أحمد عضو نشيط
عدد المساهمات : 2407 السٌّمعَة : -667 تاريخ التسجيل : 08/01/2010 العمر : 46
| موضوع: الجدة والمفتاح - قصة مؤثرة ،،، السبت يونيو 04, 2011 5:50 am | |
| الجدة والمفتاح - قصة وتصميم03/06/2011 كانت تُصارع سكرات الموت وهي تمد يدها إليه ..
- إيش هاد يا ستي .. مفتاح!!
- نعم يا ستي هذا مفتاح دارنا الي في (الكُدِسْ) ..
- وإيش أعمل فيه أنا ؟! هذا متل ما بتحكو أكل عليه الدهر وشرب!!
نظرت إليه تحتويه بعينيها غاضبة من مَقُولته الأخيرة، ولكنها تحاملت على نفسها، فلم يعد في البيت غيره، بعد أن سافر أخوه لإكمال تعليمه الجامعي، ويجب عليها أن تنقل الأمانة، ولو أنها تعلم أن هناك رجالاً غيره حاضرين ما ائتمنته عليه ..
تُعالِج أنفاسَهَا وَتُغالب قَهرها في سَكَرَاتِ مَوتِها..
- نعم لقد شَرِبَ الدَّهرُ عَلَيهِ وَأكلَ مِن أجسَادِنا وَمِن صَبرنا وَانتظارنا ولكِنَّهُ سيبقى صامداً رغم كل شيء، فقد مات جَدُّك وَهُو يُوصِيني بِهِ، وَلم يَكُن أبُوكَ بأن يبقى بعد جَدِّك لأن روحه كانت متعلقة بالشهادة، وأظنه الآن ينتظرني مع جدك هناك، حيث لا مفاتيح ولا أبواب مغلقة، ولا حقد دفين..
بيتنا بالقدس يا جدة .. بجانب الحرم (الناحَة) الغربية، وساكنين فيه صهاينة يا ستي!! ..
- يا ستو هدا المفتاح ما بنفع، أكيد غيروه وصار على الريموت كنترول .. (يضحك) الناس بتتقدم يا ستي .. مش متلنا ماسكين مفاتيح من عهد جِدْ جِدو ..
بس بتعرفي يا ستي إنه ممكن نستفيد منه في المحلات الأثرية، بيشتروه عشان يعلقوه للسياح، شكله (نايس بيوتيفل هيستوري) .. واو ..
- ولك هو إنته ما في منك فايدة أبداً .. هات.. هات.. خليني أعطيه لأختك الصغيرة، بجوز عندها نخوة وشهامة أكثر منك .. هات، وتشده من بين يديه وهو يقول:
- خلص.. خلص (ستو) خليكي ريلاكس) .. خلص ما يهمك أنا راح أضبه عندي في (الكَّفَر)، ولما يعطونا البيت بنروح وبنشوف إذا عجبنا ممكن نَاخده ..
- ولك يا ستي إنته بدك تِجلطني قبل ما أموت .. ما في فايدة الله يسامحه أبوك دلَّعَك كتير ..
- أوه ستيييي داد أُولْ رِيدي مَات من وأنا بيبي .. الي ربتني المام ...
- أهه.. والله نسيت ما إنته ترباية مرة .. آه آه آه آه آه ..
- أوه سِتُو مَالِك يَا رَبِّي ... مَامْ مَامْ تَعِي شُوفي سِتو ما بعرف إيش مالها ..
تاتي أمه مهرولة وهي تقول: أكيد زعلتا ما إنت دايماً هيك، ما بتأعد معها إلا بتزعلها ..
- أوه مام آي دُنت نُوو وَت هَبِنْد ..
تُسند ظهر الجدة وَتُعطيها البَخَّاخ .. تَسترجع أنفاسها شيئاً فشيئاً..
- إنتِ ما راح تِخْلَصي من (إصِّة) هالمفتاح .. كل يوم بتعملي نفس الحكاية مع هالولد .. خليه بحاله هالمسكين دراسة، وهم، وكمان بدك تخليه يهتم في الأضِيِّة، وهُمِّه شَنَبات مِشْ آدرين يعملوا إشي، روح روح مام كمل لعبتك على البلي ستيشن ..
