الترجمة الحرفية لمختصر "أونروا" (UNRWA) حسب موقع الوكالة نفسها هو: "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى". ويلخص هذا العنوان المهمة الأساسية لوكالة الغوث، وهي حسب الموقع: " تقديم الدعم والحماية وكسب التأييد لحوالي 4.8 مليون لاجئ فلسطيني مسجلين لديها في الأردن ولبنان وسورية والأراضي الفلسطينية المحتلة، إلى أن يتم إيجاد حل لمعاناتهم". وعلى أن إنشاء الوكالة جاء محاطاً بالشبهات، باعتبارها هيئة أنشئت من أجل توطين اللاجئين الفلسطينيين في الشتات والمساعدة في احتوائهم، إلا أنها عملت أيضاً على توثيق بيانات هؤلاء اللاجئين وأبنائهم وأحفادهم وأنسابهم وقراهم الأصلية. كما تعد الأونروا المزود الرئيس للخدمات الأساسية (التعليم والصحة والإغاثة والخدمات الاجتماعية) للاجئين في الشرق الأوسط.
يحسب للوكالة أنها وفرت التعليم لأبناء اللاجئين. وقد درس هؤلاء الفلسطينيون المناهج المدرسية المقررة في الدول التي يعيشون فيها بلا تدخل من الوكالة. لكن تطوراً جديداً حصل في منطقة التعليم في السنوات الأخيرة، حيث يدور جدل حول اعتزام وكالة الغوث دمج مادة المحرقة النازية (الهولوكوست) في منهاج جديد لحقوق الانسان، ليدرسه تلاميذ المدارس الإعدادية في مدارس الوكالة في المنطقة. ومن حيث المبدأ، لا بأس من معرفة التلاميذ شيئاً عن أدبيات الحرب العالمية الثانية، بحيث لا تمر عليه كلمة "هولوكوست" من دون أن يعرف معناها، لكن المشكلة تأتي من السياقات والغايات، حيث يرتبط الحديث عن الهولوكوست بالمأساة الفلسطينية بطريقة بالغة السلبية، بغض النظر عن صدق الادعاءات بتعرض اليهود للمحرقة كما يروونها أم بغير ذلك.
ظلت قصة الهولوكوست أهم جزء من "الرواية اليهودية" الحديثة، وشكلت الذريعة الأولى والأبرز لاحتلال أرض الشعب الفلسطيني، ونكبته، ونكسته وتشريده، وما يتعرض له حتى الآن من الاستهداف والإبادة. وبطريقة غريبة، لا علاقة لها بأي منطق معروف، أصبح الفلسطينيون هم الطرف الوحيد المعني بدفع ضريبة ما حدث أو لم يحدث في معسكرات أوشفيتز. وعلى نحو لا يقل غرابة، رضي العالم بتعويض اليهود عن مذبحة افتراضية تعرضوا لها بتمكينهم من ممارسة مذبحة مشهودة ما تزال فصولها مستمرة إلى اليوم في حق الفلسطينيين. وقد عملت مؤسسة الدعاية الهائلة للهولوكوست على ترسيخ فكرة "اليهودي-الضحية" في الوعي العالمي، بحيث أصبح إنكار كون اليهودي ضحية في حد ذاته اعتداء على الإنسانية، ومعاداة للسامية، وعنصرية تستوجب العقاب. وأصبح مجرد الحديث بتعاطف عن الفلسطينيين أو حقوقهم الإنسانية، يعني معاداة السامية. وتشكل من ذلك خطاب غريب العلاقات حد الإدهاش.
لا يمكن أن يسمع الفلسطينيون بالذات أي حديث عن هولوكوست يهودي من دون الحديث أولاً عن المحرقة التي يمارسها الكيان اليهودي الاستعماري ضدهم، بل ووقف معاناتهم الطويلة من جرائمه منذ أكثر من 63 عاماً. كما لا يمكنهم القبول بتضمين شيء عن تلك المحرقة في مناهج أبنائهم من دون أن يدرس الطلبة اليهود مساقات عن النكبة الفلسطينية، والنكسة، والمحارق والمذابح الهائلة التي ارتكبتها العصابات الصهيونية الإرهابية وما تزال ضد الفلسطينيين وأشقائهم العرب، والتي يربو عددها على الستين. وأتذكر في هذا الإطار برنامجاً شاهدته على الشاشة قبل سنوات طويلة ولم أنسه، عن أطفال الكيان وهم يرددون بمرح أغنية عنصرية تحض على قتل العرب، لتكون نشيدهم الصباحي اليومي وهم يستقلون الحافلات إلى المدارس، ثم وهم يتدربون على استخدام الأسلحة لقتل العرب في المدارس الابتدائية.
إذا كان اليهود ضحية لشيء، فلا يعني ذلك أن يكون الفلسطينيون "ضحية الضحية" الأبديين. ولا مبرر أيضاً لأن يُعنى الفلسطينيون بهولوكوست اليهود ما لم يعترف اليهود والعالم بالهولوكوست الفلسطيني المستمر. ولا مبرر لاشتغال وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين بمهمة ترويج الحكاية اليهودية، وإغاثة دولة كيان عنصري، أو محاولة إقناع أبناء الفلسطينيين المشردين بمبرر اليهود لتشريدهم أو التطبيع مع قاتليهم باسم الهولوكوست. وهذه مهمات تضطلع بها باقتدار منظمات اللوبي الصهيوني النافذة المحترفة في التزوير.
ليس ثمة علاقة منطقية بين "غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" وبين تدريسهم الهولوكوست! والأجدى والأجدر أخلاقياً وعملياً أن تقوم
الوكالة، من واقع مهمة "كسب التأييد للفلسطينيين"، بنشر قصة "الهولوكوست الفلسطيني" في مدارس العالم
منقول .