جريمة في تشاد
المفاوضات الليبية التشادية وقضية مقـتل العقـيد عبدالسلام سحبان والرائد عبدالسلام شرف الدين
لا يخفي على كل ذي بصيرة أن الحرب التى خاضها الجيش الليبي مرتين في تشاد أوائل ثم أواخر الثمانينيات الماضية كانت في إطار الطموحات التي
|
قجـة عبدالله |
استبدت آنذاك بالعقيد معمر القذافي في التوسع عسكرياً لبناء أمجاد شخصية "أمبراطورية" قائمة على حسابات خاطئة وأوهام زائفة من الوحدة العربية ومواجهة الإستعمار إلى تصدير الثورة. والأدهى من ذلك وأمر أن تلك المغامرات ـ إلى جانب الهزيمة العسكرية المهينة والخسائر البشرية والمادية الضخمة ـ كانت على حساب أرواح ضباط وجنود القوات المسلحة الليبية وثروة الشعب الليبي وآلاف المجندين والمجيشين من المدنيين الأبرياء. فلم تكن بين الشعبين الليبي والتشادي أي خصومة أو صراع على حدود أو ثروة. ولم يشتك أى ليبي من جاره التشادي. فقد كان التشاديون نعم الإخوة والجيران. فقد آووا ورحبوا بالقبائل الليبية المهاجرة مثل قبائل أولاد سليمان، وجاهدوا مع إخوانهم الليبيين ضد الغزو الإيطالي والفرنسي، وعلى رأس هؤلاء المجاهدين التشاديين قجة عبدالله رفيق شيخ الشهداء عمر المختار في الجهاد ضد الطليان.
ولكن، ما أن استقر الأمر للعقيد القذافي في ليبيا وتمكن من السيطرة التامة سياسياً ومالياً على الأوضاع داخل ليبيا في أواخر السبعينيات حتى أخذ يتجه إلى مناوشة الدول المجاورة والتدخل في شئونها الداخلية، أحياناً تحت شعار "الوحدة العربية" وأحياناً تحت شعار "التحرر من الاستعمار"، وتطورت المغامرة إلى غزو بلد آمن وقتل شعب طيب. لقد كانت الحرب مع تشاد كارثة وطنية بكل المقاييس قتل فيها ما لا يقل عن 6000 ضابط وجندي ليبي من أصل 15,000 أرسلوا هناك. وأسر المئات وضاعت مئات الملايين من الدولارات في الصحراء.
أسر الرائد طيار عبدالسلام شرف الدين في أكتوبر 1983 اثر إسقاط طائرته السوخوى القاذفة المقاتلة فوق مدينة (فايا لارجو) شمال تشاد. أما العقيد عبدالسلام سحبان فقد أسر في أغسطس 1987 خلال المعارك التى دارت حول واحة أوزو الحدودية. التقى الإثنان في الأسر في إنجامينا عاصمة تشاد وبقيا تحت رعاية وحراسة الحرس الجمهوري التشادي في السجن الإنفرادي، ولم ينضما لبقية الأسرى سجناء معسكر خاص في وسط العاصمة حيث كان العقيد الركن خليفة بلقاسم حفتر وبقية الأسرى.
| | |
الرائد عبد السلام شرف الدين | | العقيد عبد السلام سحبان |
في أواخر عام 1987 قرر العقيد الركن خليفة حفتر ومجموعة من الضباط وضباط صف وجنود ومجندين الإنخراط في صفوف الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا المعارضة التي أعلنت في 21 يونيو 1988 عن إنشاء "الجيش الوطني الليبي" كجناح عسكري تابع لها تحت قيادة العقيد الركن خليفة حفتر. بلغ عدد الذين انخرطوا في هذا "الجيش" قرابة الألف بينما رفض من بقي من الأسرى الليبيين ذلك وكان من بينهم العقيد سحبان والرائد شرف الدين، الذين آثروا البقاء في السجن ربما على أمل أن تكون هناك مبادلة للسجناء بين طرفي الصراع.
