فاطمة علاقات عامه
عدد المساهمات : 895 السٌّمعَة : -153 تاريخ التسجيل : 01/05/2009 العمر : 49
| | ( الفلوجة ) ملحمة عراقية / نصر وتاريخ ! | |
سأنقل للمنتدى بمشيئة الله تعالى قصصا وحكايات حقيقية عن الفلوجة , عن ملحمة الفلوجه وكفاحها وتصديها لأقوى قوة معاصرة وكيف هو ثبات الرجال حين يتقوون بالعقيدة والشورى ووحدة الهدف , معركة الفلوجة تم عن قصد أغفالها من الأعلام , ولكنها كانت تحت نظر الله تعالى ورعايته وملائكته وكل الأحرار فأنتصرت أنتصارا معنويا أذهل العالم وقد تسربت الأخبار اليه عبر تقارير جنود الغزاة وقد ذاقو الأمرين في مواجهة رجال كان همهم الأكبر الشهادة أو النصر , فكان لهم ما أرادوا , أندحرت كتائب الغزاة وبقيت الفلوجة على قيد الحياة تتنفس الحرية والبطولة والعزة والفداء !
الفلوجـة ملحمة نصرٍ وتاريخ, صنعها الجميع - دروس وعبر رائعة
2009-04-14 :: الشيخ: ناصر الفهداوي ::
الرابطة العراقية
أعطت المعركة الأولى في الفلوجة دروساً عبر نصرها الذي تحقق, والذي أذهل العالم!, كيف أن مدينة صغيرة كسرت هيبة جيوش الاحتلال وفي مقدّمتهم الجيش الأمريكي, الذي سوّق الإعلام له بأنه الجيش الذي لا تقف بوجهه جيوش العالم كلها, وسخر الاحتلال جميع أدواته في ماكنته الإعلامية لصناعة هالة من التضخيم الإعلامي للقدرات العسكرية الخيالية, التي تجعل أي جيش لا يمكن أن يتجرأ ولو على التفكير بمواجهة بسيطة أو التعرض له, لأنه سيحترق بنار الطائرات الخفية التي تملأ السماء ولا ترى, ولا تستمكنها أجهزة الرصد الحديثة, والقدرات الالكترونية للجيش الأمريكي, التي تجعل كل سلاح يقف بوجهها لا تأثير له, لأن أسـلحته تحيط نفسـها بدرع من حزمة القذف الأيوني الذي يجعل كل سلاح يوجه ضدها سينحرف عن اتجاهه, ولا يمكن أن يصل إلى الهدف..
وهذا التضخيم سبق الجيش الأمريكي قبل أن يتجهز لحملته لاحتلال أفغانستان والعراق وجميع الدول التي تمثل محور الشر التي توهمها الطغيان الأمريكي عبر كبريائه وغطرسته, لكن حسابات المجاهدين في الفلوجة, هي إعداد العدة لمواجهة كافر محتل جاء يستهدف الإسلام في الفلوجة ويصادر هوية أهلها, وينتهك أعراض المسلمين ويستهدف وجودهم وحاضرهم ومستقبلهم, ويسلب من مدينتهم كل عمقها التاريخي وموقفها وثباتها في قتال المحتلين وتوجيه الضربات لآلياته وأفراده, فلم يكن أمامهم إزاء هذا الإرهاب الأمريكي إلاّ أن يقدّموا أرواحهم رخيصة من أجل رفعة الدين وعزّة العقيدة, وتم استحضار كل معاني الإيمان وثبات المسلمين على دينهم, وتهيئة كل ما يمكن توفيره من السلاح واستعداد الرجال لبذل الروح رخيصة من أجل دين الله تعالى..
لأن الحياة لا قيمة لها إذا سيطر الكفار على المدينة, وجميع النتائج متوقعة في ظل احتلال يجثم عليها, فما قيمة الحياة والأعراض ستنتهك؟!, وما قيمتها إذا وطيء الكافر بجزمته رأس المسلم الذي لا يتشرف إلاّ بالانحناء لخالقه, وداس رأسه من لا أصل له ولا يَعْرف أباه؟!, وسيتمنى كل غيورٍ أنه لو مات قبل أن يرى جند الصليب وهم يفترشون أرض المساجد بقذارتهم وقذارة أحذيتهم أفرشتها الطاهرة, وكم سيتمنى الموت وهو يرى الخنازير في المساجد وهم يقتلون كل طفل وكل ذي شيبة يحتمي فيها, وعندها سيموت ألف مرّة في كل لحظة, وهو يرى ديمقراطية رعاة البقر والخنازير وهم يعجنون لحوم عفيفات الفلوجة الطاهرات اللائي أنجبن أسود المواجهة والوغى بتراب شوارعها وهم يسحقون أجسادهن بجنازير آلياتهم ومصفحاتهم..
