هجمات طائرات الاستطلاع (الزنانة) على المدنيين في غزة
حققت هيومن رايتس ووتش في هجمات طائرات الاستطلاع (الزنانة) الست التالية، والتي أسفرت عن مقتل وإصابة المدنيين، ووقعت هجمتان منهم على شوارع في المدن، وواحدة على مدرسة تديرها الأمم المتحدة، وثلاثة على أسطح بنايات في أحياء سكنية.
كلية تدريب غزة، مدينة غزة
حوالي الساعة 1:30 مساء يوم 27 ديسمبر/كانون الأول 2008، وهو اليوم الأول للهجوم الإسرائيلي، أطلقت طائرة زنانة إسرائيلية صاروخاً على مجموعة من الشباب والشابات كانوا يقفون على الجانب الآخر من الطريق من كلية تدريب غزة التي تمولها الأونروا في وسط مدينة غزة [إحداثيات: GPS 31.51162/034.44336 ] فأدى إلى قتل 12 شخصاً. وتسعة من القتلى من طلاب الكلية واثنين منهم من النساء، وكانوا جميعاً ينتظرون حافلة تابعة للأمم المتحدة لتقلهم إلى منازلهم في رفح وخان يونس جنوبي قطاع غزة. والمدنيون الثلاثة الآخرون الذين تعرضوا للقتل كانوا من المارة. وسقط الصاروخ على مسافة 25 متراً من مقر الأونروا في غزة، في حي الرمال وسط مدينة غزة، ويشغل المقر عاملون بالأمم المتحدة وعاملون دوليون بالمساعدات الإنسانية.
وطبقاً لتسعة شهود عيان قابلتهم هيومن رايتس ووتش، منهم ثلاثة عاملين دوليين بالأمم المتحدة، فلم يكن هنالك أي مقاتلين فلسطينيين نشطين على قارعة الطريق أو في المنطقة المجاورة قبيل أو وقت وقوع الهجوم. ونادراً ما شوهد مقاتلين من حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية في حي الرمال الذي وقع فيه الهجوم، حسب ما قال شهود عيان وصحفيون فلسطينيون ونشطاء حقوق إنسان يعملون في غزة. وكان هذا أحد الهجمات الجوية الأولى في عملية الرصاص المصبوب، وكان الشارع مزدحماً وقت الهجوم مع تحرك المدنيين في شؤونهم اليومية.
وعلى حد علم هيومن رايتس ووتش، فإن إسرائيل لم تعلق علناً على الهدف المقصود بذلك الهجوم. كما لم يرد الجيش الإسرائيلي على أسئلة هيومن رايتس ووتش الخاصة بالهجوم (انظر الملحق).
وأمد ثلاثة شهود عيان هيومن رايتس ووتش بروايات تفصيلية. وقد لحقت الإصابات بمالك حانوت بقالة صغير مواجه لموقف حافلات الأمم المتحدة وعلى مسافة ثلاثة أمتار من نقطة الانفجار، ويُدعى أديب منذر الريس، 27 عاماً. وقال لـ هيومن رايتس ووتش أثناء مقابلة تمت معه على انفراد في متجره أن وقت الانفجار كان قد دلف لتوه إلى المتجر من الشارع المزدحم بطبعه، وأغلق الباب خلفه، وتقدم إلى الكاونتر، ثم سمع الانفجار وأحس به خارج الباب. وقال:
سمعت طائرات زنانة بالخارج لكن لم تقلقني. دخلت إلى المتجر فارتميت على الأرض جراء الانفجار. كان الأمر مفاجئ للغاية. هرعت إلى الخارج ورأيت جثثاً كثيرة. لم أعرف أنني مُصاب إلى أن قال أحدهم إنني أنزف... أصبت بجروح كثيرة على هيئة ثقوب دامية صغيرة في جسدي. ذهبت إلى مستشفى الشفاء وقال الأطباء إنني بخير لكن بحاجة لجراحة لإخراج الشظايا التي ما زالت بداخلي. [18]
وأظهر الريس لـ هيومن رايتس ووتش صورة أشعة سينية على ساقه، وفيها مربعات سوداء صغيرة داكنة وهي مواضع شظايا التنجستين المكعبة التي تنبعث من الصاروخ، وكانت قريبة من عظام الساق. كما كان مصاباً بشظايا مغروسة في صدره وجذعه، حسب قوله.
وفي 21 يناير/كانون الثاني، فحصت هيومن رايتس ووتش حفرة الانفجار في الأسفلت، المتخلفة عن انفجار الصاروخ، ويبلغ عرضها 120 سم وعمقها 80 سم، وتقع أمام متجر بقالة الريس وعلى الجانب الآخر من الطريق من مقر الأونروا. والشظايا المكعبة، والواضح أنها من صاروخ سبايك، كانت مغروسة في عشرات الحفر المربعة الصغيرة في باب المتجر، وفي عمود نور على مسافة خمسة أمتار، وفي جدار مجمع الأمم المتحدة على مسافة 20 متراً.
إبراهيم نهرو الريس، 19 عاماً، ابن عم أديب منذر الريس والطالب بجامعة الأزهر في مدينة غزة، قال إنه كان في متجر قريب حين انفجر الصاروخ. ولدى مقابلته مع أبيه وجار له في متجر أباه الواقع على مسافة خمسة أمتار من موقف حافلات الأمم المتحدة، قال إنه هرع إلى خارج المتجر بعد أن سمع صوت الانفجار ليجد اثنين من أشقائه، هشام، 24 عاماً، وعلام، 18 عاماً، وابن عمه عبد الله، 20 عاماً، يرقدون على الأرض. وقال: "سمعنا صوت طنين في الجو قبل الانفجار، وحين خرجت رأيت ما حدث، وكان هشام وعلام راقدان على الأرض، والدم يتدفق من جراحهما". [19] وطبقاً لإبراهيم، فإنه نقل شقيقه علام سريعاً إلى مستشفى الشفاء في مدينة غزة، لكن علام مات قبل أن يصل.
