شهادة الدكتور أمير عبد العزيز
الدوايمة
يروي الدكتور عبد العزيز فصولاً دامية عن مجزرة الدوايمة فيقول: «أذكر بنفسي ذلك المشهد المرعب في باكورة العمر, فلم أتجاوز الثالثة عشر ربيعاً, وأنا أسمع الصيحات والصرخات من الأطفال والنساء المذعورات, وهم هاربون بدون وعي من هول ما شاهدوه».
بهذه العبارات يصف الدكتور أمير, المحاضر في كلية الشريعة في جامعة النجاح ذلك اليوم الفظيع المرعب, ويضيف: «ذلك المشهد الرهيب لا يزال محفوراً في ذاكرتي ولا أستطيع أن أنساه مهما تقدم بي العمر. خرجنا من قرية الفالوجة في طريقنا إلى الخليل الآمنة, وفي طريقنا مررنا بقرية الدوايمة ننتظر الليل لنكمل الطريق بعيداً عن أعين الصهاينة المجرمين».
وأطرق الدكتور أمير رأسه ليكمل حديثه واصفاً ذلك اليوم من شهر تشرين الأول من عام 1948م: «فما إن اجتمع رجال في المسجد باغتتهم عصابات اليهود بعد أ طوقوا المسجد تطويقاً, فانهالوا على المصلين يقذفونهم من كل جانب بأسلحتهم الرشاشات والقنابل اليدوية, مما أدى إلى قتل المصلين في لحظات, ولم ينج منهم أحد».
القبر الجماعي:
ويتابع الدكتور حديثه: «أما بقية الناس من أهل البلد الذين كانوا خارج المسجد أو في بيوتهم فقد أرعبهم صوت الرصاص المدوي, فهرعوا هاربين حتى أووا إلى مغارة كبيرة وعميقة, وكان عددهم يتجاوز الثلاثمائة. وعندما أبصرهم اليهود وعرفوا مكانهم في المغارة سارعوا حولهم مباغتين, ثم دخلوا عليهم وأمطروهم بحمم من نار الصهاينة الغاشمة, فقتلوهم عن بكرة أبيهم ولم ينج منهم أحد. وبقي شاهد على مقتلهم وما حاق بهم من طغيان فظيع ذلك القبر الجماعي, وما حواه من رفات الجماجم والضلوع النخرة».
ويضيف الدكتور أمير قائلاً: «كانت هناك عائلات تختبأ في الكهوف خارج الدوايمة, وكان بعضها من قرية القبيبة ـ التي احتلت سابقاً ـ فلما اكتشفت القوات الإسرائيلية وجود هذه العائلات. أمرتها بالخروج والاصطفاف ثم البدء بالسير, وما أن بدأت بالسير حتى أطلقت نيران الرشاشات عليها من جهتين, وقد أرسلنا أناساً تلك الليلة فجمعوا الجثث, ووضعوها في بئر ثم دفنوها».
ويضيف الدكتور أمير: «إنه لا يستطيع تشبيه ذلك اليوم إلا بيوم الفزع الأكبر, يوم القيامة حيث الهلع والفزع والجزع وكل الظواهر المرعبة طغت على القلوب والأعصاب والأبدان التي باتت تنتظر الموت لحظة بعد لحظة, إلى أن كتب الله لها السلامة والنجاة لمن نجا في ذلك اليوم الحافل المشهود, يوم الجمعة من الشهر العاشر عام 1948.
وهذه هي الحكاية, من الفاء إلى النون... فيض من دماء عيون المصابرين, ونبض أرض مسكونة بالوجع مزروعة بالحنين... ولم يتبق من الدوايمة سوى الأطلال التي ينمو بجوارها نبات الصبار, وتقع على أنقاضها مستعمرة (أماتسيا), التي تأسست عام 1955, فيما تشتت أهلوها في بقاع الأرض بعيداً عنها, وعلى ألسنتهم التي ذاقت المر».
منقووول (المجموعة (194) )