الدكتور : راغب السرجاني
مختصر قصة مكة
الرسول وبناء الأمة
سيرته r تحمل نماذج متعدِّدة؛ فهو كَفَرْدٍ: ملتزمٌ في سلوكه، مستقيمٌ في أخلاقه، صادق وأمين مشتهَر بذلك بين قومه، وهو كرئيس دولة: حاذق حكيم وعادل رحيم، وهو كقائد: سياسي ماهر وحربي محنَّك، وهو كزوج: مثالي ناجح في بيته ومع زوجاته، وهو كأب: حنون رحيم مع أولاده، وهو كداعية: قمَّةٌ في الدعوة إلى الله، باذلٌ غاية جهده ومنتهى طاقته في سبيل إبلاغ رسالته ومهمَّته، وهو كمسلم: راهب بالليل فارس بالنهار، حلو المعاشرة لطيف الفكاهة سهل الطبع، وفضلاً عن ذلك فسيرته r مثال واضح ونموذج عملي واقعي في طريق بناء الأمم والمجتمعات، صغرت في ذلك أم كبُرت!
فقد استطاع رسول الله r بالمنهج الرباني الذي أُوحي إليه أن يبني أُمَّة من لا شيء، وأن يجمع العرب والعجم على دين واحد، ومبدأ واحد، وأن يُقِيم حضارة استحال على الزمان أن يَجُودَ بمثلها، لقد كان تغييرًا هائلاً ذلك الذي أحدثه r في الدنيا يوم بُعث فيها، ولا شكَّ أن دراسة تجربته ليست فقط أمرًا مفضَّلاً أو محبَّبًا، ولكنها أمر واجب على كل مسلم أراد النجاة في الدنيا والآخرة، وأراد لأُمَّته العزَّة والكرامة والسيادة والريادة.
أحوال العالم وجزيرة العرب قبل بَعثة النبي
لعلَّ العجيب في أمر بَعثته r إنَّما يكمن في ذلك التوقيت الذي بُعث فيه؛ فقد بُعث r والعالم فوضى يأكل بعضه بعضًا، وقد ساد الظلم وفشا الفجور وكثرت الآثام والشرور؛ فها هي دولة الروم العظيمة المترامية الأطراف منقسمة إلى قسمين: الروم الشرقية وعاصمتها روما، والروم الغربية وعاصمتها القسطنطينية (إستانبول حاليًا)، والتي كانت تحمل لواء النصرانيَّة في العالم، وبينهما تنازع عقائدي حيث المذهب الكاثوليكي والمذهب الأرثوذكسي، ومن الناحية الأخلاقيَّة أُصِيبت الدولة بانحلال خُلُقي جسيم، لم يَقِلَّ عنه الانحلال الاجتماعي، والذي تبدَّى في المفارقة الكبيرة بين طبقات المجتمع، التي كان يمثِّلها غالبًا: السادة والعبيد[1].
أمَّا دولة الفرس فكانت قد شهدت فسادًا حضاريًّا بكل المقاييس؛ إذ كانوا يعبدون النار، ويُقَدِّسون ملوكهم (الأكاسرة)، معتقدين أن الدماء الإلهيَّة تسري فيهم، كما فشا فيهم الفساد الأخلاقي، حتى وصل الحال بهم إلى الزواج من محارمهم (البنات والأخوات)، وقد انقسم المجتمع أيضًا إلى سبع طبقات اجتماعيَّة تَتَرَتَّب تنازليًّا كما يلي: الأكاسرة، ثم الأشراف، ثم رجال الدين، ثم قواد الجيش، ثم المثقَّفين من الأطباء والأدباء والعلماء، ثم الدَّهَاقِين "رؤساء القبائل"، ثم عامَّة الشعب من الفلاَّحين والعمَّال والتُّجار والعبيد ويمثِّلون 90% من المجتمع، ومع ذلك فليس لهم حقوق مطلقًا[2]!!
