تحضرني قصة قديمة قرأتها في الستينات بخصوص كيف تتصرف الأمهات في ألأوقات الحرجة :
وهي تحكي انه خلال الحرب العالمية الثانية جري طلب التجنيد للشباب في احدى الولايات الأمريكية بصورة عاجلة !
وفي احدى الجامعات التحق طلاب احد الأقسام كلهم الا واحدا رفضه مكتب التجنيد بحجة انه - وحيد عائلته - وأنه يقوم على رعاية امه !
عاد الشاب الى البيت مهموما حزينا .. وأخفى ذلك عن امه لئلا يصيبها الأكتئاب اذا عرفت أنها السبب في همومه ! بينما كان باقي الطلاب مغتبطين وقد عادوا الى بيوتهم بهمة عالية ونفس تواقة للقتال في سبيل الوطن !
وفي اليوم التالي وفي غرفة الدرس جلس الشاب وحيدا وعلى وجهه علامات الأسى .. لقد ذهب كل الطلاب لمعسكر التدريب ولم يبقى الا هو ! وأعتبر نفسه في عداد المتخلفين وأقل اشجاعة من رفاقه .. هو أيضا يحب وطنه فقام بمراجعة مكتب التجنيد الواقع عند طرف المبنى الرئيسي للأدارة وهناك قابله الضابط المسئول وقد رأى شحوب وجهه وخجله من تخلفه عن زملائه لأداء الواجب ! أجلسه الضابط وطلب له شرابا ساخنا وقال له : هون عليك .. ربما تكون أكثر شجاعة من كل الطلاب الذين التحقوا بالمعسكر ومني أنا شخصيا وقد خضت أكثر من معركة ونلت الأوسمة التقديرية .. وأنا واثق من ذلك .. سمات الشجاعة والنبل بادية على وجهك بالرغم من شحوبه ولكنك ستكون أكثرنا قوة وتفانيا في خدمة الوطن حين تقوم على خدمة امك ورعايتها .. الوطن له أبناء كثيرون وأمك لها ابن واحد .. كل الذين التحقوا بالتجنيد نعم هم يدافعون عن الوطن وأنت وحدك تدافع عن امك وهي نصف الوطن فلا تحزن وعد الى بيتك مطمئن البال .. خرج الشاب من المكتب غير مقتنع وقد تذكر ضحكات الشباب وتعليقاتهم الساخرة عن قعوده وتخلفة عن الأنضمام اليهم بالأمس !!
عاد الى البيت متعبا الفكر .. قابلته امه تسأله : لقد سمعت اليوم عن التحاق الشباب بمعسكرات التدريب فلماذا أنت لست معهم ؟ فأجابها بتأثر وقد غلبت رغبته في اللحاق بالمعسكرعلى كل شيء .. وصار حرصه على مشاعرها أمرا ثانويا ..
أنا احبك يا امي .. ولكني احب وطني أيضا ولا أطيق رؤيته مهددا لأنك تعيشين فيه وأني أخاف عليكما ! وقد ذهب كل الشباب للدفاع عنه الا أنا بسبب أنني وحيد أمي , لحظة صمت ثم احتضنت الأم ابنها الشاب وقد بللت دموعها وجهه ثم نظرت في وجهه تتأمله وقالت : لا عليك يا حبيبي ..غدا ستحل مشكلتك ! سأجد لها حلا !!
في اليوم التالي دخل الشاب الى غرفة نوم امه ليسألها عن الحل ! فوجدها ميتة في وسط بركة من الدماء الجافة وعلى طرف وسادتها وجد ورقة بيضاء مكتوب فيها بضع كلمات :
امضي الى مكتب التجنيد مرفوع الرأس وقل لهم المشكلة التي لم تستطع ادارتكم أن تحلها ! فقد وجدت امي لها حلا يسيرا !