" عين الباشا " ... بينَ الألمِ والأمل .
السبيل - أفنان أسامة الدوايمة
"عين الباشا" لِمَن يجهَلُها هيَ مدينَةٌ تَقَع في مُحافظة البلقاء على
الطَّريق بينَ مدينة صويلح ومدينة جَرَش، وتربُط منطقة صافوط بمُخيَّم
البقعة الذي يُعَد أكبر تجمُّع لفلسطينيي الأردن، يتراوَح عدد سُكَّانها
بينَ 70 - 80 ألف نسمة مُوَزَّعين على الأحياء والإسكانات.
وهِيَ المدينَةُ عينُها التي قمتُ بتخصيصِ مقالتي هذِهِ للحديثِ عن
بَعضِ المشاكِل التي تحدُثُ في رحمِها المُضطرِب الذي أعيشُ في كَنَفِهِ
وينفَطِرُ قلبي حُزناً على مُعاناتِهِ المُتواصِلة، وأنا أُدرِكُ تمامَ
الإدراك أنَّ المشاكِلَ تلك لا تنحَصِرُ في إطارِ هذِهِ المدينةِ وحدِها،
وإنَّما هِيَ جُزءٌ لا يتجزَّأ مِن مُشكِلَةٍ أكبر يتعرَّضُ لها هذا
البَلَد الذي اعتدنا على أن يكونَ آمِناً على مَرِّ الأزمان.
"فسادٌ
وانفلاتٌ أمني ينتشِرُ بِصُورٍ عِدَّة" جملةٌ تُلخِّصُ ما أنوي طرحَهُ
عمَّا يحدُثُ في منطِقَةٍ تحتَضِرُ وَسَطَ تَهميشٍ مُتَعَمَّد، أمَّا بِما
يَخُص تِلكَ الصُّور فسأطرَحُها على سبيلِ الذِّكرِ لا الحَصر آمِلةً أن
يَصِلَ صوتي للجهات المَعنيَّة مِن الأجهزة الأمنيَّة وشُيوخ العشائِرِ
ووُجهائِها مِن سُكَّان المنطقة لاتِّخاذ الإجراءات والتَّدابير اللازمة في
سبيلِ عِلاجِها والحَدِّ من انتِشارِها:
أوَّلاً: سائقو سيَّارات تحتَ
سِنِّ الثَّامِنة عَشَر يحلو لَهُم اللهو بَعدَ مُنتصَفِ الليل بصورةٍ
غيرِ مسؤولةٍ ولا مُبالية براحَةِ السُّكان أو حتَّى السَّلامةِ العامَّة
المنسوبةِ لهُم أو لِمَن في الطُّرُقات مِنَ المارَّة وعابِري السَّبيل
مَعَ الأخذ بِعَينِ الاعتبار أنَّها أبسَطُ الصُّورِ وأقلُّها ضَرراً.
ثانياً: مَشاكِلٌ يوميَّة تنتمي لفئَةِ الشَّباب مِن أبناء المنطقة يغلِب
عليها الطَّابِع العُدواني الطَّائِش مِن ضربٍ وطَّعنِ يُودي في أغلبِ
حالاتِهِ إلى القتل، وما يَتبَع ذلك مِن أعمالِ شَغَبٍ تتمثَّلُ بتحطيمِ
زجاج السيَّارات وواجهات المحلاَّت التِّجاريَّة وحرقِها على سبيلِ تصفيَة
الحِسابات واسترداد الحُقوق، يَحدُثُ ذلك بنكهةٍ عشائريَّة مُتعصِّبة لا
يُمكِنُ ردعُها إلاَّ إذا تَمَّ التَّعامُلُ مَعَها بصورةٍ مُشابهةٍ لها في
ظِلِّ الغياب الأمني وتدابيرِهِ الوقائيَّة في الشَّوارِع والأحياء
السَّكنيَّة.
ثالِثاً: حيازَةٌ للأسلحة مِن كُلِّ الأنواع مُتمثِّلَةً
بالأسلحةِ البيضاء التي غَدَت مَنتَشِرَةً بينَ أيدي الفتية والمُراهقين
بصورةٍ لا تُضاهى، ناهيكَ عن الهَرَوات والمُسدَّسات والرَّشَّاشات التي
تظهَرُ في حالِ اندلاعِ المشاكِل مِن حَيثُ لا تعلم بأعدادٍ تفوقُ
قُدرَتَكَ على تصوُّرِها، حتَّى وَصَلَ الأمر إلى أن تُحوَّل الألعاب
الناريَّة لأسلِحَةٍ ذات فعاليَّة عالية في تلكَ المشاكِل، تلك الألعاب
التي تَمَّ استِخدامُها في أكثرِ مِن مرَّة ضِد الأجهزة الأمنيَّة في حالات
المُلاحقة والمُداهمة.