وسيبحث عن موت يباع فيشتريه بكل ما يملك فما هو ببالغه, عندما يرى الإصلاحات الديمقراطية والحرية الأمريكية وهي تُهدى لأطفال الفلوجة من تحت ركام بيوتهم الآمنة, وهي تقتل طفولتهم وتفتك ببراءتهم وتمزق أجسادهم بقنابلها الذكية وأسلحتها الفسفورية, ومع استحضار المشهد الإرهابي الدموي الذي يرافق الاحتلال الأمريكي حيثما حل, كان لابد من رهن النتائج مع بذل الروح والذود عن حمى الدين ورفعة راية الإسلام في المدينة... وأمّا سائر النتائج فالله كفيل بها, لأن جميع الحسابات المادية لا تعين على نصر, ولن تقدم خيراً قط لمن يراهن عليها.
وجميع المعارك مع الاحتلال إذا لم يتم ربط مقدماتها ونتائجها مع استحضار معية الله تعالى فيها, والاستعانة به, وأن يبرأ كل فصيل مقاومٍ فيها من حوله وقوته إلى حول الله وقوته, ومدده ونصره, فإنه يقيناً سينكفيء خاسراً مذموماً مدحوراً, إذا ظن أنه ينتصر بعدده وعدته, حتى وإن حقق نصراً معيّناً في لحظة من اللحظات. وعندما وضعت الفلوجة كل ذلك في حساباتها صارت عبر مواقفها البطولية في مقاتلة أعداء الله تعالى..
قلعةً عصية على جيوش الاحتلال, فتجهز الاحتلال لحملة أراد منها قتل الروح الجهادية في أهلها, وسلب الإرادة التي صنعت جيل المحنة الذي يُقْدِمُ في لحظة اللقاء والمواجهة إقدام الأسد الهصور, فلا يخشى في الله لومة لائم وهو لا يأبه بالموت, وهو يزأر بالكافرين بالنداء الرباني الذي ترتعد له فرائص أعداء الله تعالى بقولة( الله أكبر ) التي تجعلهم لا يسيطرون على شيء من قواهم, وتجعلهم لوحدها بحالة هستيرية عجيبة, مما يجعلهم بحالة هوس وجنون تؤدي بهم إلى الخروج عن أطوارهم البشرية ويتصرفون كالبهائم, وهـذا معروف ومشـاهد عـند الجميع, ومما يذكر أن جيوش الاحتلال في معاركها تبث الموسيقى والأغاني الأجنبية الصاخبة, عندما تنطلق تكبيرات المسلمين من المآذن لحظة المعركة, للتغطية على صوت التكبير لأنه يفعل بهم الأفاعيل..
وهـذا من الـكرامات العظيمة لهذا الدين وأتباعه, وهو يعطي برهاناً بما لا يقبل الشك أنه منصور من الله وأن عوامل نصره قد جعلها الله فيه, حتى لا يظن مجاهد أنه بجهاده يتفضل على دين الله تعالى, وهذا من حقائق الدين اليقينية التي ينبغي أن يعرفها كل مجاهد في سبيل الله, والله تعالى يقول: {مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[العنكبوت:5-6]..
حتى صار من ضمن بنود التفاوضات مع الوفد المفاوض في معركة الفلوجة الأولى, أن تكف المساجد عن إصدار هذا الصوت من مكبرات الصوت في المآذن, فمكر الله بالجيش الأمريكي حتى صار يجمع حشود جيشه حول مدينة الفلوجة التي لا يتجاوز قطرها أكثر من (5 كم)خمسة كيلومتر طولاً وعرضاً, وجمع عشرات الآلاف من مقاتليه وآلاف الآليات, وبدأ يهدد ويتوعد ويطالب الأهالي بإخراج المقاتلين من المدينة وتسليمهم للقوات الأمريكية وتسليم السلاح, وإلاّ سيقصف أوكار المقاتلين بطائراته وسيشن هجوماً عنيفاً على المدينة, وعليها أن تتحمل جميع التبعات إذا ما حدث.
لم يصدق العالم ما يسمع من الهستيرية الأمريكية التي وصل إليها الساسة الأمريكان وقادة وزارة الدفاع(البنتاغون), بأنهم سيجرؤون على قصف المدنيين في المدن, مرتكبين مخالفةً صارخة لأهم القوانين والأعراف الدولية, وقوانين الأمم المتحدة التي تقضي بمنع ضرب المدن خلال المعارك حتى وإن تترّس بها الجيش, لأن ذلك سيعرض المدنيين وأرواحهم وممتلكاتهم للخطر, وكانت أمريكا وسياستها في تلك اللحظة على المحك فهل ستوغل مرة أخرى في غطرستها ورعونتها وجبروتها, فتستهدف المدنيين الآمنين عبر أكاذيب صارت مفضوحة ومكشوفة للقاصي والداني..
