زواج القاصرات كارثة اجتماعية
جمال عبدالرحيم | 04-10-2010 23:40
مما لا شك فيه أن ظاهرة زواج القاصرات في مصر من أثرياء عرب تعد من الكوارث الاجتماعية والأخلاقية التي يمكن أن تدمر الأسرة المصرية.. ورغم انها ظاهرة قديمة وموروثة إلا أنها انتشرت في السنوات الأخيرة بصورة خطيرة ومرعبة.. ورغم تعديلات قانون الطفل التي منعت توثيق عقود الزواج قبل 18 سنة إلا أن الظاهرة مستمرة وتتزايد.. ورغم الأبحاث والدراسات التي أكدت أن مصر تتصدر قائمة الدول العربية التي ينتشر فيها ما يعرف بالزواج السياحي إلا أن حكومتنا تقف مكتوفة الأيدي أمام تلك المصيبة الخطيرة.. ورغم ان زواج القاصرات جعل من مصر محطة "ترانزيت" للأثرياء العرب والخليجيين إلا أن حكومتنا تتفرج!!.. وزواج القاصرات أو الزواج السياحي والصيفي كما يطلق عليه أسبابه كثيرة ومتعددة منها الفقر والظروف المعيشية الصعبة التي تدفع الآباء لترويج بناتهم القصر لأثرياء عرب مقابل مبالغ مالية علاوة علي جهل الأسرة بالآثار السلبية الناجمة عن زواج ابنتهم القاصر ناهيك عن الجهل والأمية وعدم الوعي والبطالة والهروب من التعليم وكثرة عدد الأبناء ورغبة الفتيات في مساعدة أسرهن اقتصاديا.
ويمكن القول ان زواج القاصرات المنتشر في العديد من قري ونجوع مصر له اثار سلبية كثيرة سواء علي المجتمع المصري بصفة عامة أو علي الأسرة بصفة خاصة.. فزواج القاصرات قد يعرضهن لخطر الاصابة بالعقم وتزايد فرصة تعرض أطفالهن حديثي الولادة للوفاة علاوة علي مخاطر صحية كتسمم الحمل وفقر الدم وصعوبة الولادة والاجهاض والانتهاك البدني للفتاة.. وأكدت دراسة حديثة ارتفاع نسبة الوفيات بين القاصرات نتيجة للحمل المبكر لعدم اكتمال الأجهزة التناسلية بالاضافة إلي تعثر الولادة وإنجاب أطفال غير مكتملي النمو.
الغريب ان حكومتنا الموقرة لا تشغلها هذه الظاهرة الخطيرة رغم انها قضية معروفة منذ زمن بعيد في العديد من المحافظات المصرية ورغم ان الدراسات المحلية والعالمية أكدت ان مصر تتصدر قائمة الدول العربية التي ينتشر فيها ما يعرف بالزواج السياحي.
تقارير ودراسات عديدة صدرت مؤخراً عن زواج القاصرات في مصر فهناك التقرير الأمريكي عن الاتجار في البشر الصادر عام 2009 أكد أن هناك رجالا خليجيين أثرياء يأتون لمصر للزواج من فتيات ممن هن دون سن ال 18 بما يعرف بظاهرة الزواج المؤقت ويتم عادة ترتيبه عن طريق سماسرة أو أهل الفتاة.. وذكر التقرير ان الحكومة المصرية لا تمتثل "حتي للحد الأدني من المعايير في سبيل القضاء علي الإتجار في البشر". انها لم تبد أي تقدم في تطبيق قانون مكافحة الإتجار بالبشر علي مدار السنوات الماضية.. وهناك دراسة فرنسية صادرة من جامعة السربون أكدت ان مصر تتصدر قائمة الدول العربية التي ينتشر فيها زواج القاصرات. وهناك دراسة مهمة اشتركت فيها وزارة الدولة للأسرة والسكان والمجلس القومي للطفولة والأمومة وصندوق الأمم المتحدة للسكان أجريت علي عينة من 2000 أسرة ببعض مراكز وقري محافظة 6 أكتوبر أكدت ان السبب في انتشار الظاهرة هو فقر الأسرة وانخفاض دخلها وذلك لزيادة المهور التي يدفعها الأزواج غير المصريين علاوة علي أن تلك المناطق تتميز بالفقر والبطالة والهروب من التعليم وقلة المرافق والخدمات وذكرت الدراسة ان السمسار له الدور الأكبر في إتمام الزواج وان زواج الفتاة القاصر يساهم مع الأسرة في رعاية باقي اخوات البنت ومساعدة الأسرة اقتصاديا.. وأشارت الدراسة إلي وجود أضرار بالغة بسبب هذا الزواج منها ضياع حقوق الفتاة وسوء معاملتها علاوة علي أن هناك بعض الأزواج يهربون أحيانا عندما تكون الفتاة حاملاً مما يترتب عليه وجود مولود مجهول النسب وهناك البعض يمنع الفتاة من الإنجاب وآخرون يجبرونها علي بعض الممارسات غاير الأخلاقية ناهيك عن أخذهن إلي بلادهم ليعملن خادمات لزوجاتهم.. وانتهت الدراسة إلي أن نسبة زواج القاصرات بالمناطق التي أجريت عليها بلغت 74% بينما بلغت نسبة الزواج العرفي 29%.
