ال
الفنان حسين نشوان الدوايمه رعى مدير عام المركز الثقافي الملكي محمد أبو سماقة, في قاعة الأميرة فخر النساء زيد للمعارض ,معرض الفنان الزميل حسين نشوان بعنوان تنويعات.
تلي المعرض في السابعة والنصف بقاعة المعارض ندوة من سلسلة ندوات النقد والثقافة البصرية لمناقشة تجربة الفنان حسين نشوان, بعنوان المكان في أعمال حسين نشوان يقدمها الفنان محمد العامري.
يذكر أن الفنان حسين نشوان هو مدير تحرير الدائرة الثقافية في صحيفة الرأي, باحث وفنان تشكيلي, عضو في رابطة الكتاب الأردنيين, نقابة الصحافيين الأردنيين, ورابطة التشكيليين الأردنيين, صدر له عدة روايات ودراسات, أقام تسعة معارض شخصية, وشارك في عدد من المعارض الجماعية
رسومات ناجي العلي عن لبنان.. توأمة الروح والوجع - بقلم
حسين نشوان منذ معرضه الأول (1963) في المدرسة الجعفرية بمدينة صور التي عمل فيها مدرسا للاطفال، نضجت فكرة الفن ورسالته.
كان الرسم بالنسبة لناجي العلي الذي ولد في قرية الشجرة العام 1936، يقوم على الذهاب إلى الوجع والألم الذي يراه يوميا في عيون أبناء مخيم عين الحلوة الذي يتشعبط أكتاف مدينة صيدا، وكانت الحياة عبر زخمها وتقلباتها وتناقضاتها كفيلة بأن تظلل رسوماته بسخرية ألوانها وخطوطها الحادة، ليكون الكاريكاتير كما يصفه أحد النقاد الفرنسيين الفن المفترس ، وبالنسبة لناجي سليم
حسين العلي: أداته للاستمرار في الحياة.
ومن هذه الفلسفة اشتق رموزه وإشاراته وشخصياته التي كان يلتقطها من الشارع وتفاصيله اليومية بعد أن تذوب في ذاكرة الفتى الذي تفتح وعيه في جنوبي لبنان وهو يقبع في خيمة النزوح.
في رسومات العلي لـ الطليعة الكويتية التي عمل فيها في الفترة 1963 ـ 1968 تناولت جل موضوعاته الحياة السياسية في الكويت وانعكاسات حقبة النفط وتحولاتها الاجتماعية والسياسية، دون أن يبتعد عن الأحداث العربية التي برزت فيها مرحلة النكبة والمنفى، من خلال رؤية تبوتق الحدث فلسطينيا بكل معاناته.
كان ثمة سعي منه، وهو الذي تعلم الفن في أكاديمية المخيم، في تحويل الكاريكاتير إلى أدب شعبي يميز بين السخرية والضحك لمصلحة الأولى، وبمقدار ما ينفتح فيه على قضايا الإنسان لتتسع حلقات الرؤية لديه حتى المحيط العربي فالإنساني، وفق انحيازه لقضايا الإنسان المعثر وقضايا الحرية في مواجهة الاستبداد والسلطة لتمزج بين المحلية والعالمية.
وبالنسبة للعلي، فإن لبنان هو توأم الروح والوجع، وشكلت أعماله يوميات للوقائع اللبنانية، كما ارتبطت بذاكرة الطفل الذي أحب من خلال عين الحلوة لبنان الكرامة .
ولا يجد المتتبع لأعمال العلي الذي استشهد في التاسع والعشرين من آب 1987 بعيد مسافة بين حياة الطفل الذي خرج من قريته (الشجرة) التي وقعت فيها المعركة التي استشهد فيها الشاعر عبد الرحيم محمود (1948) ليكون الشاهد والشهيد، فالكاريكاتير مدونته وأداته التحريضية ضد الموت والنفي والتسلط والفقر: إن ريشتي تشبه مبضع الجراح.. أنا لست مهرجا، ولست شاعر قبيلة. إنني أطرد من قلبي مهمة ثقيلة.. لا تلبث أن تعود لتمنحني مبررا لأن أحيا .
ومن هنا اشتبكت حياة الرسام بحياة الإنسان الذي اختزل المجموع في الفرد للتعبير عن ثنائيات الصراع: اللوحة والحياة ، فالأولى لم تكن بالنسبة له تعبيرا عن واقع متخيل دائما بل الواقع ممسخرا. وارتبطت أداة التشكيل بالمضمون ليعبرا عن رموزه بما هي اشتقاق لحياته وانعكاس لآلامه.
لقد جاء تعبير اللونين الأبيض والأسود اللذين اختارهما الفنان ليمثلا جانبي صراع الخير والشر في ديمومتهما، كمعادل للحق والظلم، وتجليهما حسيا في الليل والنهار.
