دعك من أبطال الفن والرياضة وأبطال السياسة أيضا المسلطة عليهم الأضواء دائما بالحق والباطل ، دعونا نكتشف أبطال الحياة ممن استطاعوا تجاوز ظروفهم الخاصة وحققوا إنجازات حقيقية ، البطولة الأولي لمن حقق هذا الإنجاز أما البطولة الثانية فهي لمن وقف خلفه وسانده .
هناك مثالا شهيرا وإن كان قديما قد لا يعرفه الجيل الجديد ( هيلين كيلر ) تلك الفتاة الأمريكية التي كانت عمياء صماء بكماء منذ طفولتها ، وهكذا حبست روحها داخل جسدها الصغير محرومة من التواصل مع البشر بأية طريقة ، فأصبحت عصبية عنيفة واحتار أهلها في كيفية مساعدتها ، حتي التقت بمعلمتها التي صاحبتها بعد ذلك لنصف قرن ( آن سوليفان ) كانت المعلمة في العشرين من عمرها ولكنها أخلصت في رغبتها في مساعدة الصغيرة (هيلين ) (سبع سنوات ) فكرت أنها ما زالت تملك إحدي حواسها ( اللمس ) فأخذت يدها ووضعتها تحت الماء الجاري ثم كتبت علي يدها بعد ذلك كلمة ( ماء ) كررت الأمر كثيرا ،حتي استجابت الطفلة يوما وعندما أرادت شرب الماء كتبت الكلمة علي يد معلمتها التي كانت فرحتها لا توصف وباللمس فقط استطاعت تعليم الفتاة تسعمائة كلمة في عام واحد .
فتح باب المعرفة أمام الفتاة الذكية حتي حققت معجزات إنسانية حقيقية توجتها بالحصول علي شهادة الدكتوراة ، وصارت أديبة وكاتبة ومحاضرة تبث الأمل في نفوس الناس حول العالم ، وذلك بعد أن تدربت علي إخراج الصوت بشكل مقارب للنطق الطبيعي ، رغم انبهاري بعبقرية (هيلين كيلر ) البطلة الأولي للقصة إلا أن تقديري وإعجابي وتأملي في حال معلمتها ( آن سوليفان ) لا ينقطع أبدا ، كيف تحملت ؟ كيف ابتكرت ؟ كيف ساعدت في تحرير روح من سجنها ؟ كيف أعطت من نفسها ؟ كيف جعلتها تنطق ؟ قد تكون البطلة الثانية لكنها الإنسانة الأولي في نظري .
هناك أيضا من الأمثلة الشهيرة ( جون ناش ) عالم الرياضيات العبقري والحاصل علي جائزة نوبل رغم إصابته بمرض ( الفصام العقلي ) وذلك بجهد ومساندة وتفاني زوجته ، ربما هي البطلة الثانية في قصته ( عقل جميل ) لكنها تبدو لي أيضا الأولي في الحب والتعاطف .
هناك أمثلة لا حصر لها في حياتنا اليومية ، الأم التي تفانت في رعاية ابن معاق جسديا أو عقليا حتي جعلته عضوا فاعلا وناجحا وربما أفضل من كثير غيره من الشباب الذي يتمتع بالصحة والعافية ولكنه يهدرها فشلا واستهتارا .
والابنة التي ترعي أمها المسنة رغم مسئولياتها هي عن زوج وأبناء ، والرجل الشهم النبيل الذي يفتح الله عليه ويوسع رزقه فيكفل أسرته ويساند كل من يحتاجه ويجعل من نفسه النبع الصافي الذي يقصده الجميع .
وراء كل بطل ناجح إنسان أكثر منه بطولة وإنسانية لأنه ارتضي أن يقبع في الظل ويمد يده لغيره لينتشله ويحييه قال تعالي ( ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ) بالطبع لن يحييها من الموت والعدم ولكن يجعلها نفسا حية فاعلة تفيد نفسها وغيرها ويساعدها علي ذلك .
المصريون / ايمان القدوسي