|
مجموعة من الضباط من الذين أسروا في معارك منطقة وادى الدوم - مارس 1987 |
(1) العقيد الركن خليفه حفتر (2) المقدم الركن عبد الله الشيخي (3) النقيب سالم عبدالسلام (4) النقيب طيار إبراهيم الصويعي (5) الملازم أول صاعقة سعيد البلعزي (المربوط الرأس) (6) الملازم ثان صباح الأميني (عادت إلي ليبيا) |
إنتقل أفراد "الجيش الوطني الليبي" من المعقتل إلى معسكر خارج العاصمة، وبقوا هناك إلى أن قام إدريس دبي بمحاولة انقلابية في أوائل أبريل 1989 بمشاركة قريبه حسن جاموس قائد الجيش، ووزير الداخلية إبراهيم اتنو ضد الرئيس التشادي آنذاك حسين هبرى. بعد فشل المحاولة الإنقلابية باعتقال ثم مقتل جاموس واتنو لجأ إدريس دبي إلى السودان حيث كون قاعدة إنطلاق بمساعدة سودانية وليبية للإطاحة بالرئيس هبرى. في الثاني من ديسمبر 1990 سيطرت قوات إدريس دبي على العاصمة إنجامينا وفر الرئيس هبرى إلى الكاميرون الدولة المجاورة بعد سبع سنوات قضاها في الحكم. ويذكر أن إدريس دبي كان عضوا بارزاً في نظام حسين هبري وعين كبير المستشارين العسكريين بالرئاسة التشادية سنة 1986 وهو أحد القادة الذين ألحقوا الهزيمة بالقوات الليبية سنة 1987.
| | | | |
إدريس دبي | | حسين هبرى | | حسن جاموس |
بعد عدة أيام من دخول قوات إدريس دبي وجدت جثـة كل من العقيد سحبان والرائد شرف الدين وعليهما أثار تعذيب في نهر "شارى" الذى يمر وسط العاصمة إنجامينا. ويبدو أن الذين ارتكبوا جريمة قتلهما أفراد من الحرس الجمهوري التشادي قبل فرارهم إلى الكاميرون. وقد نجا الضباط الذين لم ينضموا لجيش حفتر وتولت حكومة الرئيس الجديد إعادتهم إلى ليبيا. أما بالنسبة لعناصر "الجيش الوطني الليبي" فقد نقلتهم طائرات أمريكية في الأسبوع الأول من شهر ديسمبر 1990 إلى زائير ثم الولايات المتحدة حيث استقر أغلبهم هناك وعاد البعض منهم لأرض الوطن بعد ذلك.
في فبراير 1994 قام العقيد القذافي بتسليم قطاع أوزو البالغة مساحته 70,000 كيلومتر مربع لتشاد بعد صدور حكم من محكمة العدل الدولية لصالح تشاد. هذا القطاع الذى كلف الخزانة الليبية أكثر من ملياري دولار وقتل من أجله آلاف الليبيين، ووقع المئات منهم في الأسر حيث عومل بعضهم معاملة العبيد. فقد كان الضابط التشادي يختار أحد الأسرى الليبيين ليكون خادماً له يحضر له الشاي والأكل ويغسل ملابسه. ومن هؤلاء الأسرى من لا يُعرف مصيره حتى اليوم.
ومن المضحك المبكي أن العقيد القذافي وقف وبدون خجل أو أسى في 1 سبتمبر 1987 يخاطب الليبيين ويبشرهم باستعادة واحة أوزو يوم 28 أغسطس 1987 (وهذا صحيح) ويقول لهم أيضاً بأنه قادر على الدخول إلى قلب إنجامينا ونزع السلاح من كل التشاديين!! ولكنه كعادته في المواربة والخداع لم يخبر الليبيين عن ثمن ذلك الانتصار المبالغ فيه. فقد قتل 842 جندياً ليبياً وأسر 122 بمن فيهم ضباط قيادة منطقة أوزو بالكامل وذلك في المعارك التى دارت في محيط واحتي (أوزو) و(برداي) في الفترة من 8 إلى 21 أغسطس 1987.
