السلام عليكم
أم البنين و الحجاج . وهي قصة مميزة لأمرأة مميزة وحكيمة وأترككم مع أحداث هذه القصة
زوجـــــــــــــة المـــلك ......
امرأة في أعلى بيوت مراتب الخلفاء ...وهي أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان الذي حكم مصر عشرين عاما وهو والد عمر بن عبد العزيز . كانت ام البنين من هذا النسب الراقي أخوها الخليفة الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز وعمها عبد الملك بن مروان وزوجها الوليد بن عبد الملك الذي فتح في عهده الفتوحات تنتسب لهذه الأسرة التي حكمت دار الإسلام فترة طويلة يقولون عنها إحدى فقيهات الإسلام . لها قصة عجيبة تدل على فصاحتها وعلى قوتها مع رجل هو من أشد الناس يضرب بشدته المثل وكان إذا ذكر اسمه يرتجف الناس كما يقولون هو والي العراق الحجاج بن يوسف الثقافي وكلنا يسمع بالحجاج وبطش الحجاج وشدة الحجاج الذي قاتل وقتل خيرة الناس قتل سعيد بن جبير وهو عالم المسلمين ومن أفاضلهم يقولون : يكفيه إثما أن قتل سعيد بن جبير وقتل عالم المسلمين عبد الرحمن بن الأشعث وقتل عبد الله بن الزبير بن العوام الصحابي ابن الصحابي أحد العبادلة الذين يرجع إليهم الفقه فالحجاج كان بهذه الدرجة لايخاف أحدا ولايعطي حقا لأحد ولايهمه من يقف أمامه ولو كان صحابي أو ابن صحابي أو عالم جليل .. هكذا كان باطشا جبارا يخشاه الناس .
ماذا فعلت أم البنين بهذا الرجل الجبار ؟؟؟؟
القصة مذكورة كثيرا في كتب التاريخ وتبدأ القصة بزيارة الحجاج بن يوسف الثقفي إلى الخليفة الوليد بن عبدالملك في الشام وجده خارج من العاصمة في نزهة فذهب إليه فلما وصل إلى الخليفة نزل عن فرسه وأخذ يمشي يتقرب ويتودد إلى الخليفة ( الذي كان راكبا ) فأخذ يمشي بجانب الخليفة وقد كان مدجج بالسلاح عليه الخوذة والدرع وبيده السيف والرمح وفي ظهره الكنانة فيها الأسهم جاهز للقتال هكذا كان شأن الحجاج فقال له الخليفة : أركب يا أبا محمد فقال بخضوع : يا أمير المؤمنين دعني أستكثر من الجهاد في خدمتك فإن عبدالله بن الزبير وعبدالرحمن بن الأشعث قد شغلاني عنك وعن خدمتك . فظل الوليد يقسم عليه حتى صعد على جواده حتى وصلا إلى دار الوليد بن عبد الملك فلما دخل جلس الوليد مع الحجاج بدون أسلحة .. وصلت الأخبار أم البنين أن زوجها جالس مع واحد أعرابي جلف شديد ومدججا بالسلاح وجالس مع الخليفة الذي هو معزول عن السلاح فخافت على زوجها فأرسلت جارية إلى الخليفة وهمست إلى الخليفة نقلا عن أم البنين تقول له من هذا الأعرابي الجلف المستلئم في السلاح عندك وأنت في غلالة ضرر ( أي معزول عن السلاح وليس معه حماية ) فرد عليها بأنه الحجاج بن يوسف وكان الحجاج يراقب كل ذلك فقال الخليفة : أتدري ما هذا يا أبا محمد ؟ قال : لا يا أمير المؤمنين فقال الخليفة : هذه ابنة عمي أم البنين بنت عبد العزيز زوجتي قد بعثت إلي تقول : ما مجالستك لهذا الأعرابي الجلف الغارق في سلاحه وأنت في غلالة آلا تخشى غدرتا منه فأرسلت إليها أطمئنها بأن هذا الحجاج بن يوسف . الحجاج تضايق من رأي زوجة الخليفة فيه لكن زاد الأمر أنه بعد قليل تأتي الجارية مرة أخرى فتقول تسر إليه عن أم البنين : والله يا أمير المؤمنين ما أحب أن يخلوا بك الحجاج وقد قتل الخلق وأهل الطاعة والحق وأنت تطمئن إليه والله لأن يخلون بك ملك الموت أحب إلي من أن يخلوا بك الحجاج ... ذعر الحجاج وظل الوليد على موقفه فينقل ما قالته أم البنين عن الحجاج ( وهذا يبين له درجة زيادة ثقته فيه مع انه قتل من قتل ) وخشي الحجاج أن تؤلب قلب الوليد عليه وتقلب الأمور ضده فأراد أن يقلب الأمور عليها فقال قولة يريد أن يضعف شأنها : يا أمير المؤمنين دع عنك مفاكهة النساء بزخرف القول فإن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة فلا تطلعهن على سرك ولا على مكايدة عدوك فإن رأيهن إلى أفن وعزمهن إلى وهن ولا تطمعها أن تشفع عندك ولا تطل الجلوس معهن فإن ذلك أوفر لعقلك وهذا أبين لفضلك ( رأي في منتهى الغلاظة والشدة ورأي ساذج وأهوج فالنبي صلى الله عليه وسلم وهو الموحى إليه كان يستشير النساء فكيف يقول مثل هذا الرأي ؟ )
ووصل الخبر إلى أم البنين ومن حكمتها أنها ما أنتقدت ولا علقت بل سكتت وبدأت تعد وتخطط بالرد على هذا الرأي السفيه . فقالت للخليفة بعد أن أنهى جلسته مع الحجاج : يا أمير المؤمنين لقد سمعت بالحجاج وبمكانته وبفضله وبقوته فأحب أن أكلمه ... فيا أمير المؤمنين أحب أن تأمر الحجاج أن يسلم علي في الغد فقال : أفعل إن شاء الله .