وأمَّا أوروبا فقد عاشت - قبل الإسلام وحتى الفتح الإسلامي - في صراعات وحروب مستمرَّة، وكانوا أبعد ما يكونون عن النظافة والأخلاق؛ ومن ذلك أنهم كانوا لا يَسْتَحِمُّونَ إلاَّ مَرَّةً في العام، كما انتشر بينهم الظلم والاضطهاد، وكان بعضهم يَحْرِقون الإنسان بعد موته، ويأتون بنسائه فيقتلونهن ويدفنونهن معه[3]!
وكذلك كان الوضع في الصين؛ فكانت فيها ثلاث ديانات هي: ديانة لاتسو[4]، وديانة كونفوشيوس[5]، وديانة بوذا[6]، وقد تحوَّل بوذا مع مرور الوقت من حكيم ومشرِّع وضعيٍّ إلى معبود لبعض أهل الصين على مدار السنين وحتى الآن، وصُنِعَتْ له التماثيل[7].
وأمَّا الهند فقد برزت فيها ثلاث ظواهر رئيسة هي: كثرة المعبودات والآلهة، فهم يعبدون أيَّ شيء من الكواكب إلى المعادن والحيوانات، ولا يزالون حتى اليوم يعبدون البقر، كما ظهرت لديهم الشهوة الجنسيَّة الجامحة، وكذلك النظام الطبقي الجائر، فقد قسموا المجتمع أربع طبقات: طبقة البراهمة وهم الكهنة والحكام، وطبقة شترى وهم رجال الحرب، وطبقة ويش وهم التجار والزرَّاع، وطبقة شودر وهم المنبوذون الذين هم أحطُّ من البهائم وأذلُّ من الكلاب، ويصرِّح القانون بأنه من سعادة شودر أن يقوموا بخدمة البراهمة دون أجر. كما كان من صنيعهم أنهم يَحْرِقُون الزوجة مع زوجها عندما يموت ويدفنونها معه، وإلاَّ فستبقى أَمَةً في البيت لتُصْبِحَ عُرْضَةً للإهانات والتجريح كلَّ يوم إلى أن تموت[8].
أما اليهود فكانوا متركِّزين بالشَّام في ذلك الوقت، ولم يكن هناك أحد من الناس يحبُّ معاشرتهم؛ فهم في لحظات الضعف يُبْدُونَ الخنوع والنفاق والوقيعة والكذب، وفي لحظات القوَّة يُبْدُونَ التَّجَبُّر والظلم والوحشيَّة والربِّا، وكانوا على عداء دائم مع النصارى منذ زعموا أنهم قتلوا المسيح u، وكان تواجدهم في عهد رسول الله في شمال المدينة، وكانوا مُمْسِكِينَ بتلابيب التجارة وخاصَّة تجارة السلاح، وكانوا حريصين على نشر الخلاف بين القبائل، ولم يتجمَّعوا مع غيرهم إلا على محاربة المسلمين فيما بعد[9]!
وإذا جئنا إلى مصر؛ فقد كانت خاضعة للاحتلال الروماني الذي حَوَّلهَا إلى مخزنِ غلالٍ يَمُدُّ الإمبراطوريَّة الرومانيَّة بالغذاء، وقد فرض على المصريين ضرائب كثيرة، وعانت مصر في عهدهم تخلُّفًا اجتماعيًّا واقتصاديًّا وعلميًّا كبيرًا، بل كان الرومان يعذِّبون مَن يختلف عنهم من المصريين في المعتَقَد الديني المذهبي، وإن كان الجميع تحت مِظَلَّة النصرانيَّة الأرثوذكسيَّة[10].