كذلك لم يخبرهم "القائد" عن الـ784 جندياً الذين قتلوا في أوائل يناير 1987 في المعارك حول مدينة (فـادا) ولا عن 193 جندياً الذين قتلوا في واحة (زوار) في 23 يناير 1987 ولا عن الـ786 جندياً الذين قتلوا وأسر 121 في (بير كوران) يومي 19 و20 مارس 1987، بمن فيهم كتيبة قوات صاعقة مكونة من نحو 300 مقاتل أبيدت عن بكرة أبيها، ولم ينج منهم سوى قائد الكتيبة الذى انسحب من أرض المعركة مع معاونيه، والملازم أول سعيد البلعزى الذى أسر بعد إصابته برصاصة في رأسه وانضم فيما بعد لجيش حفتر. ولا عن الذين قتلوا في معركة (وادي الدوم) التي دارت رحاها يوم 22 مارس 1987 وقتل فيها 1,269 جندياً ليبياً وأسر 438 كان من بينهم العقيد الركن خليفة حفتر والمقدم الركن عبدالله الشيخي. ولا عن 274 جنديا قتلوا وأسر 16 في معركة (فايا لارجو) يوم 27 مارس 1987. هذه ليست أحصائية كاملة فهناك العشرات ممن قتلوا في مناطق أخرى وتاه العشرات في الصحراء وماتوا عطشا، ومات العديد من الجنود مسمومين من جراء شربهم لمياه كانوا قد وضعوها في دانات المدافع الفارغة.
وبينما كان القذافي يحتفل بإستعادة واحة أوزو في 1 سبتمبر 1987 تسللت القوات التشادية يوم 5 سبتمبر مائة كيلومتر داخل الأراضي الليبية وبمناورة إلتفافية اقتحمت قاعدة (معطن السارة) وقتلت 1,713 جنديا ليبياً وأسرت 300. ولولا لطف الله لكانت الكارثة أكبر. فقبل يومين من المعركة غادر القاعدة 200 طالب من طلاب مدرسة على وريث الثانوية بطرابلس كانوا هناك في دورة تدريبية.
رغم الإعلان عن وقف إطلاق النار في 11 سبتمبر 1987 استمرت الطائرات الليبية في الإغارة على المواقع التشادية مما أدى إلى سقوط ثلاث طائرات حربية ليبية، سقطت إحداها في 8 أكتوبر 1987 وكان يقودها النقيب ضياء الدين وتشير مصادر فرنسية إلى أنه منح اللجوء السياسي في فرنسا بعد عامين من أسره.
مفاوضات سرية لتسوية النزاع
هذا هو مجمل الأحداث التي انتهت بهزيمة الجيش الليبي في تشاد عام 1987. ولا يسمح المجال بالدخول في التفاصيل ولكن الذي يهمنا وجود وثائق في حوزتنا تؤكد أن الحكومة التشادية في عهد الرئيس حسين هبرى ومنذ أكتوبر 1987 ـ أي بعد صدور إعلان وقف إطلاق النار بين ليبيا وتشاد في 11 سبتمبر 1987 ـ وافقت على إعادة العلاقات الطبيعية مع ليبيا والتبادل الفوري للأسرى، والتفاوض من أجل حل قضية قطاع أوزو الحدودي.
وتوضح هذة الوثائق أن الحكومة الليبية منذ 8 أكتوبر 1987 أوقفت جميع الإتصالات المباشرة مع الوفد التفاوضي التشادي الذي كان موجوداً في باريس وإلى أن فوجئ العالم بالعقيد القذافي يوافق على إعادة العلاقات الدبلوماسية مع تشاد في أوائل أكتوبر 1988.
البداية الواعدة
كان مصطفى كمال المهدوي (يعاونه حتى مايو 1988 شخص يدعى سالم عبدالرحمن) عضواً بارزاً في الوفد الرسمي للمحادثات السرية بين ليبيا وفرنسا في الفترة من مايو 1987 حتى يوليو 1987، ومع تشاد في الفترة من يوليو 1987 حتى أكتوبر 1988. كان المهدوي كذلك حلقة الإتصال بالوسيط الهولندي المهندس (فوك كيمنك Fokke C. Keemink).
ضم الوفد الليبي المفاوض كذلك محمد اللافي مومن المحامي بالمحكمة العليا (رئيساً) والمستشار عوض الكوافي وكان يدير المفاوضات من ليبيا العقيد عبدالرحمن علي الصيد أمين عام هيئة القيادة العامة للقوات المسلحة في ذلك الوقت. عقدت المفاوضات في عدة دول أوربية منها هولندا وسويسرا وفرنسا وبلجيكا.
