تنويعات فلسطينية .... اسكندنافية
الاسكندنافيون وقضية فلسطين بقلم الدكتور : احمد ابو مطر نشر هذا المقال في " عرب تايمز " في عام 1993
يعتبر مواطنو الدول الاسكندنافية من اكثر الشعوب الاوروبية حيادية وموضوعية تجاه العديد من القضايا السياسية ومنها القضية الفلسطينية وتحظى هذه القضية باهتمام خاص مرجعه الى مشاركة هذه الدول ( السويد الدينمارك النرويج فنلندا ايسلندا) منذ اكثر من ثلاثين عاما في قوات الطوارئ الدولية العاملة في قطاع غزة وسيناء ومنذ اكثر من عشر سنوات في جنوب لبنان ورغم ان مجموع هذه القوات من الدول الخمسة لا يزيد في اي فترة عن عشرة الاف جندي الا ان هذا العدد يعتبر كبيرا بالنسبة لسكان هذه الدول قليلة العدد اساسا ... في النرويج مثلا قرية قريبة من القطب الشمالي اسمها (رومسو) عدد سكانها حوالي 25 الف نسمة عندما يعددون مزايا وصفات قريتهم فمن هذه المواصفات التي يفتخرون بها ان (ثمانين) من سكانها عملوا في قطاع غزة لعدة سنوات ... واساسا كان انفتاح شعوب الاسكندنافا على القضية الفلسطينة مبكرا ومصاحبا بالالم والنزف الداخلي فلقد كان اول وعي لهم بهذه القضية عام 1947 عند مقتل الوسيط الدولي السويدي (الكونت فولك برنادوت) والذي قتلته عصابات الهاجانا في فلسطين لانها رأت في اطروحاته لحل القضية الفلسطينية انحيازا للجانب العربي وكان الكونت برنادوت قريبا لملك السويد لذلك ربما لا تخلو قرية او مدينة في الدول الخمسة من شارع باسمه ... مبكررا سأل الاسكندنافيون انفسهم: لماذا يقتل اليهوديون وسيطا دوليا؟ واثناء بحثهم عن الاجوبة نمى وعيهم بالقضية وتاريخها وتعقيداتها ... وقد قام كبار الضباط العاملين مع قوات الامم المتحدة في قطاع غزة وجنوب لبنان بدور فاعل في تعديل ميزان السياسة الاسكندنافية من خلال اتصالاتهم ومواقع عملهم او من خلال كتب او مذكرات وضعوها. اوسلو ... اوسلو ... او الآخرون هم الجحيم!! لذلك لا يصدق شعب النرويج ان تتكمن دبلوماسيته وهو الشعب الصغير والدولة معدزمة التأثير في السياسة الدولية من تحقيق حل لمشكلة طالت حوالي نصف قرن وكانوا يتمنون حسب رؤاهم لو ان البيت الابيض الامريكي لم يسرق منهم شرف التوقيع على هذه الاتفاقية .. وهم فخورون بوزير خارجيتهم السيد 0هولست) وزوجته (ماريان) وبالسيد (تيري لارسن) رئيس معهد الابحاث السياسية وزوجته (مونا) لان هذا الرباعي هو الذي مهد الطرق وعبد الصعاب امام الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي للتوصل الى الاتفاقية التي وقعاها ليلة العشرين من آب 1993 بالحروف الاولى شنعون بيريز عن الطرف الاسرائيلي واحمد قريع (ابو علاء) عن الطرف الفلسطيني وذلك تمهيدا للتوقيع الرسمي الذي سرقت اضواؤه واشنطن يوم الثالث عشر من سبتمبر 1993. الاصدقاء النرويجيون هنا في اوسلو يعتقدون ان دبلوماسيتهم قدمت خدمة عظيمة للشعب الفلسطيني عبر هذه الاتفاقية وهم بحكم عدم اطلاعهم الوافي على تفاصيل القضية المشكلة وهذا اساسا ليس مطلوبا منهم يعيشون لحظات فرح يستغربون لماذا لا نعيشها نحن - فلسطينيي النرويج- معهم؟ طبعا غالبيتهم غير معنيين بالتفاصيل تماما ولا باللاجئين الاربعة مليون الذين تناستهم الاتفاقية تماما ولا بالمستوطنات التي ستبقى مثل مسمار جحا في قلب غزة والضفة الغربية فهم من الساس لا يعرفون لا جحا ولا مسماره ولا حماره ... المهم عندهم (اتفاقية) تم توقيعها بمساعدتهم ينبغي ان نفرح لها مثلهم ... ومهما حاولت ان تشرح لهم مخاطر هذه الاتفاقية وبيعها العلني للحقوق تاريخية للشعب الفلسطيني فهم لا يفهمون هذا لان الاوطان في عرفهم لا تباع خاصة انهم كنرويجيين ظلوا تحت الاحتلال الدينماركي من عام 1390 حتى عام 1814 وما ان حل عن ظهورهم حتى وقعوا تحت الاحتلال السويدي من عام 1814 حتى عام 1905 اي انهم حديثو السيادة والاستقلال ولطول فترة الاحتلال التي عاشوها ظل احتفالهم كل عام في 17 مايو (ايار) بالعيد الوطني مبالغا فيها ... وبعد محاولات حثيثة وتقديم شروحات ومعلومات تجد قلة تؤيدك في تحفظاتك على هذه الاتفاقية المشؤومة. ومن خلال هذه القلة يتداول مثقفو الجالية الفلسطينية في اوسلو فكرة مفادها تقديم بلاغ للبرلمان النرويجي يوضح الاخطار التي جرتها الدبلوماسية النرويجية من خلال اتفاقية اوسلو على مستقبلهم ومستقبل شعبهم وقضيتهم وعلى البرلمان ان يعي هذه المخاطر قبل ان يرشحوا السيد (هولست) لجائزة نوبل للسلام العام القادم فهم لم يحقق سلاما بدليل ان عدة احزاب وتنظيمات فلسطينية تعارض هذه الاتفاقية وبدليل ان القمع الاحتلالي الاسرائيلي تضاعف بعدها ... فهل تنجح في ذلك؟ اوسلو ... واثمن هدية لعيد ميلاد من يتصور ان مواطنا مهما كانت صفته واسمه ... سواء كان اسمه (احمد قريع) او (ابو علاء) ... مستشارا اقتصاديا كان ام (تاجرا) ... من يتصور ان هذا المواطن يقدم 98.5% من مساحة وطنه هدية لعيد ميلاد وزير خاجية الدولة اغتصبت وطنه واحتلته منذ ما يزيد على اربعين عاما وتوافق الان على اعطائه ( غزة واريحا) التي لا تزيد مساحتهما عن 1.5% من مجموع مساحة فلسطين هذا مع بقاء المستوطنات في داخلهما ... طبعا هذا الكلام ليس نكتة ولا (هلوسة) ... ولكنه ورد في كتاب شمعون بيريز الجديد الصادر قبل ايام باسم (الشرق الاوسط الجديد) ففي الفصل الخاص بالخلفية السياسية والاقتصادية التي قادت اسرائيل الى طاولة المفاوضات يقول شمعون بيريز: " كان ذلك في الساعات المبكرة من ليل العشرين من اغسطس آب 1993 حين وقع بقية المندوبين على الوثيقة النهائية التي رأبنا على صياغتها منذ امد بعيد ها نحن اخيرا قد بلغنا اتفاقا اسرائيليا-فلسطينيا في تلك الليلة ايضا احتفلت بعيد ميلادي السبعين في اوسلو كان الظلام ما يزال مخيما في اسرائيل اما في النرويج فان الفجر الشمالي ينبلج من خلال الضباب ها نحن مجموعة صغيرة من الاسرائيليين والفلسطينيين والنرويجيين تشترك في اشد الاسرار الدبلوماسية كتمانا سر سيؤدي الى الكشف الوشيك الى منعطف فريد في الشرق الاوسط وابتسم ابة علاء ممثل منظمة التحرير الفلسطينية ابتسامة دافئة بوجهي وقال:" ان هذه الاتفاقية هدية عيد ميلادك" وخطر لي :" يا لها من هدية فريدة لا متوقعة بل يستعصي سبرها". هل صدقتم؟ هدية لم يتوقعها شمعون بيريز فهو لم يتوقع هذا التفريط هذا التنازل هذا الاستسلام طبعا نحمد الله ونشكره حيث لا يحمد على مكروه سواه بانه لم يصادف تلك الليلة عيد ميلاد شخص آخر من الوفد الاسرائيلي والا لكنا طلعنا ب (غزة) فقط ولطارت (اريحا) هدية لعيد ميلاد الشخص الاخر!! الخيانة وكويسلنج!! استعصى علي اقناع صديق صحفي نرويجي بمخاطر هذه الاتفاقية وفي النهاية فكرت ان افضل وسيلة لاقناعه هي استعمال حيثيات التاريخ النرويجي سالته: من هو كويسلنج؟ قال: هو الجنرال كويسلنج قائد الجيش النرويجي في الحرب العالمية الثانية . ثم سألته: لماذا اشتهر في التاريخ؟ قال: لانه خان وطنه النرويج وتعاون مع هتلر والحركة النازية اثناء احتلال النرويج من الجيش الالماني وشكل حكومة محلية دمية لقوات الاحتلال. سألته: هل تنازل او باع اجزاء من الوطن او وقع وثيقة احتلال للوطن ام مجرد انه تعاون مع النازيين بحكم ميوله الفكرية والعقائدية؟ قال: لا ... فقط تعاون مع النازيين وشكل حكومية نرويجية لحسابهم . سألته: هل اتهم بالخيانة؟ قال: نعم وقدم للمحاكمة بعد تحرير النرويج وحكم عليه بالاعدام واصبح اسمه (QUISLING) في القاموس الانجليزي والنرويجي اي باللغتين الانجليزية والنرويجية يعني ضفة (خائن) .. وهذا واقع فعلا راجع قاموس المورد انجليزي- عربي طبعة 1983 ص (751) فالقاموس يقول: الكويسلنج بائع وطنه خائن يتعاون مع محتلي بلاده وبخاصة عن طريق الاشتراك في حكومة دمية تقام فيها. سألته: ضمن هذا السياق ما رأيك فيمن وقع في (اوسلو) عاصمتكم على اتفاقية تنازل فيها عن 98.5% من وطنه ماذا تسميه؟ ضحك وقال: الان فهمت المغزى من كل اسئلتك الان فهمت لماذا تعارضون هذه الاتفاقية. والسؤال المنطقي ضمن هذا السرد التاريخي هو: هل تدخل بعض الاسماء الفلسطينية القاموس العربي ويصبح الاسم يعني في القاموس العربي ما يعنيه اسم (كويسلنج) في القاموس الانجليزي والنرويجي؟ انه مجرد تساؤل لغوي برئ من كل شبهات السياسة والتوقيع وهدايا اعياد الميلاد