وقد عرف العالم الذرائع الواهية والمختلقة التي تستهدف أمريكا بها الدول والمدن والمدنيين الرافضين لاحتلالاتها, وما كان العالم يظن حقاً أن أمريكا ستضحي بهيمنتها السياسية على العالم, وتجازف بمجازفة تسقطها أمام أنظار العالم, أن وصل بها الأمر إلى قصف المدنيين والأطفال في القرى والمدن, لكي تعيد لجيشها الهالة المصطنعة التي أسقطها عنه رجال العراق الغيارى حيث صار ألعوبة بأيدي شباب المقاومة ورجالها المجاهدين, على قلة العدد وبساطة العدة..
وكانت الفلوجة في مقدمة المدن العراقية التي فعلت الأفاعيل بترسانات السلاح التي كانت بحوزة جيوش الاحتلال وما فعلت بجنده المدربين أرقى التدريب وفق الأساليب الحديثة وفي أرقى مراكز التدريب وكليات الحرب والقيادة, حتى عرف العالم بأن أمريكا تريد أن تخرج من الحرج الكبير الذي وقعت به, وتخرج من المأزق الذي وصل إليه جيشها, حتى إن الإعلام ما كان له الحضور المطلوب, الذي كان ينبغي أن ينقل معاناة المدنيين ومآسيهم جراء ذلك الهجوم الذي ظن العالم بأن أمريكا ما كانت تحقق تهديدها فعلاً, وكانت هناك آلاف السبل لمفاوضة أهالي المدينة لتنفيذ الرغبات والمطالب الأمريكية منهم, وبقي العالم منذهلاً أمام الحرب الأمريكية التي يشنها جيشها على مدينة صغيرة..
ونقولها للعالم أجمع إن العالم والإعلام لم يعرف حقيقة الكارثة التي حلت على رؤوس أهـل الفلوجة والأسـلحة المسـتخدمة في تلك المعركة, وحقيقة المجازر التي ارتكـبها الأمريكان عبر قصفهم للمدينة, عندما عجزوا تماماً عن دخول المدينة ومحاولة إسقاطها عسكرياً, ولم يعرف العالم حقيقة صمود الفلوجيين الأسطوري حتى صارت مضرب الأمثال, ومدرسة بطولية لكل القوى الخيرة في العالم كله, ويعرف العالم مدى تقصير أجهزة الإعلام في تغطية أحداث معركة الفلوجة عن قصدِ, لأنه لم يبرهن في يوم من الأيام على استقلاليته, وعدم تبعيته ورضوخه للسياسات الأمريكية..
ويخرج عن ذلك ليعبر عن إرادة الشعوب ومعبّراً عن قضاياها وتطلعاتها, بدأت معركة الفلوجة بالقصف العنيف للمدينة وبشتى أنواع الأسلحة والصواريخ والقنابل الزلزالية والطّنّيّة التي تقذف من الطائرات, والقصف العنيف من المدافع والدروع المحيطة بالمدينة إحاطة السوار بالمعصم, حتى إن أهل المدينة قالواعندما كنا نسمع شدّة القصف في الليل, كان كل ظننا أننا سنصبح ولا نجد بيتاً عامراً في الفلوجة, ونظن أننا نهلك هذه الليلة كما هلك اليوم من القصف كل أهل الفلوجة, حتى إذا أصبحنا وجدنا أن ذلك القصف على الرغم من شدته, وكأنه لم يكن بالأمس..
ونوقن أن الله تعالى هو الذي حفظ المدينة وأهلها من نار مدافع الاحتلال وقاصفاته, وهكذا سائر أيام المعركة, مما اضطر أكثر أهالي المدينة من النساء والأطفال والعجزة لمغادرة بيوتهم وترك كل ما يملكون للنجاة بالنفس فقط), وبعد مرحلة القصف التي رسم الاحتلال وفق حساباته العسكرية أنه قد قضى على أغلب المقاتلين في المدينة وقتل كل من تبقى فيها, راح يحاول التعرض على حدود المدينة ومحاولة فتح ثغرة لدخول قواته, فإذا به يتفاجأ حد الذهول بالرجال الجبال الشم في المدينة, الذين خرجوا ببنادقهم وأسلحتهم البسيطة على حدود الفلوجة, وتلك الصواعق الرهيبات التي ترسلها أسلحتهم, وكيف أن أحدهم لا يتزعزع من مكانه شبراً واحداً راجعاً القهقرى, على الرغم من شدة فتك الأسلحة التي يستخدمها الجيش الأمريكي, فلا ترى أحداً يفر من ثغره أو يتزحزح من مكانه, كيـــف يفر؟!!