بدأت المفاوضات الليبية الفرنسية في هولندا رسمياً في 23 يونيو 1987 أي بعد معركة وادى الدوم الحاسمة. كان الوفد الفرنسي برئاسة العقيد برنارد نوفيون (Bernard Nouvion) ورتب اللقاء الوسيط الهولندي المهندس فوك كيمنك. كانت اللقاءات الأولى تتلخص في طلب فرنسي لليبيا المساعدة في إطلاق سراح الرهائن الفرنسيين الأربعة المحتجزين في لبنان. وفي المقابل ستسعى فرنسا لإطلاق سراح الأسرى الليبيين في تشاد وكان عددهم 559 حسب المعلومات الفرنسية في ذلك الوقت. وكان المطلب الليبي مركزاً على معلومات عن الأسرى الليبيين في تشاد.
إتفق الطرفان مبدئياً كذلك على إستعادة ما تبقي من الأسلحة الليبية في تشاد مقابل دفع ليبيا مبلغ 187 مليون دولار إلى الحكومة التشادية. علماً بأنه بعد خمسة أيام من إنتهاء معركة وادي الدوم قامت أربع طائرات أمريكية عملاقة من نوع جالاكسي سى-5 بشحن العديد من الأسلحة الليبية من طائرات عمودية وصواريخ أرض- جو إلى فرنسا وأمريكا. وتشير بعض المصادر أنه تم إرسال 11 طائرة تدريب من نوع l-39 التشيكية الصنع إلى مصر.
في إجتماع 9 يوليو 1987 بهولندا أقترح العقيد نوفون ـ وكان آخر اجتماع يحضره ـ على الوفد الليبي عقد لقاء بينهم وبين التشاديين. وفي هذا الإجتماع استلم نوفون هدايا قيمة أرسلها له العقيد عبدالرحمن الصيد بمناسبة زواج ابنة نوفون. وعلى الفور بدأ المهندس كيمنك يعاونه الفرنسي فردريك تورونشك (Frederique Toronczyk) مدير عام مؤسسة ميدالون الفرنسية التحضير لعقد إجتماعات بين ليبيا وتشاد. ومن أجل هذا الغرض سافر كيمنك إلى ليبيا في الفترة من 10 إلى 25 يوليو 1987 وقابل العقيد عبدالرحمن الصيد والعقيد عبدالكبير الشريف (صهر محمد اللافي مومن المحامي) والعقيد أحمد محمود والعقيد على الفيتوري وغيرهم، كما قابل بعض عائلات الأسرى.
بعد مجهودات مضنية للوسيطين كينمك وتورونشك عقد أول إجتماع بين الوفد الليبي برئاسة محمد اللافي والوفد التشادي برئاسة سكرتير السفارة التشادية بفرنسا السيد هيديني يوم 7 أكتوبر 1987 بفندق برجندي (BURGUNDY) بباريس. وقد أكد اللافي للوسيط الهولندى أنه يملك كل الصلاحيات للتفاوض على جميع المسائل.
مـفاوضات وديـة... ثم تعكرت
في بادئ الأمر كان اللقاء أخوياً وإيجابياً وأبدى الطرفان موافقتهما على السعى لتبادل الأسرى وفتح صفحة جديدة من العلاقات الثنائية، ولكن في منتصف اللقاء تغيرت لهجة اللافي رئيس الوفد الليبي. فكلما طرح عليه سؤال كان يجيب بقوله: "ستحدث معجزة"!! مما أثار استغراب الحاضرين بمن فيهم عضوي الوفد الليبي (المهدوى والكوافي). وقد اتضح للوسيط الهولندي فيما بعد أن اللافي كان على اتصال شبه يومي بالعقيد نوفيون (النصاب كما وصفه كيمنك... وكان كيمنك في مايو 1987 قد أفشل محاولة نوفيون بيع مخلفات الأسلحة الليبية في تشاد إلى إيران)، وأن اللافي صار دمية في يد نوفيون يوجهه كيف يشاء. وقام اللافي ـ بمفرده أو بتوجيه من ليبيا ـ بإلغاء الاجتماع التالي الذي كان مقرراً عقده في 13 أكتوبر.
