الأسلحة الكيمياوية.. ترسانة بيد الأسد
تعود مسألة 'الأسلحة الكيمياوية' في سوريا إلى واجهة الأحداث الدولية بعد أن كشفت صحف غربية مؤخرا أن دمشق تقوم بحماية وتخزين ترسانتها الكيمياوية غير المعلنة. وجاء ذلك في ظل استمرار القتل والمجازر التي يرتكبها نظام بشار الأسد ضد الشعب السوري، مما أدى لانسداد أفق الحل السياسي وتصاعد الأصوات المطالبة باللجوء للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
وتجدد الحديث عن الأسلحة الكيمياوية السورية عندما أشارت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية في عددها الصادر الخميس الماضي نقلا عن تقارير استخباراتية إلى احتمال نقل الأسلحة الكيمياوية السورية سرا من مواقع تخزينها.
وفي هذا الصدد كشف مسؤول إسرائيلي لم يذكر اسمه لصحيفة غارديان البريطانية إن الأسلحة الكيمياوية السورية قد فرقت وتخضع لحراسة وحدة عسكرية مخصصة لهذا الغرض، مشيرا إلى أن هذه الوحدة تدين بالولاء لنظام الأسد لكنها لم تتورط في أعمال القتل الدائر في سوريا.
ولم يعرف ما إذا كانت الخطوة السورية هي مجرد إجراء أمني احتياطي وسط الفوضى التي يشهدها البلد أم أنه إجراء أكثر من هذا؟ لكن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) جورج ليتل رد على هذه التقارير بالقول 'من المهم جدا أن يبقي النظام السوري على سيطرته على مخزونه من الأسلحة الكيمياوية'، وأضاف 'نراقب ذلك من كثب، ليست الولايات المتحدة وحدها بل الأسرة الدولية'.
وفي يونيو/حزيران الماضي رد وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا على المخاوف الغربية عندما صرح لوكالة رويترز أن 'ترسانة الأسلحة الكيمياوية في سوريا ليست في خطر', وقال 'نحن على يقين من أن هذه المواقع يجري تأمينها ولم نطلع على أي أدلة تفيد بأن أيا منها تعرض لخطر المساس به'.
ومنذ بدأت الأزمة في سوريا أبدت الدول الغربية خشيتها من وصول الأسلحة الكيمياوية السورية إلى أيدي جماعات 'إرهابية' في حال سقوط نظام بشار الأسد أو فقدانه السيطرة على المناطق التي يعتقد أنها تحوي هذه الأسلحة، كما أبدى آخرون تخوفهم من استخدام الأسد لهذه الأسلحة كورقة ضد المدنيين والمعارضين.
وكان قائد الجيش الحر العقيد رياض الأسعد قد كشف في مقابلة مع الجزيرة في يونيو/حزيران الماضي أن طائرات حربية تابعة للنظام السوري ألقت قنابل كيمياوية على بعض المناطق حيث سجلت حالات تسمم فيها. وأضاف الأسعد أن النظام وزع أقنعة واقية من الأسلحة الكيمياوية على بعض قواته تحضيرا لضرب المناطق الشمالية بهذه الأسلحة المحرمة.
ترسانة
ولا توجد معلومات دقيقة عن حجم الترسانة الكيمياوية السورية، لكن التقارير الغربية تشير إلى أنها تتضمن كميات كبيرة من غازات الخردل الذي يسبب حروقا خطيرة للجلد عند ملامسته، والأعصاب القاتل (فياكس)، والسارين السام بالإضافة إلى المدفعية والصواريخ التي توصلها إلى أهدافها.
وفي يونيو/حزيران الماضي، أكد الجنرال يائير نافيه -مساعد رئيس الأركان الإسرائيلي- أن سوريا تملك 'أكبر ترسانة أسلحة كيمياوية في العالم' تم تطويرها منذ أربعين عاما. وقال إن من بين الغازات الموجودة في ترسانتها غاز السارين، وغاز الأعصاب وغاز الخردل.