وفي اليوم الثاني قال الوليد للحجاج : سر إلى أم البنين وسلم عليها . فقال : أعفني يا أمير المؤمنين من ذلك ؟ قال : ويحك لابد لك من ذلك ولتفعلن . فذهب إلى أم البنين فاستأذن عليها وهو يعرف مكانتها وفضلها عند الخليفة والخلفاء وفي الشام وفي المدينة فأمرته أن ينتظر وظل ينتظر فترة طويلة وبعد مدة طويلة سمحت له بالدخول فدخل وهي من وراء ستار وسلم وردت عليه السلام وظل واقفا ولم تأذن له بالجلوس فقالت من وراء سترها : " إيــــــه يا حجاج أنت الممتن على أمير المؤمنين بقتل عبدالله ابن الزبير ابن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم الصوام القوام المستغرق الساعات في الطاعات هذا ابن أسماء وأخذت تعد مناقب ابن الزبير ..... وأنت الممتن على أمير المؤمنين بقتل عبد الرحمن ابن الأشعث العالم المجاهد( وأخذت تذكر فضائله .... ثم بدأت تذكر مفاسد الحجاج ) أنت الذي فعلت كذا وأنت الذي أسأت في كذا ... الخ . وهو ساكت غير قادر أن يرد على فصاحتها ثم أضافت : ويحك يا ابن يوسف أما والله لولا أن الله علم أنك شر خلقه وأهون خليقته ما إبتلاك برمي الكعبة بالمنجنيق ( تقصد عندما حاصر الحجاج . ابن الزبير ولم يستطع فتحها إلا بالمنجنيق فأصابت الحجارة الكعبة ) وما أخزاك الله بقتل النقي التقي ابن ذات النطاقين
أما والله أن ابن الأشعث ولى عليك الهزائم ( تقصد الخمس معارك بينهم وكان الحجاج هو المهزوم فيها ) ولولا أن أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان ( تذكره مساندة زوجها للحجاج بإرسال جيش له ولولاه لإنهزم ) وأما نهيك أمير المؤمنين عن مفاكهة النساء فطالما نفض نساء أمير المؤمنين المسك من غدائرهن والحلي من أيديهن وبعنه من أجل أن نأتي بالمال في أعطيات الشام لنرسلها إليك لولا ذلك لكنت أذل الخلق فإن كانت النساء يلدن مثلك كما ولدت أمك فما حقه ( تقصد من حمله وولده هي إمرأة ) ولولا ذلك ما كنت أنت موجود ولا استمع الأمير لرأيك ولا لنصيحتك . والحجاج فاغر فاه ثم بدأت تعيره بفراره أمام الخوارج ( تذكره بموقفه مع غزالة زوجة زعيم الخوراج وكيف تحدت الحجاج بأن أستطاعت أن تحقق قسمها بدخول مسجد الكوفة وصلاة الفجر فيه وأن تقرأ بالركعة الأولى البقرة والركعة الثانية آل عمران وكيف فر منها الحجاج عندما وقفت في وجهه في المعركة وتحدته لقتالها وكيف هرب) وفبدأت تستهزئ به أم البنين تقول لاقاتل الله الشاعر وقد نظر إليك
وسنان غزالة الحرورية بين كتفيك وذكرته أبيات الشاعر
أسد علي، وفي الحروب نعامة
فتخاء تنفر من صفير الصافر
هلا برزت إلي غزالة في الوغى
بل كان قلبك في جناحي طائر!!
ثم قالت : أخرجوه عني ... فخرج غير قادر يمشي في الطريق ثم ذهب إلى الخليفة فقال له : يا أبا محمد ماذا كنت فيه . فقال له الحجاج : ما سكتت أم البنين حتى كان باطن الأرض خير لي من ظاهرها وما ظننت أن امرأة تبلغ بلاغتها وتحسن فصاحتها... فقال له الوليد : يا حجاج إنها إبنة عبد العزيز بن مروان