والمنادي يومها ينادي عبر المساجد أمام كل تعرض من الجيش الأمريكي لناحية ما؟ في الفلوجة أن الجنة الآن في المكان الفلاني, فمن أراد الجنة فعليه أن يتعرض لها في حد المدينة ناحية تعرض الجيش الأمريكي, حيث ذكر أحد أهالي الفلوجة قائلاسمعت المنادي في المساجد, ينادي وهو يقول: وا إسلاماه, إن الجنة الآن في حي نزّال, فمن أرادها فليخرج إليها, وكنت بحي مجاور لحي نزال, ويقطع بيننا وبينه شارعان عريضان, ولم يكن معي سلاح في تلك اللحظة, فخرجت بلا شعور حتى إن الدنيا تلاشت أمامي فلا أرى إلاّ الإسلام, وعباد الصليب يريدون استباحته على أرض الفلوجة..
وشعرت بأن روحي لا تساوي شيئاً أمام ديني, وأنا في وسط الطريق الفاصل بيننا وبين حي نزال, صرخ بي صارخ, أن يا فلان إلى أين أنت ذاهب؟ فقلت له مجيباً بكلمات المنادي(الجنة في حي نزال)قال, وهو يمسك بتلابيب ثوبي, نعم ولكن بأي شيء تنالها وأنت تحمل مسدساً, وأقسم قائلا: لم أشعر حينها بأن السلاح الذي أملكه هو فقط المسدس القديم الطراز, وأني قد حملته بلا شعور, حتى رجعنا وأعددنا عدة بسيطة لكنها, لاشك لم تكن المسدس القديم), وكذلك الحال في أحياء الجولان, والمعلمين الثانية, والجغيفي, والحي العسكري, وحي الشهداء, وجبيل.. وسائر أحياء الفلوجة الأخرى كالتأميم, والحي الصناعي, والنزيزة.. وكل حيٍّ من أحيائها له بطولات ومآثر وإقدام وتسابق على الموت, يقترب إلى حدٍّ كبير من إقدام الرعيل الأول من أجيالنا المسلمة..
وكان الناس يقاتلون وقد أسقطوا من قاموس حياتهم شيئاً اسمه الموت, وبدأت جنان الخلد تستقبل طالبيها, وظهرت كرامات جند الله الباهرات, وبدأ عبق المسك يفتتن به من يشمه من أجساد الشهداء, والابتسامات تشرق على وجوه من اختارهم الله لجناته, تـُرى مالذي أفرحه وروحه تفيض إلى بارئها !؟, وأي منظر أجمل من النكاية بأعداء الله تعالى قد رآه؟!, عندما تراه يفرح ذلك الفرح الذي يملأ محيا وجهه الباسم وهو يموت!, ترى أين ذهبت عنه سكرات الموت يوم تتشعب الروح بالجسد !؟, أم أنها كرامة الشهيد الذي لا يجد من ألم الموت, إلاّ كما يجد ألم القرصة البسيطة, ووالله إن صور الشهداء في الفلوجة وغيرها لتفتن من رآها فلا تغيب عن ناظريه ولو للحظة واحدة!! كيف لا.. وهو ما خرج إلاّ ابتغاء نصرة الدين ورجاء أجر الشهادة, وها هو ذا يفوز بها, و يعطاها, وكرامات الشهداء الذين لا يُقبضون إلاّ وعلامة التوحيد ترفعها أصابعهم..
ما يدل على الخاتمة الحسنة التي أكرمهم الله بها, وإرسال الله لتلك العناكب السامة الكبيرة المرعبة التي أفزعت الجيش الأمريكي وقَضّتْ مضاجعه فلا يكادون يذوقون طعم النوم, والجنود الأمريكان يذكرون ذلك بفزع كبير, ويذكرون الأيام السود الحالكات, وذلك الرعب الذي ملأ قلوبهم حتى رآهم العالم كيف ينتحرون على أسوار الفلوجة, وكان جيش الاحتلال يأسر أهالي المدينة ويطالبهم بتسليم المقاتلين الذين يرتدون الملابس البيضاء الذين يهجمون على الخيول, وأهل المدينة يتعجبون من ذلك الطلب, حيث لا يوجد أصلاً خيول في المدينة..
فيقول الأمريكان بفزع شديد, نعم لقد رأيناهم عندما هجموا علينا وقتلوا منا الكثير, ودخلوا في البستان وقصفنا البستان بالمدافع الفتاكة والطائرات وظننا بأننا قد قضينا عليهم جميعاً, فإذا بهم يهجمون علينا مرةً أخرى بعددهم وعدّتهم, والعجيب أن أسلحتنا جميعها لا تقتل ولا تجرح أحداً منهم..!, وهم لا يعرفون شيئاً عن جند الله تعالى, لكنهم يومها أيقنوا بجند السماء تقاتل مع المظلومين, وتلقوا دروساً لن تغيب عن ذاكرتهم.
