فكرٌ سائد أم سياسةٌ ممنهجة ؟؟؟؟

أفنان أُسامة الدَّوايمة

العشائريَّة .... نزعةٌ قائمة على التَّعصُّب الأعمى المنسوب للعشيرة
والقبيلة والعائلة، ينتُج عنها إصدار الأحكام المُسبقة التي عادةً ما تكون
غير صائبة وذلك نتيجةً لغيابِ العقلِ والمنطق اللذين يُعدَّان سيِّديِّ
الأحكام الأقوال منها والأفعال، مِمَّا يؤدِّي بدورِهِ إلى تهديد الوجود
الفكري والحضاري والإنساني في المجتمعات المُختلفة ....
لماذا تطرَّقتُ لهذا الموضوع دون سواه ؟ ولماذا جَعَلتُهُ أُطروحتي الأولى في مجالِ الكتابة للعامَّة مِنَ القرَّاء الأكارِم ؟
ببساطة، يعود السَّبب وراءَ ذلك لدراستي الجامعيَّة التي أتمَمتُها في
إحدى مُحافظات الجنوب الأُردني، تلكَ المُحافظات التي تُعتَبَر في الوقت
الرَّاهن ـ مَعَ كامِلِ الأسف "موطن العشائريَّة "وفقًا للإحصائيَّات
الحديثة المُتعلِّقة بأعداد المُشاجرات التي يغلب عليها طابع العشائريَّة
والقَبَليَّة مِن قِبَل مُديريَّة الأمن العام.
طرحتُهُ لأنَّني رأيتُ
مَن طُعِن، ومَن رُمِيَ بالرَّصاص، ومَن تكالبوا على ضربهِ بأعدادٍ تفوقُ
قُدرَتَهُ على المُقاومة، ومَن ماتَ مخنوقًا بمُسيِّلِ الدُّموعِ الذي
أرادَ تفريقَهُم ، شهدتُ كلَّ ذلك ، ورأيتُ ما رأيت حتَّى اكتَفَيت.

إذًا غدا مِمَّا لا شَكَّ فيه أنَّ مُجتَمَعَنا الأُردني يَتَّسِم
بالعشائريَّة ويُعَدُّ مُجتَمَعًا عشائِرِيًّا بامتياز، وذلكَ عائدٌ
بطبيعةِ حالِهِ لتَفَشِّي وانتشار هذِهِ النَّزعة بينَ جميعِ فئاتِ
المُجتَمَع حتَّى نَجَحَت في الوصول إلى تلكَ الطَّبقة المُتعلِّمة التي
نَعقِدُ عليها آمالاً جمَّةً بقُدرَتِها على التَّغيير والإصلاح، ألا وهيَ
طلبةُ الجامعات مِمَّن يُفتَرَض أن يرسُموا مجدَنا ويخُطُّوا بأيديهِم
حضارَتنا القادمة.
وفي إطارِ ذلك ، اسمحوا لي أن أَطرَحَ بعضَ الأسئلةِ
على حَضَراتِكُم وعلى نفسي الهائبة مِن حالِ هذا البلد ومستقبَلِهِ في
ظِلِّ استمراريَّة انتشار هذه النَّزعة:
أوَّلاً : العشائريَّة الأُردنيَّة .. هل هيَ فِكرٌ سائد أم سياسةٌ مُمَنهجة ؟
ثانيًا : إذا كانت فكرًا سائدًا لِمَ هذهِ " الهيبة " من اتِّخاذ
الإجراءات اللازمة في سبيلِ علاجِها أو حتَّى الحَدِّ منها مِن قِبَلِ
الدَّولة ووزارةِ التَّعليم العالي التي تكتفي عادةً ببياناتِها الصَّادرة
عقب كلِّ مشاجرةٍ جامعيَّة ؟
رابعًا : أنا لا أتحدَّث عن ظاهِرةٍ
وُجِدَت بحجمٍ كامل، بل أتحدَّث عن ظاهرة تنامَت ومرَّت بأطوارِ نُمُوٍ
عدَّه بدءًا من عام 2009 الذي شهِدَ ارتِفاعًا ملحوظاً بأعداد المُشاجرات
العشائريَّة حتَّى غَدَت بهذا الحجم الذي نشهدُهُ اليوم .. إذًا، أَلم يكُن
مِنَ اليسير على أصحاب القرار والجهات المُختصَّة اتَّخاذ الإجراءات
والتَّدابير اللازمة قبل أن تَصِل إلى هذا الحَجم المُكتمِل ؟ أم أنَّ ما
يحدُث هو بالفعل مخطَّطٌ مرسوم يسعى إلى افتعالِ تلك المُشاجرات لأهدافٍ لا
نعرِفُها حتى الآن؟
خامسًا: إذا لم يكُن الأمر كذلك .. لماذا تنفي
الجهات المُختصَّة مِنَ الأمن والجامعات وقوع مثل تلكَ المُشاجرات في الوقت
الذي تظهر فيه الصُّور ومقاطع الفيديو التي تُثبت ذلك ؟ ولماذا يتم اعتماد
مبدأ النَّفي أو التَّبسيط في الوقت الذي تودي فيه مثل هذه المُشاجرات
بحياةِ العديدِ مِنَ الأشخاص تحت مُسمَّى العشائريَّة والقَبَليَّة ؟