وقابلت هيومن رايتس ووتش والد إبراهيم، نهرو الريس، وهو في الخمسينيات من عمره، وبدا عليه الأسى الشديد وهو يقول إنه هرع إلى موقع الانفجار من محطة وقود قريبة كان يعمل فيها وقت الانفجار واصطحب ابنه هشام إلى المستشفى، وفيها مات هشام بدوره، وقال: "اتصلوا بي في محل عملي وقالوا لي إن هشام مُصاب، فهرعت إلى موقع الانفجار... ورأيت حفراً صغيرة في كل مكان في جسده". [20]
وقال نهرو الريس إنه عرف في المستشفى أن علام نُقل إلى المستشفى بدوره، لكن سمع أن علام مات بدوره وأن جسده نُقل إلى مشرحة المستشفى. وأوضح: "حينها تعثرت في ابن أخي عبد الله بالصدفة"، وأضاف:
كان جسده [عبد الله] على الأرض أمام المشرحة. المبردات في المشرحة كانت ممتلئة عن آخرها وكان لديهم نحو 150 جثة فيها. طلبت علام لكن قيل لي إن جسده نُقل للخارج بالفعل. فقررت أن أبحث عن هشام ثانية. فصعدت الدرج بحثاً عن هشام، ومررت بجسد مسجى على نقالة. وحين بلغت الطابق التالي سألني أحدهم إلى أين أذهب. رددت بأنني أبحث عن ابني هشام، فقال ذلك الشخص: لا، لقد مررت به لتوك وهم ينقلونه على الدرج. انظر خلفك. فالتفتّ ورحت أركض وراء الجسد الذي مررت به. وتعرفت فيه على هشام وقلت: أرحمني يا ربي.
وإجمالاً قابلت هيومن رايتس ووتش تسعة شهود على ذلك الحادث، وثلاثة منهم في مقابلة جماعية والبقية فرادى. وقدموا جميعاً روايات متفقة في تفاصيلها فيما يخص الهجوم، مما يعطي مزاعمهم المصداقية. ولم يكن هنالك أي مقاتل من حماس أو جماعة فلسطينية أخرى في منطقة كلية تدريب غزة وقت الهجوم، حسب ما قالوا جميعاً. وقال لـ هيومن رايتس ووتش حارس أمن في الأونروا وكان قد شهد الهجوم: "لم يكن هنالك أي أحد في الجوار، لا رجال شرطة ولا جيش ولا حماس". [21]
ورغم أن هناك جماعات فلسطينية مسلحة أطلقت في بعض الأحيان صواريخ محلية الصنع على إسرائيل من مناطق مأهولة بالسكان في غزة، فإن أي من الشهود لم يقل بإطلاق صواريخ من حي الرمال في مدينة غزة في ذلك التوقيت، أو في أي وقت أثناء عملية الرصاص المصبوب. والعاملون الدوليون الثلاثة من الأمم المتحدة أكدوا أن حماس والجماعات الأخرى لم تعمل إطلاقاً من المنطقة جراء انتشار العاملين الدوليين وبُعد حي الرمال عن خط الهدنة، مما يجعله غير ملائم لإطلاق صواريخ القسام أو غراد منه.
الطلاب التسعة الذين قُتلوا في الهجوم هم:
أحمد سامح شهادة الحلبي، 19 عاماً، رفح
بهاء سمير أبو زهري، 19 عاماً، رفح
أدهم حمدي العدني، 19 عاماً، دير البلح
يوسف تيسير شعبان، 19 عاماً، رفح
شعبان عادل حنيف، 17 عاماً، رفح
نعمة علي المغيري، 18 عاماً، رفح
وفاء مروان الدسوقي، 18 عاماً، خان يونس
محمود ماجد أبو طيور، 18 عاماً، رفح
علي مروان أبو ربيع، 18 عاماً، مدينة غزة
المدنيون الثلاثة الآخرون الذين قتلوا:
هشام نهرو طلعت الريس، 24 عاماً
علام نهرو طلعت الريس، 18 عاماً
عبد الله منذر جودت الريس، 20 عاماً
ولم يبد الجيش الإسرائيلي أي تفسير علني للهجوم. وأفضل ما يمكن قوله أن مُشغلي الطائرة الزنانة اعتبروا الطلاب في موقف الحافلات مقاتلين، لكن أي مما كان يحمله الطلاب أو يفعلونه لا يدعم التوصل إلى مثل هذا الاستنتاج. كما لا توحي أي من الأدلة المتوفرة بأن الطلاب كانوا مقاتلين، إذ كان الشارع مزدحماً، والطلاب يغادرون كلية تدريب غزة، والمنطقة يشغلها عاملون بالأمم المتحدة وعاملون بالمساعدات الدولية. والقدرات البصرية للطائرات الزنانة كان لها أن تسمح لمُشغلي الطائرة بالتمييز بين المقاتلين والمدنيين.