ومع تكبيرات المساجد لحظة المعارك في الفلوجة كانت الأرواح تُهدى وتوهب لله العلي الكريم, وكانت أرواح عبّاد الصليب تساق إلى نار جهنم بعد أن تزهق على أيدي المجاهدين الأشاوس, وهم يشنون صولات الحق على الباطل ليدمغوه حتى ينقلب مذموماً مدحوراً, فأعزّ الله بهم دينه, ونصر عباده وزاد أمريكا ذلاًّ على ذلها وكسر شوكتها وأسقط هيبتها, وأمريكا إنما جاءت إلى الفلوجة لتكسر إرادة المقاومين في العراق كله, واختارت الفلوجة لأنها تمثل عمق القضية وثبات الدين وقلعة المساجد وبلدة المآذن, فسقاها الله مُرَّ علقم الهزيمة الذي تتجرعه على أيدي أبطال الفلوجة ولا تكاد تسيغه..
وعندها عرف العالم بأسره إن أمريكا ما هي إلاّ عبارة عن كيس هواء منتفخ سرعان ما انقلب خاوياً, واكتشف العالم هراء الإعلام الكاذب, وكيف أنه صنع نموراً من ورق, ولقن المجاهدون جيش أمريكا ومن معها من خُوّار الدنيا دروساً لن ينسوها, وكيف نصر الله مئات من الرجال وبأسلحة بسيطة جيشاً كبيراً بعشرات الآلاف من الجنود وآلاف الآليات المدرّعة, مدججاً بشتى أنواع الأسلحة الحديثة التي لم يجرب القسم الأكبر منها ويظهر إلى العلن إلاّ في معركة الفلوجة, واستخدم جيش الاحتلال الأمريكي أفتك الأسلحة وأشدها, لكنه لم ينل من ثبات أهل الفلوجة.
وفي يوم النصر ذاك, ضرب المقاومون في معركة الفلوجة أروع الأمثلة للأمة, وسطّروا أروع الملاحم, وأعطوا للأمة دروساً سجلت تاريخاً ورصيداً للأمة صارت مرجعاً لها, ذلك النصر حققته مجموعة عوامل, لو رجعت الأمة اليوم إلى ذلك الرصيد لأسست منه مشروعاً كاملاً ينهض بها من واقعها المر الذي تعيشه, هذه العوامل نذكرها هنا على عجل ونقولها للأمانة, بأنها تحتاج إلى تفصيل كبير, ربما تسنح الفرصة لعرضها كاملة قريباً إن شاء الله تعالى, ونذكرها هنا بصورة مختصرة.. وهي كالتالي: أولاً: معية الله تعالى للأمة في الفلوجة:-
من أهم العوامل وأعلاها وأجلها, وهي غاية الغايات, ومطمح الأماني, أن يدرك الإنسان معية الله العامة والخاصة في مواجهته مع الكفر, ولا نبالغ أبداً إذا قلنا إن معركة الفلوجة الأولى, جرت على عين الله تعالى ورعايته, ومعيته الخاصة للمجاهدين في الفلوجة, حيث رأى أهل الفلوجة التأييد الرباني ولمسوه بأيديهم, ورأوا الإقدام في المجاهدين, الذي ما كان ليكون إلاّ باليقين الذي صنعه الله تعالى في قلوب المجاهدين, وبالإيمان الذي وقر في قلوبهم, نعم .. إنها الأعاجيب والكرامات التي يصنعها الإيمان إذا ما خالطت بشاشته القلوب, إن معركة الفلوجة صنعها الله جل وعلا في الأمة..
وهي حجة على الأمة الإسلامية أن لا حجة لهم أمام الله تعالى, يوم يتخلون عن دينهم وفيهم عين تطرف, وهذه براهين الله للأمة بمدده ونصره لها, كيف لا؟ والأمة رأت جند الله تعالى تقاتل مع المسلمين ظاهرةً وباطنة, وصور الهالكين من الأمريكان وتلك الضربات الملائكية على الرؤوس التي تجعل الرأس نصفين, وفوق الأعناق التي تشق هامات المجرمين وأعناقهم إلى شقين, ورأى المسلمون كرامات الشهداء من ريح المسك, وعلامة التوحيد التي يشير بها الشهداء بأصابعهم, والابتسامات التي ترتسم على وجوههم لحظة الموت.