- أوه مام أي بلي ستيشن هادا؟!، أنا عَمْ بِعمُل تشات مع الجيرل فريند بتاعي.. أوووووووووووووه!! نسيت، هلأ بتكون تحكي مع تامر وأنا آعد هون مع مفتاح (مصَدِّي) ..
... - ديريلي هـ (التَّفَزْيُون) خليني أشوف شو في بهالدنيا يا فاطمة!
- ماشي ماما ولا يهمك، المهم لا تزعلي حالك..
- حطيلي على قناة (التشزيرة) يمّه..
- لا يا ماما!! هلأ بارتفع ضغطك وما بنقدر ننزله، بلاش الجزيرة يا ماما خليني أحط لك على مسلسل عربي ، والا شو رأيك أحط لك على مسلسل مدبلج (ضاحكة وغامزة بعينيها)
- ولك شو مدبلج الله يدبلج روسكو إنتو وهاي المسخرة الي طالعين لي فيها موضة على آخر هالعمر، والكو استحو على حالكو وعلى ولادكو ، يعني كيف الأولاد بدهم يعرفوا إنه إلهم أرض ضايعة اسمها فلسطين إذا شافوا هيك مناظر (أستغفر الله العظيم من كل ذنب كبير) ....!!!
- خلص خلص ماما ، والله عم بمزح معك ، يا ربي أنا الي جبته لحالي (هامسة) اليوم ما بنخلص عاد! وهاي قناة الجزيرة يا أحلى أم بالدنيا..
- أيوه ياختي (اظحتشي) علي بكلمتين وغيري الموضوع .. روحي روحي، خليني لحالي مش (طايكة) أشوف حدا بعد سمة هالبدن من (الكاروط) ابنك..
- يا ماما هدول بعدهم صغار وما بعرفوا شي في الحياة!
- صغار .. ولك شو صغار (كَبَرت أهلك) .. شوفي.. شوفي هاظ الي برمي الحجر على الصهيوني وبواجه بوجهه الدبابة والكلاشن ما هو من جيل ولاده لابنك (لو إنه متجوز) حافظ الله عليه هالنشمي!.. شوفي ما شا الله عليه كيف برفع إيده بوجه الياهودي.. (الله يسود هالوجه يا مْكَلْعَط)..
أيوه يمَّه .. عفيه عليك.. إرمي ..اضرب .. الله معك .. العين تحرسك .. ها والله هاي هي الرجال والا بلاش، مش مثل ابنك والصرمحة الي عايش فيها!..
..... هذا وقد صرح المسؤول عن موقع الإنتفاضة الفلسطينية الثالثة ومن على صفحات الفيس بوك أن هناك خطة لمسيرات مليونية من كافة الدول العربية باتجاه الحدود الفلسطينة إحياءاً لذكرى النكبة..
- هاه .. أيوه هيك.. من زمان.. (مع حركة مستمرة ومحاولة للنهوض) تشد على المفتاح بقوة وإسنادٍ.. ... .... ..............................
من مطبخها سمعت فاطمة صوت ارتطام فهرعت مسرعة إلى حجرة الجدة ووقفت على باب غرفتها فاغرة فاها ... ... كان المنظر لا يصدق، فقد كانت الجدة تحمل مفتاحها بيدها، وترفع به عالياً ، وهي تتكئ على جانب السرير في محاولة للنهوض من على الأرض وعيناها معلقتان على شاشة التلفاز مشدوهة، تتابع الخبر المعلن على الشاشة..
كان المذيع يعلن عن استشهاد أحد المتظاهرين في ذكرى النكبة أثناء محاولته تجاوز الأسلاك الشائكة،
إلى هنا كان الأمر طبيعياً لولا أن صاحب الصورة على التلفاز لم يكن كأي شخص كان بالنسبة للجدة؛
- ولك يا فاطمة تعالي تعالي شوفي، شوفي هالشوفه يا فاطمة ، مش هذا الي ع التفزيون ابنك؟!
تأتي فاطمة وهي تمسح يديها بفوطة وتنظر إلى الجدة وهي تقول أي تلفزيون، وأي ولد هادا يا ماما، تامر هيو في غرفته آعد على النت وما طلع من غرفته!!