متجر حدادة عائلة سمور، جباليا
في 29 ديسمبر/كانون الأول 2008، حوالي الساعة 6 مساءً، أطلقت طائرة زنانة إسرائيلية صاروخاً أصاب شاحنة بمقطورة مسطحة مفتوحة أمام متجر حداد في جباليا. والمتجر على مسافة 130 متراً جنوبي تقاطع شارع صلاح الدين مع شارع القدس [إحداثيات: GPS 31.3119/034.2940 ] وهو معروف أيضاً بمسمى تقاطع زيمو. وفي بيان صحفي صدر في وقت لاحق من ذلك اليوم، زعم الجيش الإسرائيلي إنه "أصاب سيارة لحماس محملة بعشرات من صواريخ غراد". وورد أيضاً "طبقاً لتقييمات الجيش الإسرائيلي فإن حماس كانت تنقل الصواريخ إلى مخبأ، خشية استهداف الجيش الإسرائيلي للمخبأ السابق، أو كانت في طريقها إلى مواقع لإطلاق الصواريخ". [22]
ولدعم تصريحاته، أصدر الجيش الإسرائيلي تسجيل فيديو بالهجوم، وتم وضعه على الإنترنت، ويُرجح أن الطائرة الزنانة سجلته أثناء إطلاق الصاروخ. ويظهر فيه مجموعة قوامها نحو 12 رجلاً يُحملون أغراضاً معدنية أسطوانية على ظهر صندوق الشاحنة الخلفي المفتوح بالعرض، قبل إطلاق الصاروخ عليهم مباشرة. ويُشاهد في التسجيل أيضاً نحو خمسة رجال آخرين يقفون حول الشاحنة. [23]
ولا يظهر في تسجيل الجيش الإسرائيلي أية تفجيرات ثانوية تشير إلى وجود متفجرات غراد أو أية مواد متفجرة في موقع الهجوم. ولا يبدو نسق الدمار في الموقع متسقاً مع فكرة وجود صواريخ على الأرض تم استهدافها. ولو كانت الشاحنة تحمل صواريخ غراد برؤوس حربية، فإن الشاحنة والمباني المجاورة كانت لتتعرض لدمار تام. وحتى دون الرؤوس الحربية، فإن الوقود الخاص بالصواريخ وحده يكفي لتدمير الشاحنة.
وقد ظهرت الشكوك المدعومة بالأدلة بشأن الهجوم في 31 ديسمبر/كانون الأول، حين نشرت منظمة بتسيلم الحقوقية الإسرائيلية مقابلة لها مع مالك الشاحنة، وهو أحمد سمور، وقال إنه كان ينقل أسطوانات أوكسجين تُستخدم في أعمال اللحام، وليس صواريخ غراد. وطبقاً لسمور، فإن أسرته كانت تحاول نقل الأسطوانات من متجر الحدادة الذي يملكه لحمايتها من النهب. وأنكر أية صلة تربطه بحركة حماس أو أية جماعة مسلحة فلسطينية أخرى. ومات في الانفجار ثمانية مدنيين، حسب قول سمور، ومنهم ثلاثة أطفال وابن سمور، عماد، البالغ من العمر 32 عاماً. ولحقت الإصابات الجسيمة باثنين آخرين. [24]
وقد التقطت بتسيلم صوراً فوتوغرافية للموقع يظهر فيها أسطوانات أوكسجين محترقة على الأرض. وشوهد في الصور ايضاً ثقوب شظايا مكعبة في الشاحنة، يظهر منها أن الصاروخ المستخدم هو صاروخ سبايك محمول على متن طائرة زنانة. ولا يظهر في الصور أي أثر لصواريخ الغراد أو أية صواريخ أخرى في موقع الانفجار.
واستمر الجيش الإسرائيلي في الدفاع عن الهجوم، وقال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي، الكابتن إيلي إيزاكسون، لوسائل الإعلام: "نعرف بأنه كانت هناك صواريخ غراد يتم تحميلها على ظهر الشاحنة وقت الهجوم". [25]
وتدعم بحوث هيومن رايتس ووتش في غزة بعد القتال رواية أحمد سمور. وقال اثنان من عائلة سمور، تمت مقابلة كل منهما على انفراد، إنهما كانا في طريقهما إلى متجر حدادة العائلة حوالي الساعة 4 مساءً لتفحص المكان والمعدات بعد أن عرفا بأن الجيش الإسرائيلي ضرب مبنى مجاور، وهو منزل لأحد أعضاء حركة حماس. وقررا نقل أسطوانات الأوكسجين من المتجر، حسب قولهما، لأن الجدار الخلفي للمتجر قد انهار وكانا يخشيان السرقة.
وقال ابن أخت أحمد سمور، محمد سعدي غباين، 18 عاماً: "ذهبنا إلى هناك لإنقاذ المعدات، لأننا كنا نخشى أن تُسرق". وقال محمد لـ هيومن رايتس ووتش إنه برفقة رجال آخرين شرعوا في تحميل أسطوانات الأوكسجين وماكينات الخراطة وغيرها من المعدات، من المتجر إلى الشاجنة. وحين عاد إلى المتجر لنقل أسطوانة أخرى وقع الانفجار. وقال: "رأيت مشاهد مروعة. ثلاثة أسطوانات كانت بالفعل على متن الشاحنة ومعها خمسة غالونات من البنزين. اشتعل الأوكسجين والبنزين كما اشتعلت أجساد الموتى". [26]
وقال باسل نبيل غباين، 18 عاماً، لـ هيومن رايتس ووتش إنه كان في المتجر يجلب معدات لتحميلها على الشاحنة حين سقط الصاروخ، وأضاف: "سمعت صوت الزنانة تحلق فوقنا لكن لم أعرها انتباهاً. ثم خرجت لرؤية ما حدث، فوجدت شقيقي وأربعة من أبناء خالي وأصدقائي يشتعلون في بركة من الدماء واللحم البشري". [27]
وأطلعت الأسرة هيومن رايتس ووتش على بعض أسطوانات الأوكسجين التي قالت إنها كانت تنقلها ذلك اليوم قبيل الهجوم الإسرائيلي. وكان قياس الأسطوانات 1.62 متراً في الطول، وهي أقصر من متوسط طول الإنسان – وعرضها 20 سم. وصواريخ الغراد طولها 2.87 متراً، أي ضعف هذا الطول تقريباً.
