" كرامتُنا " .... أغلى ما نملُك .
أفنان أسامة الدوايمة
بدايَةً وقبلَ الخَوض في صُلبِ الموضوع، ودَدتُ أن أُنوِّهَ إلى أنَّني آثرتُ الكِتابِةَ عمَّا جَرَحَ مشاعري وأهانَ كرامتي كأُردُنيَّةٍ اعتَصَرَ قلبُها أَلَماً حيالَ الإهانة التي أصابت ثلاثةً مِن أُخوتِها النَّاشِطين أصحاب الفِكر الرَّاقي في مُجتَمَعِنا الأُردُنيّ على أيادٍ صفويَّة طائِفِيَّة مُمَثَّلة بأعضاءِ السَّفارة العِراقيَّة وسفيرِهِم جواد عبَّاس الأسَدي في المركز الثَّقافي الأُردني يوم الخميس المُوافق 16/5/2013. وارتأيتُ أنَّهُ لا يمكنني ذلكَ إلاّ مِن خلالِ التَّوجُّه بثلاثِ رسائلٍ نابعةٍ مِن قلبي الحزين وعَفوِ خاطِري المكسور جرَّاء ما حَدَث، أُوَجِّهُها بِطبيعَةِ الحال لثلاثِ جهات مَعنيَّةٍ بهذا الأمر.
رِسالتي الأُولى إلى حُكومتي المُوَقَّرة والمُمَثَّلة برئيسِها الدُّكتور عبد الله النسور!
لماذا قَبِلتُم يا دَولَةَ الرَّئيس سحبَ الحُكومةِ العِراقيَّة أبناءَ سفارتِها مِن المسؤولين المُتورِّطين في هذا الاعتداء دون أن يُحاكموا على ما اقتَرَفَتهُ أيدِيهِم بحقِّ أبنائِنا، وأين؟ في عُقرِ دارِنا، بل وفي مبنى المركز الثَّقافي المَلَكي، ذلك المبنى الذي يُعدُّ مِن المواقِع السِّياديَّة في مملكتِنا الأُردنيَّة الهاشِميَّة!
تُرى هل تُفَضِّلون حمايَةَ مَن يملِكونَ براميل النِّفط على حِسابِ كرامَةِ مُواطنيكُم الذينَ لطالما كانوا أغلى ما يملُك هذا الوطن؟ إن كان الأمرُ على هذا الحال فتلكَ مُصيبةٌ، ولكن إن كُنتُم لَم تعلموا بتلكَ الحادِثة إلاّ عُقبَ نشرِها في وسائِلِ الإعلام حالُكُم في ذلكَ حال المُواطِن الأُردني الذي فُجِعَ بهذا الخَبَر فالمُصيبةُ أعظمُ.
هذا مِن ناحِية، ومِن ناحِيَةٍ أُخرى إذا كان مَعالي وزير الخارجيَّة الأُردني السَّيد ناصِر جودة قد قَبِلَ اعتذارَ نظيرِهِ العِراقي هوشيبار زيباري في مُكالمةٍ هاتفيَّةٍ خاصَّة جَرَت بينَهُما لا بُد مِن القَول أنَّهُ في اعتذارِهِ ذاك لم يشمل الشَّعب الأُردني الذي مِن حَقِّهِ أن تتوجَّه الحُكومة العِراقيَّة إلى إصدارِ اعتذارٍ رسميِّ وعَلَنيٍّ له جرَّاء الإهانة التي تَعَرَّض لها، هذا على أقلِّ تقدير، مع الأخذ بِعَينِ الاعتبار إنَّ حُكومَتنا الأُردنيَّة لها الحق في قبول الاعتذار والتَّنازُل عن حقِّها العام، دون الغَفلة عن أنَّ هناكَ حقّاً خاصّاً لمُحاميينا الثَّلاثة يجب أن يُراعى في هذِهِ القضيَّة ولا يُستَهانُ بِهِ.
