الحرب يين الملكة موفيا أو مايا الأرثوذكسية وإمبرطور الشرق فالنس الأريوسى
كانت ماوية عربية مسيحية أصلا تابعة للمذهب الأرثوذكسى وكان زوجها ملكا على مجموعة قبائل ومدن من العرب لعلها كانت اتحاداً لخميّا - تنوخيا قويا, (على نحو ما كان عليه امرؤ القيس (ملك كل العرب) المتوفى سنة 328م) ولما توفي تولت ماوية زعامة هذا الاتحاد, ويبدو أن ماوية كانت (ملكة) في حياة زوجها, وإلا ما كانت لتحصل على هذا اللقب من الإمبراطور البيزنطي لأن المعاهدة المعقودة بين الملك (3) (المجهول) والإمبراطور كانت قد انفصمت عراها بوفاة الأول (4) . ولم تجدد المعاهدة بعد ذلك, إذ إن ماوية اغتنمت الفرصة وثارت على الإمبراطور فالنس, ومن ثم فقد اعتبرت عملها ثورة ضد ظلم ولم تكن عصيانا لمعاهد ضد الإمبراطور وهذا هو السبب في عدم إقدامها على تجديد المعاهدة.
كان أسقف العرب ثيوتميوس قد توفي في وقت قريب من - إن لم يكن متزامنا تماما مع - موت الملك المجهول (زوج ماوية). وكان فالنس قد أقصى عددا من أساقفة العرب الذين كانوا من أتباع الأرثوذكسية ونفاهم إلى فلسطين الأولى والولاية العربية ومصر, وعيّن مكانهم أساقفة أريوسيين من أتباعه.
واتخذت الثورة والحرب التي شنتها ماوية في الفترة الواقعة بين 375 و378م, شكلين مختلفين من القتال. كان الأول على ما يسميه العرب (غَزاةً) أي الهجوم السريع على بلدات أو مدن قد تكون حتى محصنة, ولعل القصد منها كان الكسب أو النهب. إلا أننا نرى من دراساتنا لمثل هذه العمليات بين أهل البادية والمدن, طيلة الفترة اليونانية والرومانية, أن القصد قد يكون إثارة الأماكن الهادئة لدعم الثورة. ونرى أن ماويَة كانت في هذه الهجمات تثير الأنظار إلى سبب هذه الهجمات وموقف الإمبراطور الأريوسي من المذهب الأرثوذكسي, ونحن واثقون من أن ماوية كانت تدخل في تكتيكها هذا النوع من لفت النظر, إذ إن الغزوات هذه لا يذكر المؤرخون أنها كانت تفيد ماوية كثيرا فيما يتعلق بالأسلاب.
وعلى كل فبعد هذه الغزوات التي لا نعرف مداها تماما انسحبت ماوية إلى ما وراء الحدود. ونحسب أن هذا كان للاستعداد للحملة الكبيرة التي شنتها ضد الرومان والتي انتصرت فيها.
وهذه الحملة أرّخ لها كثيرون من أهل القرنين الرابع والخامس الميلاديين (وفيما بعد). والطريف في الأمر هو أن المؤرخين الكنائسيين كانوا أكثر اهتماما بها من المؤرخين العاديين أو حتى العسكريين, وهذا فيه دلالة على أن القوم رأوا فيها صراعا بين فئتين من أتباع الكنيسة المسيحية, وأن ماويَة كانت تتزعّم الفريق الواحد وفالنس كان على رأس الفريق الآخر, ويجدر بنا أن نشير إلى أمر حري بالاهتمام. فإذا كان الأمر بلغ درجة الثورة والقتال, فمعنى ذلك أن الشرخ بين الفريقين كان قويا وعميقا.
لم يستطع دارسو الكتّاب المعاصرين للثورة ولا اللاحقين من التأكد من أمرين: الأول زمن وقوع الحرب - ثورة ومعركة رئيسية - على وجه الدقة. ومن هنا فإننا نؤكد, للتذكير, أن المعركة وقعت بين سنتي 375 و378. والأمر الآخر هو موقع المعركة الرئيسية تماما. لذلك يحتم علينا أن نفيد من النتائج التي توصل إليها الباحثون, فالآراء التي يمكن عرضها في هذه العجالة تدعونا إلى النظر في أمور عدة, يمكن إجمالها فيما يلي:
1- إن ماوية سلطت ضربتها ضد الجزء الأقل تحصينا في الشرق, وقد كان هذا يشمل فينيقيا اللبنانية وفلسطين الثالثة والطريق إلى مصر عبر السلّم العربي الواقع شرقي الدلتا والمرتبط بفلسطين الثالثة من جهة الغرب. فضلا عن ضعف التحصين والحماية في هذه المنطقة الواسعة, فإن جزأين منها كان فيهما عنصر عربي قوي: الأول فينيقيا اللبنانية, التي لجأ إليها عدد كبير من أهل تدمر بعد تدميرها على يد الإمبراطور الروماني أورليان سنة 273, والثاني في شرق الدلتا وسيناء والجزء المصاقب لهذه من فلسطين الثالثة. فضلا عن ذلك فإن المقاومة في هذه النقطة كانت ضعيفة.