رابِعاً: وصَلنا لأَخطَرِ الصُّوِر وأكثرِها
ضرراً على الفرد والمُجتمَع لِما تَتَسبَّب مِن ذهابٍ لذلِكَ العقل المسؤول
عن تصرُّفات الفرد وأفعالِهِ في مُجتَمَعِهِ، ألا وهيَ التِّجارة بِقِطَعِ
الحشيش والمُخدَّرات في الشَّوارِع، وأَخُصُّ بالذِّكر شارِع الإشارة،
والأحياء السَّكنيَّة والمحلاَّت التِّجاريَّة لِدرجةِ أنَّها نَجَحَت
مؤخَّراً في الوصول للمدارِس التي يرتادُها أبناؤنا الحالِمونَ بالخُروجِ
مِن هذِهِ البيئة عن طريقِ العِلمِ والدِّراسة.
ومِن وجهةِ نَظَري
المُتواضِعة أنَّ هذا الأمر، ألا وهُو التِّجارة بكُلِّ ما يُذهِب العَقل،
هُو السَّبَب الرَّئيسي الذي نُعَوِّلُ عليهِ كُلَّ المشاكِل وجرائِم القتل
الحاصِلة في هذِهِ المدينة، حيثُ أنَّهُ لا يُمكِنُ في حالٍ مِنَ الأحوال
أن يُقدِمَ أبٌ على قَتلِ ابنتِهِ في وَسَطِ الشَّارِع غَيرَ آبِهٍ
بِرَكضِها المُتعثِّرِ أمامَهُ إلاَّ إذا كانَ فاقِداً لِعَقلِهِ، كما
أنَّهُ مِنَ الاستحالة أن يُقدِم صَديقٌ على قتلِ صديقِهِ في جَلسَةِ سَمَر
عُقِدَت بعدَ مُنتَصَفِ الليل في أحدِ الشَّوارِع بطوبةٍ تكالَبَ على ضربِ
رأسِهِ بِها إلاَّ إذا كان فاقِداً لِعَقلِهِ، حالُهُ في ذلِكَ حال أحَد
السُّكان الذي أقدَمَ على قَتلِ شخصٍ ما في هذِهِ المنطِقة بِعيارٍ ناري
فَقَط لأنَّهُ قامِ بإطلاقِ النَّار بالقربِ مِن منزِلِهِ غيرَ مُفترِضٍ
أنَّهُ لم يَقصِد ذلك، إلى غَيرِ ذلكَ مِنَ الجرائِم الغيرِ مُنقطِعة والتي
لستُ في صَدَدِ حَصدِها.
أمَّا عَن أسباب هذا الفساد والانفلات الأمني
بِكُلِّ صُوَرِهِ السَّابقةِ الذِّكر في مدينةِ "عين الباشا" فَهَل يا
تُرى عائِدَة على تَفاقُمِ نسبةِ البطالة بينَ أبناءِ المنطقة مَعَ ازديادِ
نسبةِ الكثافة السُّكانيَّة فيها مُكوِّنَةً بذلِكَ مُعادلَةً طرديَّةً
سلبيَّةَ النَّتائِج؟ أم أنَّها ناتِجة عَن تهاوُن الأجهزة الأمنيَّة
بِتدابيرِها الوِقائيَّة مُتمثِّلةً بالدَّوريَّات النَّادرةِ الوُجود
والتي لا تتكلَّف بالحُضور إلاَّ في نهايةِ المَشاكِل والمُشاجرات
لِتُعايِنَ النَّتائِج وتُدوِّنها في دفترٍ ما عادت أوراقُهُ كافيَةً
لِحَصدِ ما يَحدُثُ على أرضِ تلكَ المدينة مِن مشاكِلٍ وجرائِم تَعَدَّت
الخُطوط الحمراء بِصورةٍ مُطلقة وغيرِ مشروطة؟
هذا ما تمكَّنتُ مِن
معرِفَتِهِ والإطلاع عليه مِن تجاوُزات وانتِهاكات للقوانين العامَّة التي
تُعتَبَرُ أساسَ الأمنِ والاستقرار في هذا البَلَد الذي لطالما تحلَّى
بِهذِهِ الصِّفة وتميَّزَ بِها عن سائِرِ البُلدان، وأُدرِكُ تمامَ الإدراك
أنَّ هذِهِ الصُّور التي تمثِّل الفساد في مدينةِ عين الباشا "ما خَفِيَ
مِنها عَنِّي هو أعظم لا محالة"، وأخشى ما أخشاه أن يستمر الوَضع بِهذِهِ
الوتيرة لِنُصبِحَ على شفا حُفرةٍ مِنَ السُّقوط في الأعوام القادِمة.
ومَعَ أنَّ النَّبرة التَّشاؤميَّة قد سادَت قلمي في كِتابَتي لهذِهِ
المقالة إلاَّ أنَّهُ لا بُدَّ لِي مِنَ الاعتراف بأنَّهُ مَعَ إشراقَةِ
كُلِّ شمسٍ جديدة على هذه المدينة، ومَعَ ابتسامةِ كُلِّ طِفلٍ مارِّ في
أحدِ شوارِعِها الضيِّقة أو أحيائِها المُظلمة، ومَعَ كُلِّ تكبيرةٍ
صادِرَةٍ مِن مساجِدِها قائلةً بأنَّ "اللهَ أكبر"، أشعُرُ أنَّ ثمَّةَ
بصيص أملٍ يربتُ على كَتِفي قائلاً لي ألاَّ أقنَطَ مِن رحمَةِ الله وأنَّ
دوامَ الحالِ مِنَ المُحال.