغذاء ،وبعض المواقع والمنتديات والمعلقين على الانترنت وكعادة العربي يعزون انتحار كيفن بعد شهرين من حصوله على جائزة بوليتزر للصورة ''فقد انتحر متأثرا بما يحمله هذا المنظر من كآبة '' وننسى بان ( عرب التخمة ) ( وليس كيفن او النسر )، هم السبب في موتها ،فقد كان يكفيها كسرة من خبز أوشربة ماء أو لقيمة واحدة!
أما عدسة كيفن فتميزت بالإبداع والجرأة او ما يسمى بالسبق الصحفي في الصورة وكذلك كان موته ،اذ ركن سيارته الحمراء قرب احد الأنهار الصغيرة في جوهانسبرغ حيث اعتاد أن يلعب هناك وهو طفل وادخل أنبوب العادم ''الاكزوزت ''الى داخل غرفة السيارة ومات مختنقا باوكسيد الكربون ،وكتب في رسالة انتحاره''أنا محبط ،لا هاتف معي ،ولا أستطيع دفع ايجار البيت او الالتزام بإعانة طفلتي،أو سداد ديوني ،تلاحقني الذكريات الأليمة وتلاحقني صور القتل والجثث والأطفال الموجوعين ،وأولئك المجانين الذين يسحبون زناد السلاح للقتل واعدام الاخرين وهم سعداء.....''
كما جاء في رسالة انتحاره ''الألم في الحياة يتجاوز البهجة الى ذلك الحد الذي يجعلك تشك ان البهجة كانت موجودة اصلا،أما موت كيفن وحياته الاشكالية والمآسي التي عاشها ،فقد ألهمت فريق ''Manic street preachers"لإهدائه اغنية في البوم ''كل الأشياء يجب ان تمضي ''،وافتتاح الاغنية يبدأ بالكاميرا ،ثم تتحول الكاميرا الى بندقية وعلى ايقاع ''تك'' مكررا اكثر من مرة وهو صوت الكاميرا او البندقية يسقط عازف الايقاع ،كما يسقط عازف الجيتار وهكذا يتسع المشهد ويضيق احيانا الى ان نشاهد بعض المشاهد لحشر عين الانسان في داخل العدسة .
وعلى وقع'' تك ''وايحاءاتها تختتم الاغنية بكلمات ''الصورة تلوثنا كما هي الفيروسات''ويبقى سؤال المصير موجعا ومؤرقا ،رغم ان الموت لا يمتاز عن الأشياء الأخرى الا بما نميزه من مفردات شجن.

-------------------

آخ منك يا ضمير الإنسان الأبيض : أين كنت طوال هذه السنين ولمن تركت غزة أم لأن هذه الطفلة من جنوب السودان يعني إحتمال كبير أن لا تكون مسلمة ،،، أما لو كان القتيل مسلم فبالله سلم لي على الضمير الأبيض ،،،