2- اختراق الحدود للوصول إلى أرض المعركة بالذات: كانت ماوية وهي التي شاركت زوجها الحكم وتمرّست بشئون المنطقة, على نحو ما قامت به سابقتها في الثورة والقتال في القرن السابق زنوبيا, تعرف تماما الأماكن الصالحة لاختراق الحدود الرومانية (الليميس). وأدركت يومها أن نقطة اتصال فينيقيا اللبنانية بفلسطين الأولى قرب الجولان هي الأنسب للنفوذ.
3- ثمة شبه إجماع بين الذين درسوا, لا الذين تصفحوا, المظان الأصلية أن المعركة بالذات وقعت في فينيقيا اللبنانية على مقربة من المكان الذي تم الاختراق فيه (حول منابع الأردن).
حري بالذكر أن ماوية قاتلت جنود الإمبراطورية في معارك متعددة, وكان نجاحها فيها مما زاد في طموحها وأدى إلى تنظيم شئون الجيش البيزنطي استعدادا للمعركة الفاصلة. وهكذا جمع قائد العسكر في فينيقيا اللبنانية وفلسطين الأولى قواته واشتبك في معركة مع ماوية, ويبدو أنه هزم. ومن ثم رأى بأنه يستنجد بالقائد العام لقوات الشرق, يوليوس (الذي تولى هذا المنصب من 371 إلى 378).
واعتزم هذا على القيام بالقتال بمفرده, فأمر القائد المحلي, وهو تابع له, أن يتنحى جانبا, وحمل هو على جيش ماوية حملة عنيفة, لكنه فشل في حملته هذه, ولم ينقذه سوى الشخص الذي طلب منه التنحي, والذي سهل للقائد العام سبل التراجع, فيما دبر هو أمر التراجع, وأطلق على العدو الذي كان يحيط به سهامه. كان ثمة انهزام للجيش الإمبراطوري بلغ حد الكارثة.
طلب البيزنطيون الصلح, فكان لهم ذلك, على أن يُسام موسى, الناسك الأرثوذكسي أسقفا لشعب ماوية. وقد تم له ذلك على أيدي رجال الدين الأرثوذكس الذين كانوا منفيين في مصر. يقول سوزومن, الذي كتب عن المعركة بعد نحو سبعين سنة (إن هذه الحادثة لاتزال قائمة في ذكرى الناس ولايزال الشرقيون أي العرب يحيونها بالغناء).
ابنة ماويَة وفكتور
كان لماوية ابنة صبية تجيد الفروسية. وهي, بطبيعة الحال عربية (ولو أن الإشارة إليها أنها كانت سراسينية على ما درج عليه بعض المؤرخين يومها من خلط بين الكلمتين أو من رغبة في الحط من شأن العرب). وكانت ابنة ملكة معاهدة ولم تكن مواطنة رومانية.
وكان ثمة قائد الفرسان في الدولة البيزنطية رجل في الستين من عمره (لعله كان عازبا أو أرمل). هذا الرجل المواطن الروماني, والذي تولى واحدا من أرفع المناصب في الإمبراطورية قرابة عشرين عاما (363-382) والذي كان, مثل ماوية, مسيحيا أرثوذكسيا مؤمنا إيمانا قويا بالأمرين.
