محمود الداوود - السبيل الأردنية
قراءة في الرسالة الملكية لرئيس الوزراء
- قوانين الانتخابات والأحزاب والاجتماعات العامة والبلديات والاهتمام بالإعلام الرسمي دلالات على التحول الإصلاحي المنشود
- دعوة ملكية للمحافظة على مواطنة الأردنيين ومراجعة من لحقهم ظلم في سحب جنسياتهم
- انتقاد القوى التي "تشد المسيرة إلى التراجع" ودعوة الحكومة لوضع تلك التدخلات التي تسير في غير زمانها
---------------------------------------------
في الرسالة التي وجهها الملك عبدالله ابن الحسين لرئيس الوزراء الدكتور معروف البخيت أكد الملك أنه ومنذ استئناف الديمقراطية منذ ما يزيد على عشرين عاما، كان الحريص "على الإصلاح الشامل، وما يزال" واضعا جلالته الحقيقة ماثلة أمام الجميع بأنه لا بد من السير في هذا الاتجاه، لكنه وضع النقاط على الحروف حين قال في رسالته: "لاحظنا أحيانا أن قوى تشد المسيرة إلى التراجع".
وتكررت هذه الجملة بأسلوب آخر حين قال الملك: "إنني أوجه الحكومة وجميع المؤسسات المعنية أن يتوقف ما يشكو منه أبناؤنا في الجامعات من تدخلات في شؤونهم واتحاداتهم الطلابية وتفكيرهم السياسي، فهذا زمان جديد لا يقبل مثل هذا".
وأكد الملك في رسالته للحكومة للمرة الثالثة "يجب اتخاذ إجراءات فورية لإنهاء أي تدخل من أي جهة كانت في شؤون الجامعات ومعاهد العلم".
عند هذا التأكيد الملكي الواضح نفهم جملة في غاية الأهمية مفادها أن الطرق التقليدية القديمة التي تجعل من البعض أوصياء على الدولة وعلى الجامعات وعلى الشباب وعلى الحياة السياسية والاجتماعية وغيرها باتت طريقة قديمة بالية وبائدة، وانه لا بد من تغييرها والخروج من ضيق الأفق الى سعة الأفق، والى القدرة على التحول إلى عالم آخر من العمل الجماعي لمصلحة الدولة، وقد سمى الملك تلك القوى بقوى تشد المسيرة إلى التراجع، أو ما يمكن تسميته بـ"قوى الشد العكسي"، هذه القوى التي عانينا منها كثيرا، وهي القوى التي لا تريد للأردن الخير، إنما تريده في بوتقة ضيقة محصورة لمصالحهم الشخصية، وعلى حساب الآخرين تارة أو على حساب الدولة بأكملها تارة أخرى، وظن البعض أن المنصب أو الجاه أو الجهاز الذي يعمل فيه يحميه من أي مساءلة، تاركا خلفه الدنيا تقوم وتقعد، وهو لا يبالي طالما أموره ومصالحه تسير بشكل حسن، وهؤلاء هم الذين حذر منهم الملك وسماهم "من أي جهة كانت"، وهذه الجهات باتت معروفة بسبب عملها المكشوف، فهم إما أنهم يعملون في أجهزة أمنية مستغلين مناصبهم، ومتخذين قراراتهم فرادى على حساب المجموعة مما يسيء للجهاز العاملين فيه، وإما إنهم أصحاب مصالح عليا كرجال متنفذين في مناصب حساسة في الحكومة، ومنهم مسؤولون سابقون وحاليون، ومن هؤلاء أيضا بعض ما يمكن تسميتهم بالحرس القديم الذين يحاربون أي تطور أو تحول حتى يبقوا في الواجهة ويستاؤون إذا ما انعزلوا عن الحياة العامة، فيجدون من التدخل في كل شيء وسيلة للبقاء لدرجة أن منهم من يردد دائما أن هناك توجهات عليا، قاصدين الملك، وهم أنفسهم الذين حذر منهم الملك في أكثر من مناسبة وطلب منا جميعا ألا نستمع لمن يقول إن معه "تعليمات من فوق".
هذه المرة كانت كلمات الملك لرئيس الحكومة واضحة جلية، وأمام رئيس الحكومة خيار واحد فقط هو البدء بالتطبيق، وهو ما أشرنا إليه في مقال سابق أن على الحكومة أن تبدأ بتنفيذ بعض الإصلاحات فورا ودون إبطاء، ولا داعي لبعض القرارات من لجان، إنما يمكن اتخاذ بعض القرارات في مدد زمنية محددة وقصيرة جدا، وهذا ما حدا بالملك الطلب من رئيس الحكومة بأن تكون مسيرة الإصلاح سريعة وحاسمة، فهناك قوى سياسية تعرف ما تريد ولها مطالبها، وتلكؤ الحكومة أو مماطلتها إنما يفتح المجال لقوى الشد العكسي بالتدخل بالأسلوب الخاطئ أو وفق مصالحهم؛ مما يعيق تقدم الحكومة لاحقا، ناهيك عن تدخل بعض المغرضين كلما طالت مدة السير نحو الإصلاح مما يشوه الصورة ويزج بالبلد إلى زوايا ضيقة قد لا تستطيع الدولة الخروج منها ببساطة لاحقا.
الرسالة الملكية فيها الكثير من المعاني التي يمكن للحكومة المباشرة في تنفيذها، لكن لا بد من الوقوف على أمر آخر غير (قوى الشد العكسي)، فقد طلب الملك من الحكومة إنجازا سريعا لقانون انتخاب ديمقراطي وقانون الأحزاب وقانون الاجتماعات العامة وقانون البلديات.