وتقع جباليا في شمال قطاع غزة، وتم منها شن الكثير من الهجمات الصاروخية الفلسطينية على إسرائيل. لكن مهماكانت الشكوك التي أثارها هذا، فإن معدات تصوير طائرات الزنانة قادرة على تمكين مُشغل الطائرة من تحديد طبيعة الأهداف التي يراقبها. وتسجيل الفيديو المعروض على الإنترنت من قبل الجيش الإسرائيلي يتضح منه صحة هذا الافتراض: إذ أن غرضين أسطوانيين ظهرا في التسجيل والرجال يحملانهما على ظهر الشاجنة، وكان من الواضح أنهما أقصر من صواريخ الغراد، التي يناهز طولها ثلاثة أمتار وتعد أطول كثيراً من قامة الرجل العادي وأطول من عرض الشاحنة مرسيدس بنز 410 التي كان يتم تحميل الأسطوانات عليها بعرض الشاحنة وليس طولياً. وصواريخ غراد روسية التصميم معروفة بأنها ضمن ترسانة أسلحة حركة حماس، ويعرفها الجيش الإسرائيلي جيداً ويمكن لعناصره التعرف عليها لدى رؤيتها. من ثم، ونظراً لوجود الدليل البصري، فإنه كان من الواجب على مشغل الطائرة الزنانة النظر في احتمال كون هذه الأسطوانات ليست صواريخ غراد. بالإضافة إلى أنه وطبقاً لتسجيل فيديو الجيش الإسرائيلي الخاص بالهجوم، فإن الشاحنة لم تكن تتحرك، من ثم فقد كان متاحاً لمُشغل الطائرة الوقت الكافي لمشاورة الضباط الأعلى رتبة فيما إذا كان يمكن اعتبار الشاحنة هدفاً عسكرياً مشروعاً.
القتلى في الهجوم هم: [28]
عماد أحمد محمد سمور، 32
أشرف سيد خميس الدباغ، 28
أحمد إبراهيم خلة، 18
محمد ماجد إبراهيم كعبر، 17
رامي سعدي ديب غباين، 23
بلال سهيل ديب غباين، 19 (مات فيما بعد متأثراً بجراحه)
محمود نبيل ديب غباين، 13
وسام أكرم ربيع عيد، 13
محمد باسل محمود ماضي، 17
وفي 22 أبريل/نيسان أعلن الجيش الإسرائيلي نتائج تحقيقه الداخلي في سلوك قواته أثناء القتال في غزة، وانتهى إلى أنه "طيلة القتال في غزة، عمل الجيش الإسرائيلي بما يتفق والقانون الدولي". [29] وقد نظر التقرير في عدة وقائع، منها هجمة طائرة الزنانة في 29 ديسمبر/كانون الأول 2008 على الشاحنة في جباليا. وأقر الجيش الإسرائيلي بأن قواته لم تطلق صاروخها على صواريخ غراد:
تم استهداف الشاحنة بعد أن تراكمت معلومات تشير بشكل مقنع إلى أنها كانت تحمل صواريخ بين منشآة معروفة لتصنيع الصواريخ تابعة لحماس إلى موقع لإطلاق الصواريخ. وتم تنفيذ الهجوم بالقرب من موقع تصنيع صواريخ حماس وهذا بعد إطلاق حماس لأحد صواريخها. واكتشفنا بعدها أن الشاحنة كانت تحمل أسطوانات أوكسجين (مماثلة في المظهر لصواريخ غراد) وليس صواريخ. وأسفر الهجوم عن مقتل أربعة من عناصر حماس وأربعة من المدنيين غير المتورطين في القتال. ومن الأهمية بمكان ملاحظة أن أسطوانات الأوكسجين المحمولة على متن الشاحنة كان من المرجح أن تستخدمها حماس في تصنيع الصواريخ. [30]
ولم يوضح الجيش الإسرائيلي أو يدعم مزاعمه كون الهجوم قتل أربعة من "عناصر" حماس، أو هو قدم أسماء هؤلاء الرجال. أحمد سمور، ومحمود سعدي غباين وباسل نبيل غباين، أنكروا جميعاً أن أيا من الضحايا في الهجوم كانوا أعضاء في حماس، أو مقاتلين. كما فحصت هيومن رايتس ووتش قائمة فيها 171 اسماً من أعضاء كتائب القسام قالت حماس إنهم قُتلوا في ديسمبر/كانون الأول 2008 ويناير/كانون الثاني 2009، ولم يتم العثور ضمن تلك القائمة على اسم أي من الضحايا، رغم احتمال أن تكون القائمة غير كاملة. [31]
والتأكيد على أن أسطوانات الأوكسجين تشكل هدفاً عسكرياً مشروعاً لأنها "يُرجح أن تُستخدم من قبل حماس في تصنيع الصواريخ" أمر مناقض لمطلب قوانين الحرب بألا يتم استهداف الشيء بالهجوم إلا إذا كان "يُسهم بشكل فعال في الأعمال العسكرية" وحين يكون تدميره "في السياق السائد وقت الهجوم" يقدم "ميزة عسكرية أكيدة". [32] أما الاستخدام العسكري المحتمل للغرض مزدوج الاستخدامات في المستقبل (فضلاً عن كونه استخدام ذُكر بعد دحض تبرير الهجوم الأولي)، فهو لا يفي بالمطلب القانوني واجب الاستيفاء ولا هو يبرر الهجوم، فمثل هذه الأغراض مزدوجة الاستخدام يُفترض كونها مدنية بموجب القانون. [33]
منزل عائلة مشهراوي
في 4 يناير/كانون الثاني 2009، اليوم الثاني من الهجوم البري الإسرائيلي، حوالي الساعة 10:30 صباحاً، أطلقت طائرة زنانة إسرائيلية صاروخاً على صبيين يلعبان على سطح منزل من طابقين في وسط مدينة غزة [إحداثيات: GPS 31.51243/034.45655 ]. وطبقاً للسكان، فإن الموقع على مسافة خمسة كيلومترات على الأقل من أي قتال بين الجيش الإسرائيلي والجماعات الفلسطينية المسلحة وقت الهجوم، ولم تدخل القوات الإسرائيلية مدينة غزة حتى وقت لاحق من الهجوم البري. ولأن المنزل محاط بمبان أعلى في وسط مدينةغزة، فمن غير المرجح على الإطلاق استخدامه كنطقة لإطلاق الصواريخ، وهو موقع سيئ للاستطلاع أو لاستكشاف مواقع المدفعية.
