التتار / جزيرة القرم , صمود أسطوري وتضحبات عظيمة وقوة في الحكم , فقد أخضعوا - أمارة موسكو - فكانت تدفع لهم الجزية - في عهد السلطان - محمد كيراي -
وصل الإسلام الى منطقة القرم عن طريق التتار، وذلك في عهد القبيلة الذهبية، فعندما وصل التتار إلى شبة جزيرة القرم جذبوا من كان فيها من الإغريق والإيطالبين إلى الإسلام، وكان بيذلون جهدهم في نشر الإسلام بين جيرانهم، ولقد استقر تتار القرم بشبة الجزيرة في نهاية النصف الأول من الثامن الهجري، وكانوا قسماً من دولة المغول، ثم استقلت دولة القرم تحت حكم كيراي منذ سنة (831 هـ - 1427 م)، وقويت دولة القرم التتارية بمد نفوذها على الأراضي المجاورة لها، وبلغت قوتها أن إمارة موسكو كانت تدفع لها جزية سنوية في عهد السلطان محمد كيراي في النصف الأول من القرن العاشر الهجري، ثم خضعت موسكو لحكمها في سنة 979 هـ - 1571 م، وقويت شوكة الروس وبدؤوا في مهاجمة أطراف دولة القرم، والتي بدأت تضعف فاستولوا على القسم الشمالي منها في سنة 1091 هـ - 1680 م، وهب الأتراك العثمانيون لنجدتهم، وتم تحالف بين تتار القرم والدولة العثمانية، فنزل العثمانيون جنوب شبه جزية القرم، ودام هذا التعازن قرابة قرن، ولما أصاب نفوذ العثمانيين الضعف في الجهة الشمالية.
غزو شبه جزيرة القرم
تمكن الروس من غزو شبه جزيرة القرم في سنة 1198 هـ - 1783 م، في عهد كاترين الثانية إمبراطورة روسيا المتعصبة للمسيحية. وهكذا فقدت دولة تتار القرم حريتها، وبدأ الاضطهاد الديني لمسلمي القرم، وطرد الروس من شبه جزيرة القرم نصف مليون نسمة، وصدرت عدة قوانين تحرم الدعوة إلى الإسلام، وظل هذا الغبن مفروضاً على التتار المسلمين طيلة قرن وربع، ولما صدر قانون حرية التعبد أعلن التتار الدعوة الإسلامية، بعد أن كانوا يمارسونها سراً بين جيرانهم وزاد عدد الداخلين في الإسلام. ونشط تتار القرم في استعادة كيانهم منذ صدور قانون حرية العقيدة في روسيا القيصرية في سنة 1323 هـ - 1905 م، وحتى استيلاء السوفيات على حكم روسيا في سنة 1336 هـ - 1917 م، فقاوم تتار القرم الخضوع لهم فلجأ السوفيات إلى حرب التجويع والحصار، وقد نشرت جريدة أزفسيتا السوفياتية جانياً من حرب التجويع التي فرضت على تتار القرم، واستمرت طيلة عام 1922، ومات في هذه المجاعة أكثر من ستين الف مسلم من تتار القرم وقتل مئة الف، وحكم عل خمسين ألف بالنفي، وهكذا قدم تتار القرم العديد من الضحايا، قبل الاستسلام لحكم السوفيات، وأعلن قيام جمهورية القرم السوفياتية، وخضعت للحكم الذاتي. وفي سنة 1347 هـ - 1928 م اتجه الروس إلى جعل شبه جزيرة القرم موطناً ليهود روسيا، واحتجت حكومة القرم، فأعدم رئيس جمهوريتها وأعضاء حكومته، ونفى اربعون ألف مسلم من القرم إلى سيبيريا، وهكذا كانت القرم قلعة حصينة، ولم تستسلم بسهولة. وفي أثناء الحرب العالمية الثانية اتهم السوفيات سكان القرم بالعاون مع الألمان فصدر قرار مجلس السوفيات بإلغاء جهوريتهم في سنة1363 هـ - 193 م، وتم تنفيذه، وشرد تتار القرم وأرغموا أهلها على الهجرة الإجبارية إلى سيبيريا وآسيا الوسطى خصوصاً في أوزبكستان، وهرب مليون وربع مليون منهم إلى تركيا، وأروبا الغربية، وبعضهم غلى بلغاريا ورومانيا وأعدم الكثير، ولم يبق من خمسة ملايين مسلم من تتار القرم غير نصف مليون، وهدم السوفيات ألفاً وخمسمئة مسجد في شبه جزيرة القرم، والعديد من المعاهد والمدارس، وفي سنة 1387 هـ - 1976 م وقرر مجلس السوفيات براءة تتار القرم من تهمة التعاون مع الألمان وتشريد شعب كامل، إلغاء جمهوريته، نتيجة تهمة باطلة ألصقت به، ويطالب تتار القرم بالعودة إلى وطنهم.