وقد تزوج قائد الفرسان في الشرق ابنة ماويَة. هل وراء هذا الزواج مصلحة لأحد الفريقين? إن كان ثمة مصلحة فهي لماوية. كان الرجل صاحب منصب كبير, وكان, على ما يبدو, أثره في شئون الدولة في أيام فالنس كبيرا أيضا. هل كانت له يد في إقناع فالنس في تجديد المعاهدة بعد انتصارات ماويَة في الهجوم العام وفي المعارك? يبدو أن الجواب إيجابي. هل كان يستطيع بنفوذه أن يوثق المعاهدة عمليا? الجواب أيضا إيجابي. والسبب أن الرجل كان محترما في البلاط البيزنطي إذ عمل مع أربعة أباطرة قبل فالنس. يضاف إلى ذلك أن الرجل الذي كان أرثوذكسيا وقد عمل مع إمبراطورين اريوسيين (فالنس وثيودوسيوس الأول) وقبلهما ومع إمبراطور مرتد إلى الوثنية (جوليان) وظل في وظيفته بسبب ما اكتسبه من خبرات في ميادين القتال والسياسة, وبسبب تمكنه من خدمة الدولة والكنيسة في وقت واحد - مثل هذا الرجل يمكن مصاهرته للاحتماء بقوته ونفوذه, خاصة أنه من المرجح أن فكتور هو الذي أقنع فالنس بعقد الصلح مع ماويَة على شروطها. على أن عرفان شهيد اكتشف في الزواج شعلة حب. وعلى ما كانت عليه العلاقات والمعاهدات العربية - البيزنطية من قوة أيام فكتور وعلى يده, إذ أضاف إلى المعرفة العميقة بالأمور والخبرة العملية في شئون الفريقين, الرغبة الصادقة في مصلحة الفريقين البيزنطيين والعرب من جهة واحدة, والكنيسة والدولة من جهة أخرى. كان فارسا خبيرا أمينا مجربا مخلصا. فإذا كان الزواج سياسيا من وجهة نظر ماويَة, فقد كان أيضا لمصلحة الجميع.
الثورة الثانية
خلف فالنس على العرش البيزنطي ثيودوسيوس الأول (379-395) الذي جاء من إسبانيا, والذي لم يكن يعرف أي شيء عن الشرق أو العرب. فلا هو سكن بينهم ولا قاتلهم. ولعل الأمر الذي كان قد نقل إليه بعد وليه الحكم هو أنهم كانوا أعداء للدولة, هذا مع العلم أن بعض أفراد فرقة الفرسان العربية التي أرسلت للدفاع عن القسطنطينية كانوا مازالوا يقيمون في العاصمة. ثم إن لابينوس الفيلسوف الوثني أثار قضية مقتل يوليان (363) واتهم العرب بذلك, وهذا جاء بعد تولي ثودوسيوس العرش بقليل. فضلا عن ذلك فلم يكن للعرب في البلاط الجديد ولا في إدارة الشرق أنصار. فقد طغى العنصر الجرماني على الوظائف الإدارية وحتى العسكرية, لا في البلاط وحده بل حتى في الولايات الشرقية. ونود نحن أن نضم آخر لعله كان من مخبآت الشعور النفسي وهو أن البيزنطيين الرسميين على الأقل كانوا يضمرون بعض الحقد والضغينة للعرب الذين استطاعوا أن يكسروا جيوش القسطنطينية.
لذلك لما جاء ثيودوسيوس لتجديد المعاهدة مع العرب, حسب النظام القائم يومها لم يكن منصفا في ذلك. ففيما منح القوط شروطا خاصة, فإنه لم يعط العرب مثلها. هذا مع أن العرب مسيحيون أرثوذكس ولم يكن القوط مثلهم إذ كانوا وثنيين. وفي سنة 381 عُقد المجمع المسكوني في القسطنطينية ولم يدع أي أسقف عربي إليه, مع أنه كاد أن يكون وقفا على الأساقفة الشرقيين. ولم ينل العرب أيّا من المناصب التي شحنها ثيودوسيوس بالقوط الجرمان, حتى ولا الصغير منها, هذا على أن العرب حاربوا إلى جانب الدولة ضد القوط سنة 378. كما أن العائدات المالية للعرب أنقصت. ومن ثم يمكن القول بأن الجو الإمبراطوري لم يكن مؤاتيا للعرب.
قام العرب بثورة ثانية ضد القسطنطينية. والمرجح أن يكون ذلك قد حدث سنة 383 (وقد تكون بوادر الثورة قد بدت طلائعها قبل ذلك). وهنا يجدر بنا أن نذكر أن العلاقات بين بيزنطة وفارس في هذه الفترة كانت سلمية (في زمن الثورة الأولى كانت الحرب شبه مستمرة), ولم يكن العرب الآخرون معنيين بالأمر. وأهم من ذلك كان الحد القوطي في تراقيا هادئا. فكان من المتيسر توجيه ضربة قاسية ضد العرب (التنوخيين - اللخميين) انتهت بانقصام ظهرهم.