القتلى في الهجوم هما:
محمود خالد عليان المشهراوي، 12 عاماً
أحمد خضر دياب صبيح، 17 عاماً
وقال شقيق محمود، أشرف مشهراوي، 30 عاماً، المصور التلفزيوني الحر الذي يدير وكالة أنباء مستقلة: "الحي السكني الذي نقطن فيه كان هادئاً للغاية في ذلك الحين. وكانت الدبابات على مبعدة أكثر من خمسة كيلومترات إلى الشمال الشرقي". وطبقاً لمشهراوي، فإن الكثير من أعضاء عائلته التمسوا اللجوء في بيته لأنهم اعتقدوا أن المنطقة آمنة نسبياً. وقال إن الكثير من أفراد أسرته صعدوا إلى سطح المنزل ذلك الصباح للعب، لكن لم يكن على السطح وقت الهجوم سوى محمود وأحمد. [34]
وقال أشرف عيسوي لـ هيومن رايتس ووتش – وهو جار للعائلة وكان لدى مدخل بيته وقت ارتطام الصاروخ وكان أول من وصل إلى الضحايا على السطح: "سمعت طائرات زنانة ثم وقع انفجار وسمعت الصراخ. هرعت إلى السطح ووجدت جثماني الصبيين. كانت ساق أحمد إلى جوار محمود الذي كان ما زال حياً". [35]
وتفحص باحثو هيومن رايتس ووتش سطخ المبنى وعثروا على شظايا مكعبة صغيرة، وبقايا دوائر إلكترونية، وكان الانفجار على نسق يستقيم مع نسق انفجار صواريخ طائرات الزنانة. كما تفحصوا بقايا ملابس قالت الأسرة إن الصبيين كانا يرتدياها وقت الهجوم. وكانت الملابس مخترقة بعشرات الثقوب الصغيرة. ويظهر من صور وتسجيل فيديو للأطفال التقطها أشرف عيسوى وقت الهجوم أن الأجساد مخترقة بعشرات الجراح المربعة الصغيرة. [36] وقام المصور التابع لأشرف بتصوير الحادث، وفيما بعد تم استخدام التسجيل في فيلم تسجيلي من إنتاج شركة البث الإعلامي النرويجية. [37]
ولم تكشف هيومن رايتس ووتش عن أية أدلة على أن الصبيين على سطح المنزل كانا من المقاتلين أو أن ثمة صلات مباشرة تربطهما بالقتال الدائر. ونظراً للقدرات البصرية المتطورة للطائرات الزنانة، فإن حداثة سن الصبيين ظهرت بلا شك لعين مُشغل الطائرة. كما أن موقع السطح، وسط مدينة غزة، هو موقع سيئ للاشتباك أو لتحديد مواقع المدفعية. كما أن غياب قوات برية إسرائيلية حتى ذلك التاريخ – 4 يناير/كانون الثاني – في مدينة غزة يقوض أيضاً من أي تبرير عسكري مطروح للهجوم.
منزل عائلة الحبش، الشعف، مدينة غزة
في 4 يناير/كانون الثاني، حوالي الساعة 3 مساءً، أطلقت طائرة زنانة إسرائيلية صاروخاً على ستة أطفال يلعبون على سطح منزل عائلة الحبش في منطقة الشعف بمدينة غزة [إحداثيات: GPS 31.50928/034.47826 ]. وأسفر الصاروخ عن مقتل فتاتين في عمر 10 و12 عاماً، وإصابة ثلاثة أطفال آخرين، اثنان منهم فقدا سيقانهما.
القتلى هما:
شذى العبد محمد الحبش، 10
إسراء قصي محمد الحبش، 12
المصابون هم:
جميلة العبد الحبش، 14، تم بتر الساقين
محمود عمرو الحبش، 15، تم بتر الساقين
محمد عمرو الحبش، 16
وقابلت هيومن رايتس ووتش محمد الحبش، 16 عاماً، وهو أحد المصابين في الهجوم. وقال: "كنا نلعب كما اعتدنا اللعب كل يوم. وكانت طائرات الزنانة تحلق فوقنا. وقفنا بالقرب من سور السطح ننظر إلى الشارع... فطرت فجأة في الهواء ثم انطلقت أجري إلى السلم وسط الدخان". [38]
محمد الحبش، والد إحدى الفتاتين المتوفتين، شذى، ومُدرس العلوم في مدرسة للأونروا، كان في الطابق السفلي حين أصاب الصاروخ المنزل. وقال: "إننا نربي دجاج على السطح وكان الأطفال يطعمونه أثناء اللعب. سمعنا الزنانة فوقنا، لكنها كثيراً ما كانت تطير فوق المنزل هكذا". [39]
وتستقيم أنساق الانفجار على سطح المنزل واختراق الشظايا لملابس الضحايا والصور الخاصة بإصاباتهم، مع الشظايا المكعبة التي تنطلق من صاروخ طائرة استطلاع الزنانة..