ولإنقاذ الموقف اجتمع الوسيطان كيمنك وتورونشك بالوفد الليبي الذى قدم مطالب جديدة وافقت تشاد عليها جميعاً بعد أيام قليلة، وكان من بينها السماح لوفد ليبي بزيارة الأسرى في تشاد. ومنذ ذلك التاريخ لم تحدث أي لقاءات ليبية بالوفد التشادي رغم جهود كيمنك لإقناع العقيد الصيد بضرورة إرسال وفد تفاوضي. في 16 فبراير 1988 أرسل العقيد عبدالرحمن الصيد عن طريق مصطفى كمال المهدوي إلى الوسيط الهولندي كيمنك مطالب جديدة وافقت تشاد عليها جميعاً.
وسطاء أم سماسرة ؟!
في 21 مارس 1988 سافر مصطفى المهدوي إلى سويسرا للقاء الوسيط كيمنك وكان يرافقه هذه المرة مفتاح فضيل عمر نشاد مندوباً عن عبدالسلام الزادمة! وفي اللقاء الذى تم يوم 22 مارس قدم الوسيط كيمنك تقريراً ترجمه المهدوي وكتبه بخط يده (ننشره كاملاً أسفله). ويبين التقرير عدم جدية الحكومة الليبية في الوصول إلى حل سريع للأزمة مع تشاد مما يزيد من معاناة الأسرى الذين لم ينضموا لجيش حفتر ومن بينهم العقيد سحبان والرائد شرف الدين. ويبين التقرير أيضاً أن إثنين من أعضاء الوفد الليبي قد طلبا عمولة قدرها عشرة مليون دولار توضع في حساباتهما الخاصة من جراء صفقة إعادة بيع الأسلحة الليبية في تشاد إلى ليبيا. وقد أرسل كيمنك فيما بعد عدة برقيات إلى العقيد عبدالرحمن الصيد بطرابلس من بينها برقية بتاريخ 20 أبريل 1988 مبدياً امتعاضه وأسفه من عدم تجاوب السلطات الليبية رغم أن الحكومة التشادية قد وافقت على كل المطالب الليبية.
وخلاصة القول فإن مجهودات الوسيطين كيمنك وتورونشك ذهبت أدراج الرياح بسبب حماقة القيادة الليبية وعدم جديتها في تحرير جنودنا في تشاد وتنكرها للأسرى وكأنهم هم سبب الهزيمة وهم وحدهم المسؤولون عنها. وقد أظهرت تقارير كيمنك (في حوزتنا نسخة منها) أنه كان في الإمكان إخراج الأسرى من تشاد بعد أشهر قليلة من وقوعهم في الأسر. وعليه فالذي يتحمل مسؤولية مقتل العقيد عبدالسلام سحبان والرائد طيار عبدالسلام شرف الدين هو القيادة الليبية والقيادة الليبية وحدها. كما تتحمل القيادة التي زجت بأولئك الضباط والجنود والمجندين في حرب عشوائية لا مبرر لها ولم تكن تدار بناء على خطط واستراتيجيات مدروسة كامل المسؤولية على موت الآلاف منها في المعارك ومعاناة من بقي منهم على قيد الحياة وذاق الأمرين في القتال والأسر والغربة.
فلم يكن هناك أي مبرر لوقف الحوار مع الجانب التشادي خاصة فيما يتعلق بالأسرى. ولعل أشخاصاً من أمثال مصطفى كمال المهدوي واللواء عبدالرحمن الصيد وغيرهما ممن عاصروا تلك الأحداث وشاركوا فيها، تستيقظ ضمائرهم وتحيا النخوة الوطنية في نفوسهم يوماً ما فيدلون بشهاداتهم للشعب الليبي عما حدث.. إنصافاً لضحايا تلك الحرب الأحياء منهم والأموات، وتصحيحاً للتاريخ وإعذاراً إلى الله سبحانه وتعالى... قبل أن تفاجئهم المنية فيلقون الله في يوم لا ينفع مال ولا بنون.
ــــــــــــــ