وكذلك كان الوضع في الحبشة (أثيوبيا)، التي كانت تَدِينُ بالنصرانيَّة المحرَّفة[11]، حكمهم "أصحمة" النجاشي، الذي كان عادلاً لا يُظْلَم عنده أحد، في حين كانت حياتهم بُدَائِيَّة إلى حدٍّ كبير، رغم وجود قوَّة وجيش وسلاح، وفي عهد رسول الله r.
أما العرب الذين بُعث فيهم رسول الله r فقد كان لديهم العديد من الأوثان والأصنام التي عبدوها من دون الله، وكان لكل بيت صنم ولكل قبيلة إله، كما ظهر عندهم الكثير من العادات الأخلاقيَّة السيِّئة، كشُرْبِ الخمر، ولعب الميسر، والربا، وتَفَشَّى الزنا بينهم تَفَشِّيًا كبيرًا، كما كان لديهم عادة بشعة هي "وأد البنات"، وكثرت بينهم أيضًا الحروب والنزاعات والإغارات، والتي سجَّل التاريخ منها حربي داحس والغبراء، والبسوس[12].
وعلى هذا الوضع كان حال العالم وحال جزيرة العرب قبل بَعثة النبي r، ولم يكن على الحقِّ إلا أفرادٌ قلائل جدًّا، مثل زيد بن عمرو بن نُفَيْل والد الصحابي سعيد بن زيد t، وكان حنيفيًّا على ملَّة إبراهيم u، وكذلك ورقة بن نَوْفَلٍ الذي كان قد تَنَصَّر، كما كان هناك قُسُّ بن ساعدة الذي كان يُبَشِّر بمجيء نبيٍّ، وقد أدرك النبيَّ بالفعل، لكنه لم يُدْرِك البعثة[13].
[1] للاستزادة في ذلك انظر مثلاً: أبا الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ص42- 47.
[2] أبو الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ص56- 64.
[3] المصدر السابق ص51، 52.
[4] هي ديانة سلبية تدعو للانعزال عن المجتمع.
[5] هي ديانة مادِّيَّة تهتم بالعقل ولا تهتم بالعبادة.
[6] ديانة ذات تعاليم أخلاقيَّة معيَّنة، وتدعو للبعد عن الناس والزهد في الحياة.
[7] أبو الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ص64، 67.
[8] المصدر السابق ص68- 76.
[9] أبو الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ص52- 55.
[10] انظر: جوستاف لوبون: حضارة العرب، ترجمة عادل زعيتر، الفصل الرابع: "العرب في مصر" ص208، وأبا الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ص47- 50.
[11] أبو الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ص50.
[12] المصدر السابق ص76- 91، والرحيق المختوم ص48.
[13] انظر: سيرة ابن هشام 2/50.
نزول الوحي
في مكة تحديدًا، ودون أي بقعة أخرى من بقاع الأرض، وبالطبع لحكمة يعلمها الله U[14]، وفي لحظة فارقة وعجيبة في تاريخ البشريَّة، بل لعلَّها أعظم لحظة مرَّت في تاريخ الأرض وإلى يوم القيامة، في هذه اللحظة وفي هذا المكان ينزل الوحي على رسول الله r في غار حراء وهو يتعبد لله U؛ ليكون أرفع شرف، وأفضل مِنَّة، وأنبل تكريم للبشريَّة، حين يفيض الله من رحمته على أهل الأرض، فيُرسل إليهم رسولاً منهم، ويُكرمه بالنبوَّة، ويُنْزِل عليه جبريل بآيات من القرآن الكريم.
وقد كانت البداءة لما حبَّب الله U إليه الخلوة؛ فكان r يخلو بربه ويعتكف في رمضان من كل سَنَة، ثم بدأت آثار النبوَّة تتبدَّى له، وكان منها سلام الحجر عليه r[15]، وكل ذلك كان إعدادًا وتهيئة لرسول الله r، بل ولأهل مكَّة من قريش وغيرهم؛ حتى يعلموا بعد ذلك أن هذا الإنسان يُوحَى إليه من عند الله. كما كان منها وهو صغير حادث شقِّ الصدر، وقد ثبت في كتب السنة[16]، وكان من أهم المقدِّمات التي سبقت الوحي الرؤيا الصادقة؛ فكان رسول الله لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، حتى مضت على ذلك ستَّة أشهر ثم أتاه جبريل u.