وقال الأب والابنان المصابان، وتمت مقابلة كل منهم على انفراد، لـ هيومن رايتس ووتش، إنه لم يكن ثمة قتال في المنطقة وقت الهجوم، وأضاف محمد الحبش: "لم يكن هناك إسرائيليون في المنطقة، وكان اليوم الثاني للهجوم البري. وإذا كان هناك مقاتلين بالجوار كنا لنغادر. ولم يكن إلا يوم عمل عادي، ولو كان هناك قتال، ما كان الأطفال ليصعدوا للعب على السطح". وفحصت هيومن رايتس ووتش سطح منزل عائلة الحبش، ومن أعلاه يمكن رؤية الشوارع المحيطة، من ثم كان بإمكان العائلة أن تعرف إذا كان هناك مقاتلين فلسطينيين في الجوار. وحتى لو كان هناك مقاتلين فلسطينيين في المنطقة، فما زال من غير الواضح سبب استهداف الجيش الإسرائيلي لسطح عائلة الحبش، بينما معدات المراقبة بالفيديو في الطائرة الزنانة كان لها أن تُظهر بوضوح لمُشغل الطائرة وجود ستة أطفال يلعبون.
منزل عائلة علاو، الشعف، مدينة غزة
في 5 يناير/كانون الثاني، في فترة الظهيرة تقريباً، أطلقت طائرة استطلاع (الزنانة) إسرائيلية صاروخاً نحو أفراد من عائلة علاو كانوا على سطح منزلهم [إحداثيات: GPS 31.50828/034.47721 ] على مسافة ثلاثة بلوكات سكنية من منزل عائلة الحبش الذي سبق استهدافه. وأسفر الصاروخ عن مقتل صبي صغير وإصابة شقيقه وشقيقته.
القتيل في الحادث هو:
مؤمن محمود طلال علاو، 10 أعوام.
المصابان هما:
محمود علاو، 13 عاماً
إيمان علاو، 8 أعوام.
وقابلت هيومن رايتس ووتش على انفراد ثلاثة من أفراد الأسرة كانوا على السطح حين سقط الصاروخ. وقالت أم مؤمن، نهلة علاو، لـ هيومن رايتس ووتش:
كنا نجلس على السطح. وكان الجو بارداً والطقس جيد. وبعد خمس دقائق قلت لابني إنني سأنزل للجلوس في الشمس وذهبت إلى الطرف الآخر من السطح وجلست. وفجأة سمعت انفجاراً قوياً. وجدت السطح غارقاً في غبار أبيض ودخان. ورأيت مؤمن على دراجته. كانت ساقاه قد انسحقتا، وصدره فيه ثقوب صغيرة والدم يتدفق منها. حملته باكية وهرعت إلى السلم. كان يلفظ أنفاسه الأخيرة. حادثته قائلة: لا تخف يا صغيري. [40]
محمد علاو، الصبي الجريح، قال لـ هيومن رايتس ووتش: "راحت [الزنانة] تطن كالنحل حولي. ورأيت دخاناً كثيفاً. عرفت أن هناك طائرة زنانة فوقنا". [41]
وقال أفراد العائلة إنهم لم يعرفوا بوجود أي مقاتلين فلسطينيين في الجوار. وإذا كان هناك قتال في المنطقة، حسب ما قالوا، ما كانوا ليصعدوا للجلوس على السطح.
وحققت هيومن رايتس ووتش في موقع الهجوم وفحصت شظايا الصاروخ. وكان في الموقع نفس نسق الشظايا كما في المواقع الأخرى وتبين أن شظايا الصاروخ متسقة مع هجمات صواريخ السبايك الأخرى.
مدرسة أسماء الابتدائية االتابعة للأونروا، مدينة غزة
بعد ظهر يوم 5 يناير/كانون الثاني 2009، فرت عائلة سلطان من بيت لاهيا، ومعها نحو 400 شخصاً آخرين من ديارهم بسبب القتال الدائر في المنطقة وسعوا لالتماس الحماية في مدرسة أسماء "أ"الابتدائية التابعة للأونروا في وسط مدينة غزة، وكانت الأمم المتحدة قد فتحتها كمأوى في وقت سابق من اليوم نفسه. ولجأت الأسر المُشردة إلى قاعات الدرس واستخدمت دورتي مياه داخل المبنى الرئيسي للمدرسة. وسجل مسؤولو الأونروا 406 شخصاً في المدرسة. وطبقاً لأنظمة الأونروا، فإن كل شخص دخل المدرسة تم تفتيشه، خاصة بحثاً عن الأسلحة. [42]
وكانت على المدرسة لافتات يبين منها بوضوح أنها منشآة تابعة للأمم المتحدة. وتناقلت التقارير أن الجيش الإسرائيلي لم يكن يعرف باستخدامها كملجأ حتى 6 يناير/كانون الثاني، لكن المدنيين كانوا مصطفين أمام المدرسة وداخل مبناها ويمكن رؤيتهم بوضوح على حالهم هذا بمراقبتهم من الجو. [43] وطبقاً للأمم المتحدة، فقد أمدت الجيش الإسرائيلي بالإحداثيات الإلكترونية الدقيقة (جي بي إس) لجميع منشآتها في غزة قبل اندلاع أعمال القتال الموسعة. [44] وطبقاً للسكان المحليين ومسؤولين بالأمم المتحدة، فلم يقع قتال بري في المدرسة أو بالقرب منها وقت عملية الرصاص المصبوب، ولم يزعم الجيش الإسرائيلي أنه نشر قواته على الأرض هناك في أي وقت.