كان فكتور قد انتهى عمله وغادر إنطاكية, عاصمة منصبه كقائد للفرسان. والذي تولى مكانه, والذي كان المشرف على حرب هؤلاء العرب هو ريشومر, وهو جرماني وثني, فلعله بذلك قاتل العرب من زاويتين القائد الجرماني للدولة البيزنطية والرجل الوثني الذي لم تكن المسيحية تعني له شيئا هنا (وهو لم تعن له شيئا في العاصمة أيضا). وحري بالذكر أن الثورة الثانية, التي كانت بقيادة ماويَة أيضا, كان مسرحها المنطقة نفسها التي كانت مسرح القتال الأول, ولعل الفرسان والقوات المقاتلة البيزنطية كانت قد عرفت أسلوب القتال المناسب لتلك المنطقة فاستعدت للأمر. ويبدو أن العرب كانوا أضعف أيام الثورة الثانية منهم أيام ثورتهم الأولى. واغتنم أولو الأمر في العاصمة المناسبة فأنزلوا العقاب بالمكسورين, بدلا من إعادة الأمور إلى نصابها, وكان في ذلك القضاء على هذا التحالف الكبير.
النهاية
إن التحالف الذي تزعمه الملك المجهول والملكة ماويَة بعده انحلت عراه بحكم الهزيمة التي أصابته (5) . ويبدو أن بعض الجماعات التنوخية, وهي القسم الأهم في التحالف, عادت إلى أراضي الدولة الفارسية التي كانت قد جاءت منها من قبل لخلاف مع الملك شابور الأول الفارسي (241-272).
أما اللخميون فيبدو أنهم دخلوا أيضا أراضي الإمبراطورية الفارسية وأصبحوا, فيما بعد, سادة الحيرة وعملاء فارس عليها.
والجماعة المعاهدة التي خلفت جماعة ماويَة كانت بني صالح, وهم الذين أصبحوا المعاهدين مع بيزنطة في القرن الرابع.
لكن يبدو أن بيزنطة تنبهت إلى ناحية مهمة جاءتها من انهزامها على أيدي شعب ماويَة, ذي الاتحاد اللخمي - التنوخي الكبير, فلم تسمح لبني صالح بأن تتسع رقعة نفوذهم, ومن ثم فلم يكونوا قوة مركزية كبيرة. بل ظلوا جماعة أصغر من التحالف التنوخي اللخمي كي يسهل التعامل معهم.
أما ماويَة فيبدو أنها اعتزلت الحياة العامة ولعلها انضمت إلى واحد من المؤسسات المسيحية فقضت حياة عبادة وخدمة للمجتمع.
وهناك نقش يوناني يعود إلى سنة 425 عثر عليه على مقربة من خُناصرة, في شمال سوريا, ورد فيه اسم ماويَة وعزي فيه إليها أنها عملت على بناء صرح القديس توما. وليس ما يمنع أن تكون ماويَة نفسها, الملكة, كانت قد عمرت بحيث كانت حية سنة 425م.
وأخيرا
يقول غلن بورسُك في الفصل الذي كتبه (وترجم) في (قديسات وملكات من المشرق السرياني وجزيرة العرب): (والأهم من كل ذلك هي ماويَة التي تشد كل اهتمامنا لأنها تستحق مكانة حرمتها بين النساء العظيمات في العصور القديمة. إذ تدل قوة شخصيتها وشجاعتها في الحروب أنها لا تقل أهمية أبدا عن زنوبيا. كذلك فإن قبول شعبها بقيادتها يدل على أن حكم النساء لم يكن مستغربا عن العرب قبل الإسلام... قد يدفعنا الضوء الذي سلطناه على ماوية إلى الاعتقاد بأن بطلات صحراويات أخريات قد يظهرن إذا ما نشرنا مخطوطات أخرى ونصوصا عربية تاريخية وجغرافية).
المصدر / مجلة العربي.
***************************************
المــــــــــــــــــــــــــــــراجع
(1) كتاب حقبة مضيئة فى تاريخ مصــر - بمناسبة مرور 16 قرناً على نياحته - القديس أثناسيوس الرسولى البابا العشرون 296 - 273 م سيرته , دفاعه عن الإيمان عند الأريوسيين , لاهوته - العلامة الروحانى الأب متى المسكين - عدد صفحاته 824 صفحة - الطبعة الثانية 2002 م ص 315
(2) الكنيسة القبطية الأرثوذكسية - كنيسة علم ولاهوت - طبعة تحضيرية 1986 م - القمص تادرس يعقوب ملطى
(3) القبائل العربية التي كان يشملها جميعا من قبل تعبير (السراسين), أصبحت في القرن الرابع يشار إليها بأسمائها, ولو أن ذلك لم يشمل جميع القبائل.