وهناك دراسة مصرية أجريت بالتعاون بين وزارة التضامن الاجتماعي مع منظمة "اليونيسيف" كشفت عن خطورة الزيجات التي تحدث بين الفتيات المصريات من العرب حيث وصلت حالات الزواج من العرب إلي ما يزيد عن أربعين ألف سيدة مصرية تواجهن مشاكل يومية بالاضافة إلي أبنائهن البالغ عددهم 150 ألف ولد وبنت. وأكدت الدراسة ان محافظات الدقهلية والشرقية والجيزة من أشهر المحافظات التي ينتشر فيها هذا النوع من الزواج وان مدينة الحوامدية تعد من أشهر المدن المصرية التي ينتشر فيها الزواج السياحي.. ويمكن القول إن هذا النوع من الزواج لا يعد زواجا صحيحا وذلك لافتقاده شرط التكافؤ بين الزوجين لأنه يجب ضمان احترام الفتاة والحفاظ علي كرامتها عند الزواج.. وأقل وصف يمكن أن يطلق علي هذا النوع من الزواج هو.. دعارة مقننة.. وان الأب الذي يقدم بتزويج ابنته بتلك الطريقة لا يصلح أن يكون ولياً لها.
ويمكن القول كذلك ان ما يحدث ليس زواجاً بالمعني المعروف بل صفقة يتم الاتفاق عليها.. فأهل الفتاة تخلوا عن تقاليدهم المصرية المعروفة كما انهم تخلوا عن أبسط حقوقها في معرفة هوية الشخص الذي يتزوجها وهذا الزواج يعد "عبودية" للفتاة ويحرمها من عدة أمور مهمة في حياتها مثل التعليم علاوة علي انه يضر بصحتها خاصة انها ماتزال صغيرة في السن ولم يكتمل نموها بعد.. لقد اطلعت علي نص فتوي الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية التي كان قد بعث بها إلي نيابة الجيزة أثناء نظر قضية "زواج القاصرات" التي أصدرت فيها محكمة الجنايات حكما بمعاقبة ثري عربي سمسار بالسجن 10 سنوات وغرامة 100 ألف جنيه لكل منهما ومحام بالسجن عامين وغرامة 50 ألف جنيه وحبس أب وأم الفتاة القاصر سنة مع إيقاف التنفيذ بعد إدانتهما بتزويج ابنتهما القاصر لثري سعودي قبل بلوغها السن القانونية مقابل 14 ألف جنيه.. أكد فضيلة المفتي ان زواج القاصرات يعتبر استغلالا جنسيا للأطفال يجب معاقبة من يفعله أو يقوم به سواء الأبوين أو المحامين أو الوسطاء "السماسرة".. وان الأب الذي يزوج ابنته القاصر لرجل في عمر جدها يعتبر فاسقا وتسقط ولايته علي أبنائه.. وذكر الدكتور علي جمعة اننا أمام مشكلة اجتماعية خطيرة لان مثل هذه الحالات من الزواج تفتقد في مظاهرها المعني السوي للزواج ومقومات استمراره حيث يلغي زواج القاصرات آدمية الفتاة ويترتب عليه مشاكل كثيرة أهمها انه زواج غير قانوني وانه زواج للامتاع فقط وكأن الفتاة أو الطفلة سلعة تباع وتشتري.. وأكد ان هذا النوع من الزواج باطل شرعا وقانونا.
** يوسف الصديق