لقد حانَ الوقت لأن يُدرِكَ مجتمعُنا بكلِّ فئاتِهِ تداعيات وأخطار إحلال
هذا الفِكر العشائري محل الفِكر العَقلاني والمنطقي وما يترتَّب على ذلكَ
مِن نتائجٍ وآثار عَلَّنا في طرحنا لها نُساعدُ بما أوتينا مِن عِلم على
الحدِّ مِن هذِهِ الظاهرة.
أولاً : تنمية الجانب التَّعصُّبي السَّلبي على حساب الجانب العقلاني الذي يُعَد سيِّدَ الأحكام.
ثانيًا : غياب صوت العدل والحق، وإحلال الصَّوت العشائري مكانَه.
ثالثًا : عدم القُدرة على التمييز بين الصَّواب وعدمِهِ نتيجَةَ غيابِ الشَّفافيَّة والموضوعيَّة.
رابِعًا : خلق التَّنافُس السَّلبي بينَ أبناءِ العشائر على حِساب التَّنافُس الشَّريف.
خامسًا : والأهمُّ مِن ذلكَ كُلِّهِ هو مخالفة الشَّريعة الإسلاميَّة التي
ترفُض التَّطرف بكُلِّ صورِهِ وأشكالِهِ وملامِحِهِ التَّعصُّبية خاصَّةً
ذلك التعصُّب الأعمى للعشيرةِ والقبيلة الذي يُعدُّ مِن مظاهِرِ الجاهليَّة
التي تتناقضُ مَعَ مبادئ الإسلام، إذ قالَ تعالى: " ولا تتبع أهواءهُم
واحذرهُم أن يفتِنوكَ عن بعضِ ما أنزَلَ اللهُ إليك"- ( المائدة / 49).
وعلى الرّغم مِن كلَّ المحاذير التي طرحتُها بما يخُص العشائريَّة إلاَّ
أنَهُ لابد مِنَ الاعتراف أنَّنا لن نتخلَّصَ مِنها بشكلٍ كامل، وأنا لا
ألومُ أحدًا كما لا ألومُ نفسي على ذلك، فنحنُ نعيشُ في كَنَفِ مُجتَمَعٍ
عشائري يأبى التَّنَصُّلَ مِن سماتِهِ وملامِحِهِ العشائريَّة بشكلٍ تام،
وإذا لم تَكُن عشائريًّا، ستكون الحلقة الأضعف فيه ـ مَعَ الأسفِ الشَّديدـ