الصفويون الذين كانوا يجوبون المنطقة الممتدة من جنوب شرق دمشق إلى تدمر والفرات أي البادية السورية. ولكن تركزهم كان في منحدرات جبل العرب إلى الشرق.
وهناك اللخميون الذين استقروا في المنطقة وكان من ملوكهم امرؤ القيس الذي نقش على قبره (نقش النمارة). والنمارة تقع إلى الجنوب الشرقي من دمشق. هذا النقش يشير إلى (امرؤ القيس ملك كل العرب). ومن الطبيعي ألا ننتظر أنه كان في الواقع ملك كل العرب المقيمين في المنطقة والظاعنين في أرجائها, بل أنه يشير إلى عدد من القبائل التي كان يحكم كلا منها واحد من أبنائه. والنقش مؤرخ سنة 328م, وهي سنة وفاته, ويشير النقش إلى حروبه وتوسعاته بين حوران والفرات.
إلى هذا الملك وبعض المعروفين بالاسم هناك ملك ثالث لا نعرف اسمه, هو زوج الملكة ماوية التي خلفته على العرش عند وفاته حول سنة 375م, والذي يمكن أن يكون قد حكم نحو عشرين سنة. وكان مرتبطا بالقرابة إلى اللخميين أو النوخيين الذين حكمهم.
وقد يكون ثمة (ملوك عرب) آخرون لم يكشف عنهم بعد. على أن (الملوك) كانوا أصحاب سلطة على جماعات وقبائل قوية, لكن القبائل الأصغر كان صاحب الأمر فيها يسمى شيخا (Pholyarch).
(4) الملوك العرب وشيوخ العشائر الصغيرة كانوا جميعهم معاهدين للإمبراطور البيزنطي. أي أنهم ارتبطوا معه بمعاهدة, للقيام بواجبات معينة لقاء بدل مالي ولم يكونوا يتلقون جراية, على نحو ما كان عليه الأمر أيام الإمبراطوريةالرومانية, إذ كانت الجراية, أي المكافأة العينية تغلب على العلاقات بين الإمبراطور وزعماء القبائل الذين كانوا يسمون الأعوان.
والواجبات والفروض بين المعاهدين, والملوك خاصة, والدولة البيزنطية إذ إن فيها فائدة لتوضيح دور (ماوية) الكبير في علاقتها مع الدولة البيزنطية.
1- تظل المعاهدة سارية المفعول مادام المتعاقدان الأصليان على قيد الحياة. فإذا توفي أحدهما انتهى العمل بالمعاهدة, واقتضى تجديدها.
2- لأن المعاهدين من الملوك كانوا متعددين, ولم تكن هناك سلطة واحدة للعرب أجمعين, فقد تنوعت المعاهدات واختلفت بنودها لكن ليس ثمة تفاصيل توضح ذلك.
3- لم يكن المعاهدون رعايا الدولة البيزنطية, ولو أنهم قد يقيمون داخل حدود الدولة (مثل امرئ القيس صاحب نقش النمارة) وجماعة الملكة ماويَة.
كان المتوجب على المعاهدين أن يقاتلوا إلى جانب الإمبراطور ضد الدولة الساسانية وأن يقوموا بحراسة الحدود وحماية النظام القائم ضد جيوب البدو المتنقلين والمقيمين من العرب, وبذلك كانوا يعتبرون جزءا من جيش (الشرق). وكانوا يتلقون بدلا نقديا لقاء هذه الخدمات.
(5) إن المنطقة التي تهمنا بالنسبة إلى (ماوية) هي تلك الممتدة من فينيقيا اللبنانية (الجبلية) عبر الولاية العربية وفلسطين الثالثة إلى سيناء. وهذه المنطقة تخترقها, من البحر الأحمر إلى الفرات, الحدود الرومانية التي أقامها ديوقلتيان (284-305م) من البحر الأحمر إلى الفرات عبر المنطقة التي هي الآن موضع اهتمامنا. ونود أن نؤكد أن (الحد الروماني) هذا كانت فيه أبراج وحصون وقلاع, فضلا عن طريق يجاري ذلك كله, وذلك لدفع أذى أبناء الصحراء عن الإمبراطورية.