عندما اجتاز الشاب سلطان العجلوني النهر في ليل تعشقه قلوب الأحرار ويخافه الجبناء .. لم يكن وحيدا .. كان تحرسه أشجار الرتم وصخور الجبل وعيون وادي الفارعه .. رفقة صالحه .. كانت بين يديه تمده بالعزيمة وتهدىء من غليان صدره .. كانت روحه تسبقه ودمه على كفه .. ومسدسه [ نص العمر ] يتمايل بفخار على جنبه .. يا الله .. 17 عاما والله بعدك صغير يا ولدي .. تهم بضرب العدو غيرة وثأرا لأخوة لك غربي النهر فلسطينيين , يعانون ويعيشون الغربة في وطنهم العربي الكبير
ربما تكون على صغر عمرك قد أخذت بجدية ما يقوله النشيد : [ بلاد العرب أوطاني ] بينما أخذناه نحن الكبار في العمر على نحو من السخرية ّ لأنه منذ نشأته لم يطبق يوما ما حتى أصابنا الملل والقرف ! لو كان للعقل صوت يسمع في دوار الداخلية لكان مجرد دخول سلطان العجلوني محيط " الميدان " كفيلا بتهدئة النفوس والتوقف عن ضرب الحجارة وأشهار السلاح وتجاوز التشنجات العنصرية التي تفرق ولا تجمع وتقصي الأخ عن مشاركة أخية في حمل هموم الوطن ومشاريع بناءه ! لقد فعلها سلطان منذ سنين عديدة , كان لا يزال تلميذ مدرسة , ليست له أجندة خارجية ولم يتلقى الدعم من جهات مغرضة لأجهاض المسيرة ولم يكن مدفوعا من عشيرة أو منظمة تريد أن تسجل موقفا ما .. وقتها .. كانت براءة الوطن الأردني تسكن في عروقه .. اصالة الوطن الأردني هي من دفع ب سلطان الى صنع ملحمة الفداء العظيمة التي يتوافق حولها الأردنيون والفلسطينيون بل كل الشعوب العربية الأسلامية حين تتوحد كلمتهم ! ايش اللي بنسمعه ! فلسطيني اردني , شرقي غربي , شمالي جنوبي ! لقد تجاوز سلطان كل هذا وهو ابن عشيرة اردنية الأصول عريقة في الأمجاد .. قرر نصرة المظلومين في فلسطين لأنهم اخوة في الدين اخوة في العروبة وربما أنه لم يسمع أصلا بقصة " المنابت الأصول " والوطن البديل ! هذه الفزاعة التي زرعها اليهود بين ظهرانينا كي يجعلونا نتوجس خيفة من كل تقارب يجمعنا ! فداك قلبي يا سلطان .. احاول أن أتخيل ملامحك .. اصرارك .. عزيمتك .. قبضة يدك واصبعك على الزناد حين أطلقت رصاصتك .. ربما لأول مرة .. فأصابت مقتلا من جندي مدجج بالسلاح .. لو لمحك قبل أن تلمحه لقتلك ! ولكن عينه الجبانه لم تكن لتجرؤ أن تتحول اليك .. لأنك سلطان .. وهل يجرؤ الجبان أن يرفع عينيه في وجه السلطان !! لقد فعلتها يابن أخي ! من علمك مفردات النضال .. من علمك كيف تلج حصون الأعداء من أشرف الأبواب ؟ كم رصاصة كانت في جعبتك حين قررت المواجهة .. جيش لا يقهر يواجه سلطانا بمسدس .. لم يكن الرعب الذي بث في عقولنا عن الجيش الذي لا يقهر ليعنيك يا سلطان أو يقلل من هيجان دمك أو يثنيك أو يشكل مانعا حتى في مخيلتك من أنك ربما تقتل ويظل الآخرون تحت المكيفات والأضواء يتغنون بملذات الدنيا وزينتها ! لم يكن هذا هو همك , ولم يكن هذا هو تقييمك للفعل , ربما كان هذا دافعا للتحدي .. فالشهادة في سبيل الله تبدأ بالتحدي الذي يعقبه الأنتصار ! من هنا ابتدأت الرحلة التي تتكلم عنها .