ثانياً:الجماعة ووحدة الصف والكلمة:- ترى المسلمين في الفلوجة يتحركون في توادًّ وتراحم, ويعملون بجماعة واحدة وبرأي واحد, ولم يكن الشيطان ينال منهم مدخلاً, فلا فرقة ولا خلاف بين المسلمين يومها في الفلوجة, وتراهم وهم يعملون على قلب رجلً واحد, وهذا من العوامل المهمة في رُقِيّ الأمة وسر عظيم من أسرار نهضتها, وعلى الرغم من تقطيع القصف لأحياء الفلوجة, وترى المجاهدين يعملون برؤية واحدة, وبجماعة واحدة على تعدد فصائلهم المقاومة. ونصر الأمة في الفلوجة ما كان لتحقق, لو لا نعمة الله وفضله على المجاهدين فيها وعونه ونصره لهم, ثم جمع الكلمة ووحدة الصف في داخل الفلوجة وفي خارجها.
ثالثاً: خارج الفلوجة المجاهد, وقطعه للإمدادات:- ومن العوامل المهمة, ذلك التكامل العجيب الذي حدث عند المجاهدين في العراق, من خارج الفلوجة, والذي جعلهم يهبّون هبّة رجل واحد على خطوط الإمداد كلها للجيش الأمريكي.
ورأينا العجب العجاب في تلك الأيام, يوم خرج المجاهدون من خارج الفلوجة وحفروا الخنادق على جنبات الطرق, وكلهم قد بايع على الموت في سبيل الله تعالى, كيف لا؟ وجناته تعرض على المسلمين اليوم عرضاً, وفي تسابق عجيب, خرج حتى الفتيان الصغار يمسكون أجهزة تفجير العبوات عن بعد, وهم يتنافسون على أداء الواجب الجهادي, حتى يتفرغ المجاهدون الشباب إلى حمل القاذفات والبنادق الرشاشة, لكي تصطلي بنار أسلحتهم أرتال الإمداد من محافظات العراق كافة, ما أعاد إلى الأذهان صورة الأمة الإسلامية في صدرها الأول, وهي تقدم أرواحها رخيصةً من أجل إعلاء كلمة الله تعالى, فما أشبه اليوم بالبارحة, وصور الأمة الولود تتكرر على ساحات الجهاد.
حيث تم تقطيع أوصال الإمدادات الرئيسية في العراق كله, وتم قطع الإمدادات من جهة قواطع عمليات منطقة الصقلاوية, والگرمة, وتأتي الأرتال على طريق الصقلاوية قادمة من جهة محافظة صلاح الدين, حتى ينبري لها المجاهدون ويبيدونها عن بكرة أبيها, فلا يكاد يصل منها شيء, وقطع الخط السريع الواصل بين الرمادي والفلوجة, وجاءت أرتال من الرمادي فأبيدت على الطريق, وترى النيران تلتهمها ودخانها يتصاعد فيملأ السماء, وخرجت أرتال للإمداد من بغداد من المطار ومن التاجي ومن المنطقة الخضراء ومن قاعدة الصقر, فأبيدت على مشارف منطقة أبو غريب, وخرجت أرتال من القواعد العسكرية الأمريكية في بابل, وواسط, والنجف, والديوانية..
فأبيدت هي الأخرى في منطقة الحصوة واللطيفية, التي اصطلح عليها الاحتلال الصليبي بـ(مثلث الموت), لشدة بأس أهلها بجيوشه ونكايتها بضباطه وجنوده, وما من طريق إلاّ وترى فيه الآليات المدمرة والمحترقة التي ملأت جنبات الطرق في العراق, وأعادت للأذهان يومها, صورة آليات الجيش العراقي التي ملأت قلوبنا كمداً وحسرةً وكيف أن أمريكا أحرقتها إمعاناً منها في إذلال العراقيين, وكسر الروح المعنوية فيهم, وكيف أن تلك الآليات تحترق والدخان يتصاعد منها وما من عراقيًّ إلاّ وذرف الدموع وذاق مرارة الانكسار واللوعة المرة التي قطعت الحلقوم, وفي يوم معركة الفلوجة الأولى أعادت آليات الأمريكان المحترقة والدخان يتصاعد منها وقد ملأ العراق..
كيف أعاد المجاهدون رفعة الرأس للعراقيين وللمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها, وأعزت الإسلام وأهله, وارتبطت الذاكرة مباشرة واتصلت بتلك اللحظة, وأزالت مرارة تلك الصورة يوم أن أحرق الأمريكان آليات الجيش العراقي, (وهذه بتلك, والحرب سجال, ويوم بيوم, والحرب سجال, وقتلانا في الجنة وقتلى جيوش الصليب في النار).