وأخيراً، حُكومتي العزيزة! إذا كانت براميل النِّفط والبُترول العِراقيَّة سوفَ تجعَل الشَّعب الأُردني يدفَعُ ثَمَنَها تنازُلاً عن كرامتِهِ التي لَم تُمَسُّ يوماً في زَمَنِ الرَّئيس صدَّام حسين وقُبولاً بالذُّل والهَوان على أرضِهِ، فلتَعلمي أنَّ شَعبَكِ مُستعِدٌّ لِرَبطِ الأحزِمَةِ على بُطونِهِ في سبيلِ العَيش بكرامةٍ وعِزَّةٍ أَبَدِيَّة.
ولتَعلَمي أيَّتُها الحُكومة المُوقَّرة أنَّني في رسالتي هذِهِ لم أُوجِّه انتقاداتي لَكِ لِأَجلِ المُعارَضَة والتَّجريح، بل فَعَلتُ ذلِكَ مِن حرقةِ قلبي الموجوع ولَوعتِهِ على ما آلت إليهِ أحوالُنا التي آمُلُ أن تتبدّل لِما هُوَ أفضل في يومٍ ما.
ورِسالتي الثَّانية أُوجِّهُها لسفارةِ نوري المالكي مُمَثَّلَةً بِسفيرِها جواد هادي عبَّاس الأسَدي!
احترتُ صَراحَةً بِنَوعِيَّةِ الأُسلوب الذي يُفتَرَض أن أتَّبِعُهُ في حديثي مَعَك! هل أتَّبِع ذلِكَ الأُسلوبٍ الرَّسمِيٍّ الذي يتناسَبُ مَعَ موقِعِكَ السِّياسيِّ والدُّبلوماسي؟
فكَّرتُ في ذلكَ، ووجدتُ أنَّكَ لم تحترِم مَنصِبِكَ المنوط إليكَ أصلاً في اعتدائِكَ على أبناءِ بَلَدٍ لم يتردَّد يوماً باستِضافتِكَ واحتِرامِكَ، فما كانَ مِنكَ إلاّ أن تجرَّدتَ مِن أصلِكَ وقلَّلتَ مِن احترامِهِ وحِفظِ مكانتِهِ التي لطالَما كانَت رفيعةً على مَرِّ الأزمان.
وليتَكَ كَسِبتَ الفضيلةَ باعتِرافِكَ بالذَّنب عوَضاً عن تَخَبُّطِكَ في كلامِكَ المُضطرب منذُ الإعلانِ عن هذا الحَدَث، فقد أنكَرتَهُ في البِدايةِ جُملةً وتفصيلا، ثمَّ اعتَرَفتَ بعدَها بوقوعِهِ مُتَبَرِّئاً مِنَ العِلمِ فيه، لِتَصِلَ في نِهايةِ المطاف إلى اعتِرافٍ واضِحٍ وصريح بوُقوعِهِ والمُشاركةِ فيهِ مُبرِّراً ذلكَ بتبريرٍ أقلُّ ما يُقالُ عنه بأنَّهُ واهٍ، كيلا نَصِفُهُ بالوقاحة، لتقولَ في ذلِكَ أنَّ "لكُلِّ فِعلٍ ردَّةُ فِعل" وأنَّهُ "كانَ ينبغي على هؤلاءِ الأردنيين احترامَ هذِهِ المُناسبة وعَدَم الحُضور مِن دونِ دعوة"، يا لَها مِن وقاحة! فَأوَّلاً، تِلكَ المقابِر الجماعيَّة التي أُقيمَت في زَمَنِ الرَّئيس صدَّام حسين جميعُنا على عِلمٍ تام بأنَّها لا تُساوي شيئاً أمامَ هذِهِ المقابِرِ التي تُقام اليوم بحقِّ أبناءِنا مِنَ الشَّعبِ العِراقي السُّني على أيدي ميليشياتِكُم الطَّائفيَّة التي تَعُجُّ بِها أرضَ العِراق. كما أنَّهُ عَن أيِّ دعوةٍ تتحدَّث أيُّها الضَّيف! رُبَّما نسيتَ "أو تناسَيت" بأنَّ هذا البلد لنا، ولنا نَحنُ الشَّعب الأردُني مُطلَق الحُرِّية في الحُضور والتَّواجُد في أيِّ مكانٍ أو مُناسَبةٍ تُقامُ على أرضِهِ مِن دونِ استِسماحِكَ أو أخذِ الإذن مِنك، وإذا صوَّرت لَكَ نفسُكَ يوماً ما أنَّ باستِطاعتِكَ شِراءَ هذِهِ الأرض أو تقييدِ حُرِّيةِ مَن عَلَيها مِن شَعبٍ حُرٍّ أصيل باسمِ نِفطِكَ الفاسِد فلتَعلَم بأنَّنا على أُهبةِ الاستعداد للموتِ جوعاً في سبيلِ العيش بكرامةٍ لا نَقبَل أن تُمَس يوماً ما.
