الاسلام في ماليزيا
جنوب شرق آسيا اسم يطلق الآن بصفة عامَّة على الأقاليم الواقعة بين شبه القارة الهندية وجنوب بلاد الصين، والمحاطة من الشرق ببحر الصين والجزء الجنوبي الغربي من المحيط الهادي، ومن الغرب المحيط الهندي وخليج البنغال، وتضمُّ البلدان التالية: إندونيسيا، وماليزيا، والفلبين، وسنغافورة، وبورما، وفيتنام، وكمبوديا، ولاوس، وتايلند، والصين, وتركستان الشرقية، وبروناي، وهذه المنطقة قد تأثَّرت بالطابع الهندي والصيني؛ لكثرة الهجرات إليها من هذين البلدين، وتأثَّرت بثقافَتَيْهما .
والحقيقة أن قصة انتشار الإسلام في جنوب شرق آسيا تُعَدُّ من أعظم قصص انتشار الإسلام في العالم؛ فالمسلمون لم يذهبوا إلى هذه المناطق الشاسعة المساحة العظيمة السكان بجيوش فاتحة، ولم يخوضوا مع أهلها حروبًا تُذكر، وإنما ذهبوا إليها كتُّجار يحملون أخلاقَ الإسلام، وهَمَّ الدعوة إلى الله، وذلك بالحسنى والمعاملة الحسنة، فحقَّقوا القاعدة الأصيلة التي تؤكد أن الإسلام إنما يغزو القلوب لا الأراضي أو البُلدان.
فقد حمل التجار المسلمون بضائعهم، ورحلوا من المشرق الإسلامي إلى تلك البلاد النائية عن طريق البحر، وكان لعرب جنوب الجزيرة العربية اليمنيِّين والعُمَانيِّين النصيب الأوفى في ذلك، فأخذوا يبيعون ويبتاعون، ووجد أهل تلك البلاد النائية فيهم الصدق، وعرَفوا فيهم العفَّة والأمانة، ثم علموا أن هذا كله من أثر العقيدة التي يحملونها؛ فحُبِّب الإسلام إلى نفوسهم؛ الأمر الذي لم يظلوا عليه طويلاً حتى باتوا يَدِينُون بالإسلام، وأصبحوا من أبنائه المخلصين.
وبين يَدَيْ هذه الصفحات نرى قصة وصول الإسلام إلى دول هذه المنطقة، مع التطرُّق إلى أهمِّ أحداثها التاريخية التي مرَّت بها، وأوضاعها الراهنة؛ فإن سكان هذه البُلدان وإنْ نَأَتْ بهم عَنَّا الديارُ إلا أن رابطة الدِين وميثاق الأخوَّة يجعلهم أقرب إلينا من قِيدِ أُنْمُلَةٍ.
أما ماليزيا التي تُعَدُّ من الدول الإسلامية الكبرى في جنوب شرق آسيا من حيث الأغلبية المسلمة, حيث تصل نسبة المسلمين فيها إلى 60% من عدد السكان، فتقع في المحيط الهندي، ويَحُدُّها من الشمال تايلند، ومن الجنوب إندونيسيا.
وقد وصل الإسلام إلى ماليزيا في القرن السابع الهجري، وإن كنا لا نستطيع أن نُحَدِّد بالضبط السنة التي انتشر فيها؛ وقد كانت روابط شبه الجزيرة الملايو (ماليزيا) متينة مع جزيرة سومطرة المواجهة من ناحية الغرب، والتي وصل إليها الإسلام كذلك؛ لأن أطرافها الشمالية أقرب إلى الغرب، حيث كانت تمخر السفن الإسلامية، وتتحكَّم تلك السفن في طرق المحيط الهندي البحرية، وفي موانئه وقواعده ومراكزه وبحاره، وينتقل المسلمون التجار والدعاة على السواحل يحملون مع بضائعهم العقيدة الإسلامية، التي تتلاءم والفطرة البشرية، وتعطي معاملتهم وسلوكهم وأخلاقهم صفةً تختلف عمَّا يتَّصِف به بقية التجار؛ بل كان كلُّ تصرف ينبع من تلك العقيدة، وكثيرًا ما كان الدعاة يتَّخذون التجارة وسيلة ليتَّصلوا مع السكان، وليدعوهم إلى الإسلام.
وفي سنة 676هـ أسلم ملك جزيرة (مالاقا)على يَدِ تجار مسلمين قادمين من جدة، وأطلق على نفسه اسم "محمد شاه"، وتبعه شعبه في اعتناق الإسلام، وبذا قامت أوَّل دولة إسلامية تعمل على نشر الإسلام فيمن جاورها من الجُزُر، وفي غضون نصف قرن أصبحت (مالاقا) مركزًا يَشُعُّ الإسلام على المناطق المجاورة، فأسلمت جزيرة (باهانغ) وجنوبي الملايو .