وفي 2009 أصدرت وكالة المخابرات المركزية الأميركية تقريرا أكدت فيه أن لسوريا برنامج أسلحة كيمياوية ولديها غازات يمكن المهاجمة بها عن طريق طائرات أو صواريخ بالستية أو مدفعية.
كما نقلت صحيفة وول ستريت جورنال في أغسطس/آب 2011 عن مسؤولين أميركيين سابقين وحاليين قولهم إن لسوريا خمسة مواقع تنتج فيها أسلحة كيمياوية، منها غازات الخردل والأعصاب والسارين. لكنهم اعترفوا بصعوبة تحديد هذه المواقع لأنها موزعة في مناطق متعددة.
وبحسب نفس الصحيفة فقد اكتشف مفتشو الأمم المتحدة أن سوريا كانت تبني سرا مفاعلا نوويا بمساعدة كوريا الشمالية قبل أن تهاجم إسرائيل الموقع وتدمره في أواخر 2007.
وعن المواقع التي تنتشر فيها مخزونات الأسلحة الكيمياوية السورية، تشير نفس التقارير الغربية إلى أنها توجد في حوالي ست مدن وبلدات، بما في ذلك العاصمة دمشق، واللاذقية وحلب.
وذكرت مجلة دير شبيغل الألمانية في وقت سابق أن المراقبين الدوليين يتوقعون وجود القسم الأكبر من الأسلحة الكيمياوية في قاعدة السفير العسكرية المحصنة الواقعة على بعد عشرين كيلومترا جنوب شرق مدينة حلب ذات الكثافة السكانية.
وأشارت المجلة إلى أن المعلومات المتوفرة عن حجم ما تملكه سوريا من هذا النوع من الأسلحة هي معلومات تقديرية، بسبب عدم انضمام سوريا لمنظمة حظر الأسلحة الكيمياوية التي تمتلك سجلات لمخزونات الأسلحة الكيمياوية لدولها الأعضاء فقط.
وتجدر الإشارة أيضا إلى أن الولايات المتحدة كانت قد اتهمت سوريا بعد غزو العراق في 2003 وانهيار نظام صدام حسين باختبار أسلحة كيمياوية، وهو ما نقته دمشق وقتها واعتبرتها 'اتهامات ومزاعم زائفة جاءت استجابة لتحريضات إسرائيلية وخدمة لأهدافها ومطامعها التوسعية'.
كما قالت جامعة الدول العربية وقتها إن الاتهامات الأميركية لسوريا ليس لها مصداقية لأن القوات الأميركية والبريطانية لم تثبت بعد وجود الأسلحة الكيمياوية التي اتهمت العراق بامتلاكها.
وبدوره رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون قال في ديسمبر/كانون الأول 2002 إن إسرائيل تشتبه في أن العراق نقل أسلحة كيمياوية وبيولوجية إلى سوريا لإخفائها عن مفتشي الأمم المتحدة. لكنه أكد عدم امتلاكه أدلة بهذا الخصوص.
------------------------
الأسد يأسف لعنف قواته في قمع أول الاحتجاجات الشعبية ويبدي قلقه على أولاده
أعرب الرئيس السوري بشار الأسد عن أسفه «للأساليب العنيفة التي استخدمتها قواته لقمع أول الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت العام الماضي»، وقال «إننا بشر ويمكن أن نرتكب أخطاء»، متهما في الوقت عينه «جهات أجنبية بدفع المال للمتظاهرين لزعزعة الأمن في سوريا».
ورأى الأسد في حديث لصحيفة «جمهورييت» التركية، أنه «يجب أن يعلم الجميع أنها لعبة مدعومة من الخارج، وهناك أموال كثيرة تأتي من الخارج». وقال: «لو لم أكن أتمتع بدعم الشعب لأطيح بي مثل شاه إيران رضا بهلوي. الجميع كانوا يعتقدون أن مصيرنا متشابه، لكنهم مخطئون». وفي حين دعا القوى الأجنبية «وعلى رأسها الولايات المتحدة إلى أن تتوقف عن دعم المعارضة»، اتهم دولا في المنطقة لم يسمها، بـ«تقديم دعم لوجيستي إلى الإرهابيين في سوريا».