أمَّا رِسالتي الثَّالِثة والأخيرة، فَهِيَ إلى أبناءِ جِلدَتي مِنَ الشَّعبِ الأُردني الأصيل الذي يأبى الدُّنو إلى ذلِكَ المُستوى البلطجي الوضيع الذي لم نَعهَدهُ يوماً ما، إيَّاكُم يا إخوتي والتَّعرُّضَ لِأبناءِ شَعبِنا العِراقي مِمَّن هُم اليوم في ضِيافتِنا، هؤلاءِ الذينَ طَلَبوا مِنَّا الحِمايةَ بَعدَ أن وَجَدوا أنَّنا الملجأ الوحيد لِصَونِ كرامتِهِم وحِفظِ عرضِهِم ودينِهِم والعَيش بعيداً عن الاضطهادِ والإهانة. إنَّهُم أهلُنا في الدِّينِ والعُروبة، وأبوابُنا ستبقى مفتوحةٌ لَهُم على مِصراعَيها مَهما طالَ الزَّمن، فإن كانوا مُهاجِرين كونوا لَهُم أنصارا.
بالمُقابِل، إيَّاكُم والتَّنازُلَ عن كرامَتِكُم أو التَّهاوُنِ فيها، طالِبوا بِحِقوقِكُم المشروعة، مُتمثِّلَةً في البِدايةِ باعتذارٍ رسميٍّ وعَلَنيّ مُوجَّه للشَّعبِ الأُردنيِّ عامَّةً، هذا على أَقَلِّ تقدير، ولا تَتَنازَلوا عَن مَطلَبِكُم في مُلاحَقَةِ المُعتَدين لِحينِ الإمساكِ بِهِم ومُحاكَمَتِهِم مُحاكَمَةً عَلَنيَّة حتّى يكونوا عِبرَةً لِغَيرِهِم، ولا مانِعَ مِن أن ترفَعوا سَقفَ مطالِبِكُم إلى أن يكون السَّفير العِراقي الجَديد وباقي أعضاء السَّفارة مِنَ المَذهب السُّني، ليسَ بِدافِعِ التَّدخُّل في الشُّؤون الدَّاخليَّة للعِراق، وإنَّما للحِفاظِ على سلامَةِ وطنِنا وأبنائِهِ مِمَّن تمَّ التَّعدِّي عَلَيهِم بسببِ تِلكَ النَّزعة الطّائفيَّة الحاقِدة المُتمركِزة في عُقول وأذهان أتباع المالِكي، كما أنَّهُ هَناكَ سَبَبٌ آخر نعزو إليهِ هذا المَطلب، ألا وهَوَ أنَّ الغالِبِيَّة العُظمى مِن أبناء الشَّعب العِراقي مِمَّن هُم في ضِيافتِنا وحِمانا هَم مِن أبناءِ المَذهبِ السُّني، إذاً فمِن حقِّهِم أيضاً أن تُمثِّلُهُم سفارةٌ سُنيَّة تسعى لِتَنفيذِ مطالِبِهِم وتستَمِعُ لشكواهُم وتُراعي أحوالَهُم والأهمُّ مِن ذلكَ أن تُمَثِّلَهُم خَيرَ تمثيل.