بسم الله الرحمن الرحيم
كانت هناك في منتصف جولة الطواف لوحة كهربائية باللون الأخضر تشير الى بداية ونهاية الطواف
, وكنت كلما شعرت بالتعب أتوقف وأنظر اليها من بعيد وأقول لنفسي لقد اقتربنا !!
ثم أواصل المشي ما بين البطء والخطوة السريعة وأحدث نفسي أن الأجر على قدر المشقة لكي
أحصل على الدعم المعنوي فأتقوى به على قطع المسافة !
الحديث مع النفس بالأيحاءات الأيمانية يريحها ويقويها ! ولما أنظر الى الجموع المندفعة في
الطواف وفيهم العجوز والمتعب والمرأة المسنة وفيهم المقعد الذي يطوف محمولا على العربة
ورأيت حالات من نساء يحملهن أولادهن على ظهورهم ! وما رأيتهم توقفوا للأستراحة , فأندهشت
لذلك البر والرحمة بالوالدين لكون الأمر من النادر أن يكون الا في الكعبة المشرفة .. ذلك المكان
المهيب الذي يجعلك تتفاني في خدمة الآخرين من دون تفكير وأنما بأندفاع ذاتي وكأن القلوب تكون
في حالة من السكينة التامة حين تستشعر وقوفك وزيارتك لبيت الله !
في الحياة أحوال كثيرة نقوم بها من غير تفكير , فلو كنا في زيارة أمير أو وزير أو مدير نأخذ كافة
الأحتياطات حتى لا تبدر منا أية مخالفة - للبرتوكول - الذي يحاط به كبار القوم .. يقولك ما ترفع
صوتك انت في بيت المدير .. لا تتسبب في أزعاج كلب الحراسة !
لا تتلفت حواليك ! لا تدخن ! ما أن يطل المدير حتى تنهض لتحيتة وتستقبلة بأبتسامة ولو كنت
تعاني من مغص شديد ! ونحن في بيت الله عز وجل والله عز وجل معنا يرافقنا لا يتركنا لحظة
واحدة , فهو معنا أينما كنا ومع ذلك لا يستشعر الكثيرون منا هيبة الله تعالى والملائكة وجمع
المؤمنين وهم يسبحون الله تعالى ويقدسونه !
تسمع في الجوار أصوات النساء يتصايحن في شجار قد يكون سببه لا يذكر !
وأنما هي النفس المشاغبة والقلب القاسي تأبى التوبة والصلح مع الله !
سباب وشتائم وصراخ وتدافع مصطنع لعدم - الأيثار - الذي يدعوا اليه الدين !
أن تؤثر أخيك على نفسك , أن تقدم مصلحته أن تيسر له طريقه أن ترحمه وتجد له عذرا !
أخلاق الأسلام كما علمنا اياها النبي الكريم للأسف الشديد وفي كثير من الأحيان تكون غائبة !!
غير مطبقة في واقع الحال , نحن نتكلم كثيرا ونعمل قليلا ومعظم الأوقات لا نعمل !
نحن ندور في فلك المزاج والرؤيا الشخصية ولا ندور مع رحى الأسلام حيث تدور !
أدارة الخدمات السعودية منظمة بشكل ملفت للنظر ومثير للأعجاب وهم مشكورون في كل الأحوال , فهم يتعاملون مع ملايين من البشر ! بيئات متنوعة , ثقافات أشكال وألوان , تربية فيها ما هو موغل في الجهل وفيها مدعين كثر ! وفيها معاندين وفيها لغات وألسنة عدة , فيها نظافة وبلا نظافة , فيها نفوس تترفع عن الدنية وفيها نفوس وضيعة !
حتى لو كان الناس في مكة فهم يمثلون أو يجلبون معهم جزءا كبيرا من نمط معيشتهم لا ينفكون عنها وكأنها سيف مسلط على رقابهم ! والا فما الذي يجعل جماعة من الرجال يتشاجرون في حرم الكعبة من الداخل ويضربون بعضهم - بالشباشب - هل كانت المسألة خطيرة لتلك الدرجة التي لا تحتمل التأخير او السكوت تقديرا لحرمة المكان أو حتى التسامح من أصله !
ولكن ماذا أقول في الطبع والجبلة والثقافة المكتسبة اذا كانت قد رضعها كثيرون مع حليب الرضاعة ! كنت كلما وصلت اللوحة الخضراء أعد وأكرر عدد الجولات حتى لا أنسى , كل مرة أعتقد أني نسيت , فأقف وأتذكر المشاهد من حولي أستدل بها على العدد الصحيح !
وأني اسأل الله تعالى أن يكون عدد جولات الطواف التي قمت بها صحيحة , سبعة أشواط بالتمام والكمال , وما أن ينتهي الطواف حول الكعبة حتى تبدأ جولات السعي بين الصفا والمروة , الله المستعان , حتى وأن شعرت بالتعب فحركة الناس ودعائهم ومواصلتهم السعي بلا كلل يعطيك القوة على التواصل في مسعاك وكله بثوابه , كل تسبيحة وكل كلمة طيبة وكل لقمة تعطيها لأخيك وكل ابتسامة كما وعد الله تعالى وكما بينها النبي الكريم " تبسمك في وجه أخيك صدقة " والصدقة تعني الأجر العظيم , وفي المقابل كل أذى وكل اساءة وكل ضرر يلحق بأخيك المسلم فيه العذاب الشديد !
ففي بيئة يكون فيها الجزاء والعطاء كثيرا يكون فيها العقاب الأليم !
يتناسب معه تناسبا طرديا حتى يكافئه ويكون بقدره ! فعندما تسرق حبة تفاح من مزرعة يكون عقابك بقدر الفعل الذي قمت به ثم يختلف اختلافا كبيرا اذا قمت بقتل صاحب المزرعة كي تسرق التفاحة ! المحكمة عند الله تعالى والقاضي عدل وهو الله , هو الرحمن الرحيم [ غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب لا اله الا هو اليه المصير ] اللهم اختم بالصالحات أعمالنا وأعفو عنا وتب علينا وأدخلنا الجنة مع الأبرار يا الله يا الله انك ولي ذلك والقادر عليه ولا حول ولا قوة الا بك .