- ولك شوفي.. شوفي.. اتركيني هسا وشوفي تامر.. شوفي...
تحاول رفع الجدة وهي تقول: - إنت شو الي أومك من ع التخت يا ماما؟!، أي هو أنا بأدر أشيلك هلأ؟!.. يا ربيييي...
- ولك شوفي هاظ مش تامر ابنك يا محروقة الحرسي؟!
تلتف فاطمة ناحية التلفاز وهي تقول:
- أي تامر؟ وأيي..ي..ي.. تاااااااااااااااااااامر إبنيييييي .. يا الله .. معقول!!..
كان المذيع يذكر اسم تامر مع صورة عدد من المشاركين في المسيرة يحملونه على أكتافهم، ويهتفون أن النصر لنا.. والقوة لنا.. ونحن لا بد سنعود .. لا إله إلا الله.. والشهيد حبيب الله...
تامرررررررررر...
(تركض ناحية غرفة تامر وتصل إلى موقع الكمبيوتر) لم يكن تامر يجلس هناك، بل كانت شاشة الكمبيوتر تشير إلى صفحة على الفيس بوك تحمل علامة النصر والقوة!
وتقدمت من الشاشة ودموعها تسبقها كانت هناك محادثة على شاشة الكمبيوتر بين تامر وأحد المنظمين للمسيرة..
جاء في نهايتها؛
ساعة الحسم قد بدأت...
.....
... أفاقت الأم من هول الصدمة على صوت الزغاريد تنطلق من الغرفة المجاورة ، فهرعت ودموعها تسبقها إلى الجدة،
كانت الجدة تقف فاتحة النافذة على مصراعيها واضعة يدها على فمها تطلق الزغرودة تلو الأخرى، وتتبعها مهلله:
لا إله إلا الله والشهيد حبيب الله لا إله إلا الله والشهيد حبيب الله ...
رفعت الجدة مفتاحها تنادي.. هيييه يا خية يا أم العبد؛
طلي يا خية من الشباك تا خبرك إنه تامر استشهد ما مات طلي علي من البلكون اليوم يا خية عرس المزيون
كانت أم تامر تتقدم باتجاه النافذة مسرعة في محاولة لتدارك الجدة التي كان جسدها يترنح ورجليها لا تحملانها على الوقوف،
أم العبد ، أم محمد ، أم الياس ، أم حسين...
تعالوا هنوني.. الليلة عرس الحبيب، وقولن لكل الحارة الفرح اليوم عند أم تامر..
تلقفتها أم تامر بين ذراعيها، قبل أن تسقط إلى الأرض، تقابلت العيون، كانت دموع الفرح تختلط مع دموع الحزن تعانق السماء كأجمل هدية لهذا اليوم ،
وكانت الجدة تمر أمام عينيها حركات تامر وهو يناكفها ويمازحها ويعاندها.. تذكرت آخر نقاشاته معها وكيف أغلظت عليه في الكلام..
ابتسمت، تختلط شفاهها بدموع حُبست منذ سنين وهي تقول:
- والله يا جدة كدرت تظحك علي .. هاظ باكي مخبي كل هالإشي جوات كلبك يا جده.. رفعت مفتاحها تقبله بشغف وهي تقول هاظ تامر يا مصطفى (الجد) هاظ الي رفع راسك وانت بكبرك يا ... - شوفي.. شوفي ما أحلاه ، شوفي ما أحلى بسمته ، كإنه نايم.. اسم الله عليه..
( كانت القناة تعرض صوراً للشهيد في تلك اللحظة وأحبابه يرفعونه على أكتافهم) كان العناق حاراً بين أم تامر والجدة وقد احتضنت جسد ابنتها تخفف عنها، وكانت الدموع تنهمر على الخدود تبرد القلوب وتنعشها، اشتدَّت الأيدي في عناق محموم، و نشيج يزداد حيناً ويتلاشى حينا آخر مع ذكريات الشهيد..
ابكي يمه ، ابكي كثير كمان ، بدي اياكي تخلصي كل الدموع قبل ما ييجوا الناس يهنوا، مش حلوه يشوفونا بنبكي واحنا بنوزع الحلو (يا حلو).. ضحكت الجدة وهي تداعب ابنتها وتقول لها يالله يمّه روحي.. روحي جهزي الصالون ورتبيه..