وكان اللون الأسود جزءا من الحياة ودينامياتها برز بحدة وجفاف، غير أن هذه الحدة لم تكن تشاؤمية، وإنما هدفت إلى إبراز الجانب المضيء والمعادل الحيوي بالكيفية التعبيرية لإمكانيات اللون وليس لحقيقة انعكاس الضوء، فهو يعتمد على إمكانيات الفراغ للتبسيط وترك المساحات الخلفية نقية للإمساك بالجوهر. وربما تكون هذه المرحلة تبلورت لاحقا بالنسبة لناجي العلي والتي ترافقت بالميل إلى التشكيل التي خلت فيها اللوحة من «الكتابة» معتبرا انه استطاع ان يجد لغة مفهومة ومألوفة مع المتلقي.
استندت اللغة في فكرتها الى دائرة يكون مركزها قضية فلسطين، ليس بوصفها قضية احتلال فحسب، وإنما في كونها قضية إنسان مظلوم يمكن أن يكون هنديا أو إفريقيا تحيط بها الدائرة العربية. وتناول العلي الواقع العربي المعاش ومأساته من شق الخيمة الفلسطينية، كما يقول: أنا منحاز لمن يقرأون كتاب الوطن في المخيمات ، وتتسع الدائرة حول قطب الجذب المركزي لتنفتح على العالم امتداحا للحرية أو نكاية بالظلم.
وكانت خطوط إشاراته اللغوية بسيطة، وقد أفادت كثيرا من المفردة التراثية: ما حك جلدك ، اللي موافق على.. يرفع إصبعه ويوطي رأسه.. ، فضلا عن إفادته من الحكاية الشعبية والأقوال المأثورة والمتداولة، غير أن ذلك يمر عبر رؤياه كما يقول محمود درويش: ناجي العلي، يلتقط جوهر الساعة الرابعة والعشرين وعصارتها، فيدلني على اتجاه بوصلة المأساة وحركة الألم الجديد الذي سيعيد طعن قلبي . فهو يرتقي بالحدث إلى مستوى الوعي، فالرسم كما يرى مايكل إنجلو: أساس المعرفة ، غير أنه يعيد تشكيل الرمز بغير المألوف، فالعصفور الذي يكون رمز الوداعة يحيا في أعمال ناجي رمزا للمقاومة.
والمعرفة بالنسبة لناجي العلي شهادة عرفها أول مرة بعد معركة الشجرة ، ولكنها تعمقت ببعدين أساسيين ارتبط الأول بالسيد المسيح الذي ولد على مقربة من قريته في الجليل الأعلى لمدينة الناصرة، والثاني خلال عمله مدرسا في صور وانخراطه في المحيط الشيعي ليكون معنى الشهادة معادلا للبطولة والتضحية وقول كلمة الحق والمواجهة، وليس الموت . ومن هنا جاءت رسوماته لتجاور بين الهلال والصليب كتعبير عن الوحدة الوطنية ولتبين السيد المسيح حيا ورمزا للمقاومة.
وخلال الرحلة التي استمرت نحو ربع قرن، أنجز فيها ناجي العلي ما يزيد على العشرين ألف لوحة خلال عمله في الطليعة و السياسة ، و القبس (الكويت)، و السفير اللبنانية، ابتكر العام 1969 شخصية حنظلة التي لخصت حياته، وكانت شاهدا على أهم الأحداث العربية والعالمية.
وحنظلة أو أبو الحناظل كما كان يحب الفنان أن يسميه، مشتق من المرارة ، وهي شجرة لها ثمرة مرة ، و حنظلة هو اسم أحد الصحابة الذي استشهد بعد زواجه بيوم واحد فأطلق عليه الرسول حنظلة الغسيل ، ولكنه أيضا تعبير عن صورة الطفل الذي خرج من الشجرة: هذا وأنا زغير.. هيك كنت بالضبط، طول نهاري كنت حافي، وشورتي مرقع، وقميصي مبقع، وشعري منكوش زي القنفذ.. .
وحنظلة ولد وهو ابن العاشرة: ولد وعمره هيك.. أسطورة ومش راح يكبر إلا بعد ما تعود البلاد إلى أهلها ، ليربط بين السن التي هاجر فيها من الشجرة وولادة حنظلة وعودة البلاد، وتكون ولادة حنظلة بشهادة ميلاد (هي بمثابة البيان الإبداعي): أنا اسمي حنظلة، اسم أبي مش ضروري، أمي اسمها نكبة… ولدت في 5 حزيران 1967، جنسيتي أنا مش فلسطيني، مش أردني، مش كويتي، مش مصري.. مش حدا، باختصار معيش هوية.. ولا ناوي أتجنس، محسوبك عربي وبس.. التقيت صدفة بالرسام ناجي.. وقلت له: حنظلة ابن عامر الانصاري.
إني مستعد أن ارسم عنه الكاريكاتير كل يوم، وفهمته أنا ما بخاف من حدا غير الله.. .
* صحفي وفنان تشكيلي