الإمبراطورة كاترين الثانية (2 مايو 1729 - 6 نوفمبر 1796)، إمبراطورة روسيا الثانية عشر من 28 يونيو 1762
الإسلام والمسلمين في عصرها
شهد عصر كاترينا الثانية تبدلا جذريا في سياسة الحكومة القيصرية بالنسبة للإسلام وسكان روسيا المسلمين عقب تربعها على العرش عام 1762، فقد كانت الإمبراطورة الجديدة تعبر عن آراء ومواقف الفئة المتنورة من ممثلي الأوساط الحاكمة الروسية الذين أدركوا تماما فشل محاولات السلطات الرسمية الرامية إلى إزاحة الإسلام وإكراه المسلمين على اعتناق المسيحية. فقد كانت هذه الممارسات تؤدي خلال قرنيين من الزمن، إلى اندلاع الانتفاضات داخل البلد وتعقيد العلاقات بين الامبراطورية الروسية والدول الإسلامية.
وقامت بزيارة للإطلاع على أحوال المسلمين هناك، وقد استجابت لرجال الدين الإسلامي التتار بخصوص السماح ببناء المساجد في قازان.
ونزولا عند رغبة رجال الدين الإسلامي في بعض المناطق الروسية مثل جزيرة القرم والأورال وريزان، أصدرت كاترينا الثانية تعليماتها إلى المسؤوليين هناك لبناء عدد كبير من المساجد، كما ارتأت بنفسها أن ثمة أهمية خاصة لتشييد مساجد في سيبيريا من أجل جذب تجار بخارى لممارسة النشاط التجاري هناك.
وتلبية الحاجات الروحية للمسلميين في قراءة القرآن الكريم تم في عهد كاترينا الثانية إصدار القرآن باللغة العربية عام 1787 ثم أعيدت طباعته في الأعوام 1790- 1793-1796.
ولم تكتف هذه الإمبراطورة بهذه الإجراءات العملية باتجاه رعايا الدولة الروسية للمسلمين، بل حرصت على صياغة هذه الإصلاحات في مراسيم وقوانين لتنظيم أحوالهم الدينية، فقد أصدرت في عام 1783 مرسوما يقضي بمنع التعميد القسري وإزالة تأثير رجالات الدين المسيحي على القضايا المتعلقة بالدين الإسلامي، وحفظها ضمن دائرة اختصاص السلطات المدنية. كما يوصي المرسوم الكهنة الروس بدرء النعرات الدينية بين المسلمين والمسيحيين لكي يسود بينهم الوئام والوفاق.
ففي عام 1764 وضعت القيصرة الجديدة نهاية التعميد الإجباري للمسلمين، وذلك بالغاء الهيئة الرئيسية للتبشير في قازان، وقامت في العام ذاته بزيارة لهذه المدينة للإطلاع على أحوال المسلمين هناك، وقد استجابت لرجال الدين الإسلامي التتار بخصوص السماح ببناء المساجد في قازان التي كانت في غضون مئتي ونيف سنه محرومة من أماكن العبادة، بموجب حظر فرضته السلطات القيصرية على تشييد المساجد في أماكن الإقامة المشركة للسكان المسلمين والمسيحيين.
كما صدر مرسوم قيصري بإحداث إدارات دينية للمسلميين في القسم الأوروبي من روسيا وبعض المناطق الأخرى.
وكانت الحكومة الروسية تدفع رواتب العلماء الدينيين والأئمة وجميع الذين يعملون في هذه الإدارات أو يخدمون في المساجد.
هذه لمحة موجزة عن الإصلاحات الهامة التي جرت في عهد كاترينا الثانية والرامية إلى تخفيف وطأة الاضطهاد الديني، الذي كان يتعرض له المسلمون من رعايا الإمبراطورية الروسية، وإرساء التسامح الديني في البلد. وبفضل المساعي الجليلة لهذه الإمبراطورة حصل الإسلام في روسيا على الاعتراف الرسمي كأحد الأديان الأساسية في البلد.
وعلى العموم فقد اتصفت سياستها الداخلية بسمات "السلطة المطلقة المتنورة" وأجرت إصلاحات عديدة وانتهجت سياسة خارجية نشيطة ضمت إلى روسيا في عهدها المناطق الشمالية من البحر الاسود، بما في ذلك شبه جزيرة القرم وكذلك جورجيا الشرقية وأوكرانيا الغربية وبيلوروسيا وجزء كبير من بولونيا.
ولكن من جهة أخرى شهدت روسيا خلال حكمها انتفاضة ضخمة لفلاحي وقوزاق حوض الفولغا بقيادة إيميليان بوغاتشوف، وقد شمل نطاق هذه الانتفاضة مناطق عديدة في حوض الفولغا ومنطقة الأورال وسيبيريا الغربية. لم تعطى كاثرين تلك الامتيازات للمسلمين من باب التسامح الدينى ولكن لضمان عدم انضمامهم للدولة العثمانية أثناء حربها معهم