ونقل تقرير إعلامي عن مدير تحرير صحيفة «جمهورييت» التركية، أوتكو شاكر أوزير الذي أجرى المقابلة، قول الأسد خلال اللقاء الصحافي، إن أطفاله الثلاثة «يشعرون بالصدمة جراء ما يشاهدونه على الإنترنت من مشاهد عنف في سوريا»، مشيرا إلى أن «زملاء أطفاله في المدرسة أعربوا عن خشيتهم من عملية خطف الأطفال».
وكان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد دعا «الشعب السوري» إلى أن يقرر مصيره «بحرية» و«من دون أن تحاول دول أخرى فرض رأيها عليه»، متهما «الولايات المتحدة وحلفاءها بالسعي لإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد لفرض سيطرتها على الشرق الأوسط وحماية إسرائيل».
وقال نجاد، في بيان بعد لقائه أول من أمس رئيس مجلس الشعب السوري جهاد اللحام، إن «الأعداء الأساسيين يحاولون فرض هيمنتهم على المنطقة وإنقاذ الكيان الغاصب (إسرائيل) من الدمار»، لافتا إلى أن «الولايات المتحدة تسعى فقط وراء مصالحها ومن حق شعوب المنطقة، ومن بينهم الشعب السوري العظيم، أن يقرروا مصيرهم بحرية، ويجب ألا يفرض عليهم الآخرون شروطهم الخاصة».
وحملت المعارضة السورية على مواقف الأسد، الصادرة بعد مضي أكثر من 15 شهرا على اندلاع التحركات الاحتجاجية في سوريا وبعد صدور تقارير عدة عن منظمات حقوقية عالمية حملت النظام السوري مسؤولية ارتكاب انتهاكات وجرائم بحق المتظاهرين المدنيين والأطفال ترقى إلى حد اعتبارها «جرائم ضد الإنسانية». ووصف عضو المجلس الوطني السوري أديب الشيشكلي لـ«الشرق الأوسط» الرئيس السوري بأنه «كاذب ومجرم»، معتبرا أن أي «كلام يصدر عن الأسد اليوم ليس ذا قيمة أو مصداقية ولا يمكن أن يؤخذ على محمل الجد بأي شكل من الأشكال».
وانتقد الشيشكلي استمرار الأسد «في الكذب والتعامي عن إرادة شعبه وعن الجرائم التي يرتكبها»، لافتا إلى أنه «لو كان يتمتع بواحد في المائة من الحرص على أطفال سوريا وأهلها لجاء منذ اليوم الأول لخروج المظاهرات التي لم تكن تطلب إلا الحرية واستجاب لمطالبها عوض عن ممارسة العنف وقتل المدنيين».
وأعرب خليل الحاج صالح، أحد الناطقين الرسميين باسم لجان التنسيق المحلية في سوريا لـ«الشرق الأوسط» عن اعتقاده بأن الأسد «بدأ يدرك أن المظلة الدولية التي كانت تحميه بدلا من أن تنكشف من فوق رأسه، وأنه سواء أطال الزمن أو قصر فإن رحيله بات بحكم الواقع»، مشيرا إلى أن «الأسد بدأ يؤهل نفسه للخروج بالحد الأدنى من الخسائر».
ورأى الحاج صالح أن الأسد «يلقي المسؤولية على كاهل الآخرين ويحاول تقديم الضحايا بدلا عنه، خصوصا أن مواقفه تأتي مع إدراك المعارضة أن تطبيق السيناريو اليمني في سوريا بعيد التطبيق في سوريا، لأنه مع حجم الدمار الحاصل وتخريب المجتمع السوري لم يعد بمقدور أحد أن يغفر للأسد جرائمه أو يقدم له صك براءة وبات المطلوب إحالة الأسد والمرتكبين إلى القضاء».
وختم الحاج صالح بالتأكيد على أن «الأسد يحاول أن يبدي نوعا من الأسف لتخفيف صورة القاتل عنه فيما يدرك كل من يعرف طبيعة النظام الأمني السوري أنه نظام هرمي وشديد التراتبية ولا يمكن أن تحصل أي خطوة على الأرض من دون ضوء أخضر من رأس الهرم».