أُضطر الجيش الأمريكي أن يسلك الطرق الريفية, ظنّاً منه أنه سيكون بمنأىً عن نيران المجاهدين, فما أفلح, لأنه قد اصطدم بأبناء العشائر في القرى والأرياف, وأظهر أبناء العشائر تلك النخوة الإسلامية العربية الأصيلة, في مواقفهم وثباتهم واستبسالهم, فما استطاع الجيش الأمريكي أن يوصل آلية عسكرية واحدة أو شاحنة مؤن وغذاء لجيشه, إلاّ البعض منها, فإذا وصل إلى المناطق القريبة المحيطة بالفلوجة فإنه يحترق على أسوار الفلوجة مندحراً, وأيامٌ طوال, والإمدادات لم يصل منها شيء, وحتى خطوط الطيران العسكري فشلت في إيصال الإمدادات إلى الجيش الذي ظل يراوح بمكانه على حصون الفلوجة وأمام رجالها الجبال, حتى صار الجيش الأمريكي يساوم قوافل الإغاثة الغذائية التي يرسلها الشعب العراقي بكل أطيافه إلى أهالي الفلوجة.. فلا يدع قافلة إغاثة تمُرُّ حتى يساومها على الدخول بأخذ الجزء الأكبر منها من الغذاء والماء, لأنه أوشك على الهلاك فلم يصل له شيء من الماء أو الغذاء.
رابعاً: الدور الإغاثي من العراقيين والمسلمين جميعاً:- ساهم العراقيون جميعاً في تلك الملحمة الجهادية, ومن خلفهم جميع المسلمين والخيرين في العالم, حيث دعت يومها هيئة علماء المسلمين في العراق جميع العراقيين لإغاثة أهل الفلوجة, لأن العدو الأمريكي أوغل في تجويع أهلها وقطع عنهم الماء والغذاء والدواء, كما هي لعبته وأساليبه الإجرامية التي يمارسها على الأمم والشعوب حتى تخضع وتذل له, وفي خطوة مدروسة وجهت الهيئة نداءها, ونبهت العراقيين جميعاً إلى الوقوف صفاً واحداً مع أهالي الفلوجة, للخروج بالعراقيين من مرحلة الذهول بسحق الأمريكان لأهلهم في الفلوجة إلى مرحلة التكاتف والتكافل والإيثار, وكانت خطوة مهمة وسباقة من الهيئة..
وكأن العراقيين كانوا بحاجة ماسة إلى ذلك النداء وبحاجة إلى من يرشدهم إلى طريق المشاركة والتفاعل في معركة الفلوجة, وحدثني أحد المشايخ قائلاعندما وجهنا نداء الهيئة عبر المساجد, جاء رجل طاعن في السن وهو يبكي إشفاقاً على أهل الفلوجة, وأتى بمبلغ كبير من المال, وقال والله هذا كل ما ندّخره في البيت لحياتنا, فما قيمته وأهلنا في الفلوجة يسحقهم إخوان القردة والخنازير, ووالله تركت زوجتي العجوز وهي تبكي في البيت, ولا تقوى على الوصول لبيت الله وقد أرسلت هذه المصوغات الذهبية وتقول والله لا أملك غيرها, وتمنيت لو أني ادّخرت الكثير من الذهب لأهبه لله تعالى نصرةً لأولادي أبناء الفلوجة الذين يقصفهم الكفّار, فو الله لا أملك غيرها وهي في سبيل الله لأهل الفلوجة..
ثم أردف الرجل المسن قائلاً: جزاكم الله عنا كل خير على هذا النداء, أنتم تفضلتم علينا يا من فتحتم لنا فرصة المشاركة لأداء هذا الفرض الشرعي, وأشعرتمونا بإسلامنا اليوم حقا. ووفد على المقر العام لهيئة علماء المسلمين في جامع أم القرى, وفد من العراقيين النصارى, استجابةً لنداء الهيئة وثقتهم بخطابها وأمانتها, وجلبوا معهم مبلغاً من المال وقالوا: هذا المال جاءت به العائلات النصرانية للكنائس كي نوصله إليكم لإرساله لأهل الفلوجة, وقالوا لا نعرف ما هي احتياجات أهل الفلوجة فجئنا بالمال فقط, وإذا أعلمتمونا احتياجاتهم فإننا سنؤمنها سريعاً ونأتي بها إليكم.
ومن شدّة القصف أيام معركة الفلوجة اضطر الكثير من أهلها من العجزة والمرضى وكبار السن والأطفال والنساء لمغادرة بيوتهم التي هدمها الاحتلال على رؤوس أطفالهم, فلم يعودوا آمنين, فتركوا كل ما يملكون, وخرجوا بأنفسهم فقط حيث لا مال, ولا غذاء, ولا ماء, ولا مأوى, فآثر العراقيون جميعاً, أهل الفلوجة على أنفسهم وفتحوا لهم قلوبهم وبيوتهم وشاركوهم المنزل والمال والغذاء, وقام جميع العراقيين بتقديم جميع متطلبات العيش لأهالي الفلوجة.