كما أكد الملك ضرورة (اجتثاث الفساد) ولهذه الكلمة معنى في غاية الوضوح فلم يستخدم الملك (مكافحة الفساد) إنما (اجتثاث)، وهذا يعني ضرورة العمل الفوري وتقديم الفاسدين للعدالة، ومن خلال تقرير شهري تصدره هيئة مكافحة الفساد "لكي يعلم الرأي العام بها بكل شفافية ومسؤولية".
ولأن طلاب الجامعات اشتكوا كثيرا من تدخلات بعض الجهات الأمنية في حياتهم الجامعية، ولأن تلك الجهات وقفت دون تحقيق رغبة الملك التي تحدث عنها منذ أكثر من عامين حين شجع الطلبة على العمل السياسي، وقال لهم: "أنا كفيلكم" ودعاهم للعمل السياسي والحزبي المنظم، إلا أن قوى الشد العكسي أبت أن تعطي للطلبة هذا الحق فتدخلت في كل انتخابات ومنعت ترشيح بعض القوى السياسية، ومارست التهديد والوعيد عبر الهاتف تارة وعبر الاعتقالات تارة أخرى، وأعتقد أن مثل هذه التدخلات أغضبت الملك الذي قال بصريح العبارة في الرسالة الملكية للبخيت: "يجب اتخاذ إجراءات فورية لإنهاء أي تدخل من أي جهة كانت في شؤون الجامعات ومعاهد العلم"، مؤكدا أن "هذا زمان جديد لا يقبل بمثل هذا".
أما الإعلام الرسمي فقد أعلنها الملك صريحة "شهدنا تراجعا في الإعلام الرسمي"، والسبب كما نعلم التدخلات نفسها من جهة وأؤلئك الذين نصبوا أنفسهم حماة للوطن، فيما هم لم يقدموا للوطن سوى التأخر والتراجع والبيروقراطية والملل والروتين، فالإعلام الرسمي يحتاج إلى (انتفاضة داخلية) تقتلع الكسل الذي يعاني منه والكساح، إلى الانطلاق والعمل والحرية والأهم هو الانفتاح على الرأي الآخر بكل معنى الكلمة تأكيدا لقول الملك "يقبل الرأي الآخر ويحترم التعددية"، وهذا إذا ما تحققت قمة النزاهة والشفافية والمهنية الإعلامية.
ودعا الملك أيضا الاهتمام بالفن الأردني وبالمؤسسات الثقافية والإعلامية ودعم حقوق المثقفين والفنانين ومطالبهم المشروعة، ونحن نعلم أن الحكومة ستواجه مشكلة (الموازنة العامة للدولة)، لكن يجب أن تجد الحكومة أكثر من مخرج لتحقيق هذه الرؤية الملكية في الوقت الذي تراجع فيه دور المثقفين والمبدعين والإعلاميين والفنانين وعانوا للأسف من مشاكل اجتماعية ومالية بسبب تهميشهم وإهمالهم.
ثم حدد الملك ثلاثة أشهر لإجراءات اقتصادية جديدة لضمان إيجاد فرص العمل بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، مع ضرورة (منع الاحتكار وتنظيم السوق) مؤكدا جلالته "بما يضمن حماية المواطنين من تقلب الأسعار"، وأعتقد أن الحكومة قادرة على اتخاذ خطوات عملية في هذا الاتجاه حتى لو اضطرت لإعادة وزارة التموين.
والنقطة المهمة التي نود الإشارة إليها في رسالة الملك للبخيت ما جاء حول قرار وتعليمات فك الارتباط الإداري والقانوني مع الضفة الغربية وكان جلالته واضحا جدا في هذا المسار "أؤكد أن الأردن لجميع الأردنيين، ولن يفقد أي مواطن حقوقه التي كفلها الدستور والقانون"، كما دعا إلى دراسة ملفات "كل من لحقه غبن أو ظلم"، وهذه رسالة ملكية واضحة لكل جهاز في وزارة الداخلية لتنفيذها فورا، حول موضوع سحب الجنسيات من المواطنين الأردنيين، مما ألحق الضرر ببعض أبناء هذا البلد المنتسبين إليه بكل اعتزاز ومنذ عشرات السنين، وقد وجدوا أنفسهم فجأة خارج المواطنة، رغم عطائهم الموصول منذ نعومة أظفارهم عملا ووفاء وإخلاصا للبلد وقيادته وللشعب.
الرسالة الملكية هذه المرة تضمنت جملة في غاية الأهمية "إنني لن التمس بعد اليوم عذرا للتأخير في دورة الحياة في عروق الإصلاح السياسي والاقتصادي"، وقال: "ليس من المقبول أن تظل البيروقراطية حجر عثرة في سبيل انجاز متطلبات الناس وحاجاتهم"، وهنا على الحكومة اتخاذ إجراءاتها وخطواتها على وجه السرعة، تنفيذا لا كلاما، فقد آن الأوان للعمل وتجاوز كل المعوقات، وعدم التحجج باللجان والاجتماعات التي تأخذ طابع المماطلة والتسويف، إذ لا بد من اتخاذ فورية نحو إصلاحات عاجلة، وقد حدد الملك عدة أشهر لتنفيذ بعض ما جاء في الرسالة الملكية، ونعتقد ان الحكومة إذا لم تفعل ذلك فإن عليها الرحيل وترك المجال لمن يستطيع تحمل المسؤولية بشكل أفضل، لأن الوقت الحالي لا يحتمل التجارب إنما ينتظر القرارات الإصلاحية الفورية، فهل تستطيع الحكومة تجاوز (المعوقات) لتنفيذ ما جاء في الرسالة الملكية أم ستقيدها قوى خفية كانت دائما تعيق العمل والتقدم؟