وبعد العشاء، حوالي الساعة 10 مساءً، أراد ثلاثة شباب من عائلة السلطان استخدام دورة المياه، لكن دورات المياه في مبنى المدرسة الرئيسي كانت مشغولة، فغادروا المبنى لاستخدام دورات المياه في الفناء. وفيما كانوا هناك، أصاب صاروخ إسرائيلي واحد دورة المياه ليقتل الثلاثة. والحفرة في جدار دورة المياه وما يحيط بها من علامات للشظايا، كما ظهرت على شاشات الـ سي إن إن وبي بي سي، تستقيم مع أثر صواريخ السبايك المُطلقة من طائرات الزنانة.
القتلى الثلاثة هم:
روحي جمال السلطان، 24 عاماً، عاطل عن العمل
حسين محمود السلطان، 23 عاماً، مزارع
عبيد سمير السلطان، 19 عاماً، طالب
وقابلت هيومن رايتس ووتش على انفراد اثنين من عائلة السلطان كانا في مدرسة أسماء وقت الهجوم. تمت مقابلة حمادة السلطان، وهو يبلغ من العمر 21 عاماً ولا يعمل، في خيمة في بيت لاهيا لأن بيته انهار، ووصف كيف مات شقيقه عبيد وابنا عمه:
حوالي الساعة 9:30 مساءً، كنا جلوس في قاعات الدرس بمدرسة أسماء دون أغطية أو حشايا لأنها كانت ليلتنا الأولى هناك. كان الجميع متيقظين لكن كنا جميعاً داخل المدرسة. لم يكن مسموحاً لنا [بأمر من أمن مدرسة الأمم المتحدة] بالخروج إلى الفناء أو دورات المياه إلا للحاجة القصوى.
كان أخي يجلس معنا في حجرتنا، برفقة أبناء العم. بعد أن تناولوا العشاء، خرجوا إلى الفناء للذهاب إلى دورات المياه لأن دورتي المياه في مبنى المدرسة كانتا مشغولتين طوال الوقت. لا أعرف إذا كانا قد ذهبا مباشرة إلى دورات المياه بالخارج أو أمضيا أولاً بعض الوقت مع جيراننا [وكانوا بدورهم في المدرسة].
حين أصبحت أنا وباقي عائلتي في قاعة الدرس، سمعنا فجأة صوت انفجار قوي وبدا لنا صوته قريباً. حسبنا أن الانفجار وقع خارج المدرسة، فخرجنا من قاعة الدرس لكننا كنا جميعاً محبوسين داخل المبنى. لم يسمح لنا الحراس بالخروج إلى الفناء. قال الحراس إنه غير مسموح لنا بالخروج وأصبحت الممرات ما بين الفصول مزدحمة للغاية لأن جميع العائلات خرجت من الفصول.
بعد حوالي سبع دقائق سمعنا صوت سيارات الإسعاف يتردد في المنطقة، لكن أحسسنا بالصدمة حين رأينا سيارات الإسعاف تدخل المدرسة. في تلك اللحظة عرفنا أن الرجال الثلاثة مفقودين. وفي البداية لم نتوقع أن يكونوا هم الهدف، لأنني كما قلت لك، حسبنا أنا الانفجار وقع بالخارج.
بحثنا عنهم [في الفصول] داخل المدرسة، لكن لم نعثر عليهم. حسبنا أنهم ربما نجحوا في إقناع الحراس بتركهم يخرجون من المبنى لمد يد المساعدة. حاولت الخروج لكن الحراس منعونا جميعاً. قالوا لنا إن ثلاثة أشخاص تضرروا من الهجوم وأنهم من بين من انتقلوا للإقامة في المدرسة.
بعد نقاش طويل مع الحراس، تركوني أخرج الساعة 10:45 مساءً، وأردت الذهاب إلى المستشفى. لم تكن هناك وسيلة للانتقال في ذلك التوقيت من ثم قمت بالسير إلى مستشفى الشفاء. وفي المستشفى قالوا لي إنهم ماتوا فذهبت إلى المشرحة. كان من الصعب علي التعرف عليهم هناك لأنهم كانوا محترقين ومصابين إصابات جسيمة. تعرفت عليهم من مزق من ملابسهم وأحدهم [حسين] كان أحمر الشعر، من ثم تمكنت من التعرف عليه. [45]
وقال حمادة السلطان وهو يتذكر لحظة الهجوم:
سمعنا صوت انفجار واحد. كانت طائرات زنانة، لأنها لو كانت أباتشي كانت لتسبب دمار أوسع مجالاً. هذا الصاروخ لا يصيب إلا البشر. وفي الصباح رأيت دمائهم وقطع صغيرة من اللحم البشري تلطخ جدران مدخل دورات المياه.
وقبل وقوع الهجوم، كانت الأمور جد هادئة في المنطقة لأن الهجوم البري كان بعيداً. كنا في وسط مدينة غزة، وحسبنا أن هذا هو أكثر الأماكن أمناً لنا.
وتمت مقابلة والد محمود السلطان، وهو حسين السلطان، يبلغ من العمر 48 عاماً ويعمل موظفاً في بلدية بيت لاهيا، وتمت المقابلة على انفراد، فعرض رواية مماثلة للمذكورة. وقال لـ هيومن رايتس ووتش تحديداً:
تناولنا العشاء مع حسين في التاسعة مساءً. وفي العاشرة تقريباً نزل السلم قائلاً إنه ذاهب إلى دورة المياه. حين كنا ما زلنا في الحجرة هزنا انفجار كبير. حسبنا أنه استهدف مسجد يقع على مسافة عشرات الأمتار من المدرسة. كانت الساعة 10:30 حين سمعنا الانفجار، ولم نحسب أن أبنائنا قد أصيبوا.
بعد عشر دقائق تقريباً، سمعنا دوي أبواق سيارات الإسعاف ورأيناها من النافذة تدخل المدرسة. أدركت أن الضربة وقعت داخل المدرسة، فاصطحبت جميع أطفالي إلى الممر الخارجي لحمايتهم في حالة وقوع صواريخ أخرى.