خامساً: القلوب المتعلقة بالله تعالى, ودعاء المسلمين:- كانت قلوب المسلمين كلها متعلقةً بالله تعالى, وتلهث لله بالدعاء ليل نهار والقنوت بالدعاء بكل فرائض الصلاة, فإذا اقتربت من جميع المساجد سمعت منها ضجيجاً بالدعاء, وبكاءً وصراخاً من الصغار والكبار, ومن الشيوخ الركّع, ومن العجائز, والنساء في البيوت, فما من بيت إلاّ وكان يضج أهله بالدعاء لله تعالى بأن ينصر المجاهدين في الفلوجة, وكان العالم الإسلامي كله مشدود تجاه الفلوجة, ومساجد المسلمين في العلم الإسلامي كلها تضج بالدعاء لنصر الفلوجة, ومشايخ العلم والدعاة وسائر الجمع والجماعات يحضّون على الإستغاثة بالحي القيوم بأن ينصر المسلمين في الفلوجة, وكانت كرامات استجابة الدعاء من الله العلي القدير تأتي باللحظة, ويشعر بها المجاهدون ولمسوها لمس اليد, وعاشوا جميع لحظاتها الإيمانية.
والأغرب من ذلك, حدّثني قريب لي كان حينها في الهند, حيث قال: ذهبنا إلى أقصى الهند من جهة الشرق, ونحن نسير في السيارة أكثر من (25)خمس وعشرين ساعة, نريد الوصول إلى منطقة هناك, وفي إحدى نقاط التفتيش صعد مفتش (سيخي) من تلك النقطة, وراح يفتش الركاب في الباص, فطلب منا الجوازات وعرف منها بأننا عراقيون, فسألني باللغة الإنجليزية, قائلاً: أنت من العراق؟ قلت: نعم, قال: هل تعرف الفلوجة ؟, أجبته: بين المنطقة التي أسكنها وبين الفلوجة أقلَّ من أربعين كيلومتر, فأخذ يصرخ في الباص وبأعلى صوته(تحيى الفلوجة, الفلوجة شجاعة), وقال إكراماً لكم لن أفتش باقي الركاب في الباص, وهذا من إكرام الله للمجاهدين في الفلوجة, أن وصل خير عملهم إلى أقاصي الهند ومن المخالفين لنا في ديننا.
سادساً: الشورى: كل عمل المجاهدين كان مبنياً على الشورى والعمل الجماعي, الذي غاب اليوم عن فصائل المقاومة, ما جعل النصر يتأخر عنهم, وقد كان قريباً جداً من متناول أيديهم, وكان من عوامل نصر المجاهدين في الفلوجة العمل الشوروي الذي أمر الله تعالى به, ودعا المسلمين له وحضهم عليه, وشكل المجاهدون مجلساً للشورى فلم يخرج عن طوعه أحد, ولم يدع للكفار المعتدين فرصةً لاختراق صفوفهم, والنيل من ثباتهم, وتشويه مشروعهم الجهادي, وكل عملهم كان يتسم بسلامة النتائج والصحة, وكان المجاهدون كما أراد منهم ربهم, وحققوا مراد نبيهم(صلى الله عليه وسلم) فيهم:[كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً], وكانوا بحق:[كالجسد الواحد, إذا اشتكى منه عضو, تداعى له سائر الجسد بالحمّى والسهر].
وهناك عوامل أخرى ربما نقدمها في دراسةٍ أخرى منفردة, نجمع فيها السجل التاريخي لهذه الملحمة الجهادية الكبرى, لتكون سجلاًّ حافلاً لدروس الأمة التاريخية.
أخيراً نقول: هل تعيد اليوم فصائل المقاومة البطلة في العراق دروس معركة الفلوجة الأولى, لكي تعيد فينا الماضي القريب فتربطه بماضي هذه الأمة, فتعيد فينا صورة السلف (رضوان الله عليهم أجمعين), وترجع بنا إلى صفحات مجد الأمة في رعيلها الأول, وجميع المسلمين اليوم مطالبين بأن يعيدوا في أنفسهم دروس معركة الفلوجة الأولى, في ثباتهم وإقدامهم وبذلهم وتضحياتهم, والرجوع لله تعالى, ونجعل مناطق العراق جمعها فلوجة تحرق المحتلين الغزاة, وتعيد في الأمة عوامل نصرها من جديد, والعالم اليوم كله ينتظر من فصائل المقاومة في العراق ومن جميع العراقيين أن يقولوا كلمتهم, مثلما قالت الفلوجة كلمتها في معركتها الأولى التي نعيش ذكراها هذه الأيام.
| |
|
الإثنين سبتمبر 03, 2012 3:27 am من طرف فاطمة