وفي ذلك تروي السيدة عائشة رضي الله عنها فتقول: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ r مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ؛ فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاَءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ - وَهُوَ التَّعَبُّدُ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ - قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ، فَقَالَ: اقْرَأْ. قَالَ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. قَالَ: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ. قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ". فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَقَالَ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي. فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ: لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي. فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلاَّ وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا؛ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتُقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ. فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ، وَكَانَ امْرَأً قَدْ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ. فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَابْنَ أَخِي، مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ r خَبَرَ مَا رَأَى، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ؛ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلاَّ عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا"[17].
ومن هذه القصة يتَّضح لنا أن رسول الله r بشر؛ فهو يخاف على نفسه فيعود مسرعًا إلى بيته طالبًا الأمان، كما أنه r لم يكن منتظرًا للرسالة أو متوقِّعًا للنبوَّة، كذلك نلمح في موقف السيدة خديجة رضي الله عنها موقف الزوجة الناصحة المُحِبَّة لزوجها الوفيَّة له.
[14] لعلَّ من هذه الحكمة: أن هذه المنطقة ليس لها تاريخ ثقافي يُذْكَر، اللهم إلا ما تميَّزت به من سحر البيان والذي تجسَّد في نظم الشعر، ولعلَّ في هذا ما فيه من نقاء الرسالة الخاتمة وعدم تلويثها بما كان في البيئات والأمم الأخرى التي سادتها ثقافات متعدِّدة وفلسفات وضعيَّة خاصَّة. وأيضًا: أن هذه المنطقة ليس لها تاريخ عسكري ملموس؛ فلم يكن هناك ما يُعْرَف بالجيوش العربيَّة أو الجيش المنظَّم، بل كانت قبائل متفرِّقة لا تَعْرِفُ إلا حرب الإغارات والسطو، ثم لمَّا أسلموا دانت لهم الأرض، وذلت لهم القوى العظمى آنذاك، وتحوَّلوا من رعاة للغنم إلى قادة للأمم، وهو أمر معجز، ودليل دامغ على أنهم مؤيَّدون بتأييد الله U، وهو عكس ما لو نزلت الرسالة في بلدٍ له تاريخ عسكري طويل وعظيم ومنظَّم. كما أن لغة الجزيرة العربيَّة هي اللغة العربيَّة وهي أشرف اللغات، وهي لغة أهل الجنة، وبها نزل القرآن الكريم. وأيضًا فإن العرب وأهل مكة كانوا يؤمنون بالله، وإن اتخذوا الأصنام والأوثان شفعاء، ولذلك فهم أقرب إلى الإسلام من غيرهم ممن جحدوا الألوهية وعبدوا غير الله. وهذا فضلاً عن صفات العرب وأخلاقهم التي تساعد على حمل الدعوة ونشر الرسالة، وهي مثل: الصدق، والكرم، والشجاعة، والصبر، وقوَّة التحمل.
[15] يقول النبي r: "إِنِّي لأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبِعَثَ، إِنِّي لأَعْرِفُهُ الآن". انظر: مسلم: كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبي r وتسليم الحجر عليه قبل النبوة (2277).
[16] وهو أن النبي قد شُقَّ صدره وهو غلام وأُخْرِجَ قلبه واستُخْرِجت علقة من قلبه، وقيل: هذا حظُّ الشيطان منك. ثم غسل قلبه في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأَم صدر النبي. رواه مسلم: كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله r إلى السموات وفرض الصلوات (162).
[17] البخاري: باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله r (3)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب بدء الوحي إلى رسول الله r (160).