كانت كل نساء الحي تزغرد في أرجاء البيت، وكان المهنئون يتوافدون على البيت بالعشرات، بل بالمئات..
لم تنم أم تامر في هذه الليلة وهي تغالب دموعها بين حزن على فقد فلذة كبدها، وفرح بما أعدَّ الله له عنده.. استيقظت أم تامر (بعد غفوة وسكينة منَّ الله بها عليها) على صرخات الجدة، قامت على عجل تُلبي النداء، - تعالي شوفي مين إجانا اليوم.. تعالي يمَّه .. كربي .. كربي..
وقفت تغالب دموعها وتشد على الحائط تسند رجليها.. أسرع إليها سامر يُسندها ويقبل يديها ورجليها ودموعه تبلل وجنتيها، وهي تقبله وتحتضنه بقوة، وترجع تنظر إلى وجهه وهي تتلفظ باسمه، سامر.. - سامر يمّه.. يمّه يا حبيبي، وين أخوك تامر يا حبيب امك؟!!!..
كان سامر قد سمع الخبر وشاهده كما شاهدته الملايين في كافة أنحاء العالم، قطع دراسته وحجز على أول طيارة عائداً إلى أمه وجدته يغالبه الشوق والحنين وعبرات كان يحبسها طوال الطريق ليفرغها على صدر أمه!
- يا حبيب ماما إنت!، يا روحي .. يا قلبي إنت.. ترفع رأسه بين كفيها وتنظر إليه من خلال دموعها ثم تُعيده إلى حضنها وكأنها خائفة أن تفقده كما فقدت تامر... - تامر مات يمممممّمه! - ما مات يمّه! الشهيد ما بموت!، الشهيد عند ربه في أحسن مكان ، نياله يمّه ، نياله!
- أيوه هيك يا حبيبي يا سامر، الله يوفكك (كانت الجدة تحاول أن تتحرك باتجاهه ولكن رجليها لا تحملانها فزحفت تتقدم نحوهما)
ضمّهُما بين عَضُديه بقوة، فاختلطت دموعهم تغالب حنينا وشوقاً إليه!
- الله يرحمه يا ستي، الله يرحمه ويحسن إليه، نال ما تمنى!
نظرتا إليه في دهشة وقبل أن يسألاه قال: - نعم ، نعم .. كنت أعرف عنه كل شيء، وقد أوصاني أن أكتم عنكم في كل مرة كان يحادثني بها!
ضمَّته الجدة إليها وهي تقبله ذات اليمين والشمال وأمسكت وجهه بين راحتيها وقالت: - يا جدة إلي عندك طلب!
- انت تؤمري يا جدتي الحبيبة..
- ما يؤمر عليك ظالم يا عمري ، شوف يمّه؛ بكرة الي فهمته من الأخبار إنه في مسيرات مليونية يا جدة، مش هيك والا أنا غلطانه؟!
نظر إليها وإلى أمه!!!
- آه يمّه ، جدتك متابعة كل الأخبار ، على كل القنوات، الله وكيلك!
- يعني أكيد يا جدة إنت بتعرف إنه فيه هيك مسيرات؟! ها؟
- بعرف يا جدتي الحنونة.. ولكن؟! - ما في لكن.. ما لكن! أنا ما بعرف هاظ الحكي.. بدك بكرة توصلني مع هالناس على الحدود يا جدة؛ اشتقت لريحتها ولك يا بعد عمري إنِتْ اشتقت للبيارة ولكرم العنب والزيتون، اشتقت لريحة جدك وأبوك وأخوك كمان!..... ..... في صباح اليوم التالي كانت الجموع تتقدم نحو الحدود والأسلاك الشائكة وهي تهتف لفلسطين وكان في مقدمة الصفوف شاباً في ريعان الشباب يحمل بين يديه عجوزاً ترفع بيدها مفتاحاً وتشير إلى بعض الجنود في الإتجاه الآخر تصرخ وتقول:
راجعين راجعين بالملايين جايين يا فلسطين! جايين.
.... تمت بحمد الله
.... خليل webmaster@khaleelstyle.com (منقوووول - موقع الانتفاضة الفلسطينية الثالثة ) | |
|