اعتذار إلى أبي جهل! * حلمي الأسمر
يُضرب المثل بأبي جهل بالقسوة والمكابرة والتكبر، والالتفاف على الحق، والجهل أيضا، وسجل التاريخ جملة من الجرائم البشعة التي ارتكبها هذا الشخص، ومنها..
- أبو جهل هو الوحيد الذي قام بمحاولة فردية وبدون تحريض من أحد لقتل النبي (صلى الله عليه وسلم) في فترة الدعوة المكية، فاحتمل بيديه حجرًا ثقيلاً، وواعد الملأ من قريش أن يخلصهم من الرسول، وأقبل على النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو ساجد بين الركن اليماني والحجر الأسود، والكعبةُ بينه وبين الشام، ليحطم رأسه، وملأُ قريش يراقبون الموقف، وينتظرون النتيجة، ففوجئوا بأبي جهل يرجع إليهم متغير اللون، يملأ الرعبُ قلبَه، فقالوا له: ما لك يا أبا الحكم؟! قال: قمت إليه لأفعل به ما قلت لكم البارحة، فلما دنوت منه، عرض لي دونه فحل من الإبل، والله ما رأيت مثل هامته، ولا أنيابه لفحل قط، فهمَّ بي أن يأكلني.
- تزعّم حصار المسلمين القاسي في شِعب أبي طالب، وحين رق قلب أناس من قريش وسعَوا لرفع الحصار، وقف هو في وجوههم، ولم تأخذه بالمسلمين -وفيهم النساء والأطفال- رحمةٌ ولا شفقة، لولا أن الرأي الآخر انتصر، ورُفع الحصار.
- أبو جهل صاحب أسوأ رأي للقضاء على دعوة النبي (صلى الله عليه وسلم) عند الهجرة، حيث قال أرى أن نأخذ من كل قبيلة شابا فتى جليدًا نسيبا وسيطا فينا، ثم نعطي كل فتى منهم سيفا صارمًا، ثم يعمِدوا إليه فيضربوه ضربة رجل واحد ... وهو الرأي الذي حاول المشركون تنفيذه، لكن الله حال بينهم وبين ذلك.
- وأما إيذاء أبي جهل لمن آمن فحدِّث ولا حرج، ويكفي أنه خدع أخاه لأمه عياش بن أبي ربيعة حين هاجر إلى المدينة مسلما، حتى رده إلى مكة زاعما أن أمه قد هجرت الدنيا لأجل هجرته، ولما رجع عياش معه فتنه عن دينه، حتى أدركته رحمة الله وهاجر. بل إنه تعدى على سمية بنت خياط -رضي الله عنها- في أول الإسلام، فجعل «يطعن بحربته في قبلها حتى قتلها»
ومع كل هذه البشاعة، فقد وجدت في سيرة هذا الأفاق ما يدلل على وجود لحظة ما شعر بها بشيء من المروءة، يفتقدها أتباعه في هذا الزمان، ممن يقتلون أبناء شعبهم، ويتفننون في إيذاء النساء والبطش بهن، فقد جاء في قصة هجرة النبي صلى الله عليه وسلم ان المشركين «لما لم يحصلوا من علي -كرم الله وجهه- على جدوى جاءوا إلى بيت أبي بكر وقرعوا بابه، فخرجت إليهم أسماء بنت أبي بكر ، فقالوا لها : أين أبوك ؟ قالت : لا أدري والله أين أبي ؟ فرفع أبوجهل يده – وكان فاحشا خبيثا- فلطم خدها لطمة طرح منها قرطها .. ثم قيل انه قال لمن حوله..»اكتموها علي لئلا تتحدث العرب أننا ضربنا النساء!»
نعتذر من أبي جهل، فقد رأينا في هذا العصر عربا لا يمتلكون حتى هذه اللحظة الإنسانية التي دفعت أبا جهل للشعور بالخزي والعار لأنه صفع امرأة، وشعر بالغيرة على سُمعة العرب أن تُمس بسوء!.
الدستور