بحثت عن أبنائي. وجدت أشرف وأنيس معي، سألتهما: "أين شقيقكم حسين؟" قالوا ربما هو في طابق آخر. لم نتوقع تعرضهم للإصابة بالانفجار لأننا حسبناهم عادوا من دورة المياه قبل نصف ساعة.
طلبت منهما البحث عن حسين وأحسست باستياء شديد وقلق بالغ. وفي تلك الأثناء دخل بعض الرجال المسنين من عائلتي إلى الحجرة وحين رأيتهم أيقنت أن حسين لحق به الضرر. وبدلاً من أن يخففوا من مصابي، راحوا يبكون. ومن بينهم كان أبوي ابني عم حسين.
لم يُسمح لنا بالخروج. لكن في اليوم التالي، نحو الساعة الثامنة والنصف صباحاً، خرجنا إلى المستشفى ونقلناهم للدفن.
كان الوضع عادياً حين وقع الهجوم. في صمت الليل كنا نسمع أصوات إطلاق النار والقصف على بُعد.
رأيت دمائهم على الجدار الخارجي لدورات المياه. سقط الصاروخ على بوابة منطقة دورات المياه، وانتشرت منه الشظايا على الأرض والجدار، على هيئة ثقوب مستديرة صغيرة. [46]
وشاهدت هيومن رايتس ووتش تسجيلي فيديو لجدار دورة المياه الذي أصابه الصاروخ، وتم تسجيل اللقطات بعد الهجوم بقليل، وأحدها من السي إن إن والآخر من البي بي سي. [47] وظهر في تسجيلي الفيديو حفرة قطرها متر تقريباً وفي الجدران المحيطة بها ثقوب من شظايا تستقيم مع نمط ثقوب شظايا الصاروخ السبايك.
وشمل تسجيل فيديو البي بي سي مقابلة مع شاهد آخر، عُرّف باسم تامر، ويتفق تصريحه الموجز مع روايات حمادة ومحمود السلطان. وقال للصحفي: "كنا في الحجرة رقم ستة وأحسسنا بالدهشة من ذهاب أبناء عمي الثلاثة إلى دورة المياه ثم إصابتهم بالصاروخ، ظناً أنهم مقاتلون، وهم في واقع الأمر لم يكونوا كذلك. كما ترون، فإن الصاروخ سقط هنا وكان أحدهم هنا... ترى دمه هنا وحذائه". [48]
سرعان ما أدانت الأمم المتحدة الهجوم، وشددت على أن الجيش الإسرائيلي كان يعرف بموقع مدرسة أسماء. وقال ماكسويل غايلورد، مدير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلةك "قبل القتال الدائر بفترة طويلة، منحت الأمم المتحدة السلطات الإسرائيلية إحداثيات جميع منشآتها في غزة، ومنها مدرسة الأونروا التي تعرضت للهجوم". وأضاف: "يجب التحقيق في هذه الحوادث المأساوية، وإذا تبين خرق القانون الإنساني الدولي، فيجب تحميل من خرقه المسؤولية". [49]
وأبدى مدير الأونروا في قطاع غزة، جون غينغ، قلقه من أن "لا مكان آمن في غزة للأشخاص العاديين، وهم خائفون للغاية من حقيقة أنهم قد يكونوا الضحايا التالين"، في تصريح منه للـ بي بي سي، وأضاف أنه فضلاً عن منح الأمم المتحدة للجيش الإسرائيلي إحداثيات مواقع جميع منشآتها في القطاع، فإن مدرسة أسماء عليها لافتة تبين بوضوح أنها تابعة للأمم المتحدة، وعليها أعلام وأنوار مُسلطة على الأعلام في الليل. [50]
وفي فبراير/شباط 2009، قام الأمين العام للأمم المتحدة بتعيين هيئة للتقصي للبحث في الهجمات التي وقعت أثناء عملية الرصاص المصبوب على منشآت الأمم المتحدة والعاملين فيها. وحققت الهيئة في تسع حوادث، منها هجوم 5 يناير/كانون الثاني على مدرسة أسماء. وطبقاً لملخص تقرير الهيئة، الذي أعلنه الأمين العام في 4 مايو/أيار، فإن حارساً للأونرا في المدرسة ترك ثلاثة رجال يخرجون إلى دورات المياه قبيل الساعة 11 مساءً بقليل. وفي تمام الساعة 11:15 مساءً، أصاب الصاروخ المدرسة بالقرب من دورات المياه، ليسفر عن مقتل الرجال الثلاثة ويُلحق الأضرار المادية بمبنى المدرسة. وانتهت هيئة الأمم المتحدة في مسألة احتمال تورط الرجال القتلى في نشاط عسكري إلى أن "يُرجح أنهم خرجوا لاستخدام دورات المياه في المدرسة في سياق طبيعي، ولم يكونوا يحضرون لنشاط عسكري". وأشارت الهيئة إلى أنه لم يتم العثور على أسلحة أو ذخائر في المدرسة وأنه "من الصعوب قبول فكرة تهريب سلاح إلى داخل المدرسة قبيل الحادث ثم خارج المدرسة بعد وقوعه". [51]
ومن الممكن أنه قبل أو بعد استخدام دورة المياه، أن يكون الرجال قد تعرضوا للهجوم لأنهم انتهجوا سلوكاً أشار لمُشغل طائرة الزنانة أنهم يشاركون في القتال بشكل مباشر. ولم تكشف هيومن رايتس ووتش عن أية أدلة تدعم هذا الاستنتاج. ولم يتقدم الجيش الإسرائيلي بمثل هذا الزعم أو هو قدم دليلاً يعزز التفكير في هذا المسار