عـيـد زواج
نسي أنّ اليوم هو نفس اليوم الذي تزوّجها فيه منذ عشر سنوات. رجع إلى البيت في نفس الميعاد كعادته. البيت صامت جداً. لا يسمع الضجيج المعتاد الذي يصنعه الأولاد. أصابه القلق، و دار يبحث في البيت و ينادي على زوجته و أولاده.
كانتْ تقف في المطبخ، ترتدي ذلك الثوب الوردي الرقيق، و يفوح منها ذلك العطر الجذاب، و ترتب بعض الورد في المزهريات. وقف ينظر إليها مستغرباً. و وقفتْ تنظر إليه مبتسمة، ثم مستغربة. ملابسه غير مرتبة، و تفوح منه رائحة العرق. لا يبدو عليه أنه يتذكر هذا اليوم على الإطلاق. نظرَتْ إليه تتفحصه. هو يعرف هذه النظرة. إنها نفس النظرة التي ترمقه بها عندما تطلب منه إحضار البيض أو اللبن في طريقه، و ينسى ذلك.أو عندما تطلب منها ألا يتأخر على العشاء، و يتأخر مجدداً في العمل. و عندما تطلب منه عدم ترك جواربه المتسخة تحت السرير، و ينسى في كل مرة و يتركها هناك. عرف أنه قد نسي شيئـاً مهمّـاً – من وجهة نظرها – لكن المشكلة أنه لا يتذكر هذا الشئ الآن !
أخذ يبحث في رأسه عن أي شئ قد طلبته منه اليوم قبل أن يذهب إلى العمل.
لا شئ !
شئ طلبته منه الأسبوع الماضي و لم يحضره.
لا شئ !
اليوم هو (العيد الكبير) ! زيارة (حماته) ! أو أول رمضان !
لا !
وقف ينظر إليها هذه النظرة (البلهاء)، يفتح فمه، و هو لا زال يبحث داخل رأسه. انتهى صمتها و ظهر عليها الاستياء و الغضب.
" من المؤكد أنكَ نسيتَ. بالتأكيد ،هذا شئ غير مهم بالنسبة لكَ، لكن يهمكَ الطعام الذي أعده، و ملابسكَ التي أغسلها، و هذا البيت الذي تجده نظيفـاً باستمرار، و جواربكَ المتسخة التي تلقيها دوماً أسفل السرير، مع أنني أحضرتُ سلة خصيصاً للجوارب ! ".
(ليس موضوع الجوارب مجدداً أرجوكِ)
" لكن بالتأكيد لا تذكر عيد زواجنا العاشر، أنا مخطئة أنّي منذ الصباح أرتب البيت، و أتزين لكَ، و أرسل الأولاد عند أمي حتى نحظى بأمسية رومانسية لنا وحدنا كتلك الأمسيات في بداية زواجنا ".
ثم ذهبتْ غاضبة إلى غرفتها تغالبها الدموع.
(عيد زواجنا ! بالتأكيد، كيف لم أتذكر هذا اليوم ! سيكون العام القادم مثل سنين شدة مصر في عصر يوسف ! )
ذهب خلفها و هو يحاول أن يرضيها بأي شكل. لكنها كانت قد أغلقتْ الغرفة و لم تفتحها له.
" يا عزيزتي افتحي الباب أرجوكِ ".
لم ترد عليه.
يبحث عن شئ يقوله.
(وجدتها)
وقف واثقـاً من نفسه، و ظهر ذلك في نبرة صوته.
" بالتأكيد قد انطلتْ عليكِ هذه الخدعة ! ".
ثم وقف يضحك.
" هل اعتقدتِ فعلاً أنني نسيتُ عيد زواجنا العاشر! بالتأكيد لم أنسَه يا عزيزتي، لقد كنتُ فقط أمازحكِ، فهناك مفاجأة لكِ لن تتخيليها ".
فتحتْ باب الغرفة قليلاً، و تبدو أثار الدموع في عينيها و على وجهها.
عزيزتي، كيف لي أن أنسي تاريخ مولدي الثاني، كيف أنسى أجمل يوم في حياتي ".
" كل هذا غير صحيح
" ليس كذلك يا حبيبتي، و دعيني أثبتُ لكِ ".
خرجَتْ من الغرفة.
" لقد أعددتُ لكِ مفاجأة رائعة، لكن أمهليني لحظات لأجهزها ".
أخذها من يدها و أجلسها على الأريكة في الصالة، و دخل الغرفة و أغلق الباب عليه.
(ماذا أفعل الآن ! مفاجأة ! أي مفاجأة ! ماذا سأخبرها ! ماذا أصنع ! ماذا أصنع !)
فتح خزانة الملابس و ارتدى شيئـاً أنيقـاً، و هو يفكر في ما سيفعله بعد ذلك. يرتجل أفعاله، و يتمنى أن ينتج عن ذلك أي شئ له معنى. يضع عطره الخاص بالمناسبات الهامة. يفتح محفظته فيجد فيها القليل من المال.
(ماذا أفعل ! كيف ! و متى !)
يجلس على السرير يفكر.
(وجدتها)
فتح صندوقـاً صغيراً يدخر فيه بعض المال، و أخذ كل المال الذي فيه. خرج إليها و هو يبدو أنيقـاً جداً مثل يوم زفافه.
" هيا يا حبيبتي، ارتدي ملابسكِ ".
" لماذا ؟ ".
" ستعرفين ".
تذهب لترتدي ملابسها، و يخرجان. يأخذها إلى أفخم مطعم في المدينة. يطلب طاولة في مكان بعيد عن الزحام. يسحب لها الكرسي و يُجلسها. تجلس منبهرة بهذه المفاجأة. يطلب الطعام الذي تحبه، و يتناولانه في سعادة. يعودان إلى البيت و هي في غاية السعادة، و تشعر أنها تملك أفضل زوج على الإطلاق.
" أسفة يا عزيزي إذ ظننتُ أنكَ نسيتَ عيد زواجنا ".
" و كيف أجرؤ يا عزيزتي " !
تبارك للاخ ابو ياسر عميد المنتدي بذكرى زواجه بضع واربعون عاما
العمر المديد يملإه الحب والسعادة وراحة البال