البلد واسعه .. ولكن صدورنا هي التي تضيق بنا
وقف الشاب العراقي امام موظف دائرة الهجرة الكندية وأخرج من حقيبة يحملها بعض الأوراق ووضعها على " الكاونتر " في انتظار أن يطلب منه الموظف تقديمها اليه.. جال ببصره في القاعة الفسيحة حيث الأعمدة الرخامية والنوافذ الواسعة التي تمكنك من استطلاع مساحة كبيرة من المدينة ..القاعة هادئة .. يوجد الكثير من المراجعين ومعظمهم من " الجنسية العراقية الذين أجبرتهم ظروف الحرب القاسية على الهجرة الى بلاد الشتات .. فالحرب في العراق لم تكن بين فريقين بعينهما " قوى معادية وقوى وطنية " وانما كانت خليط معقد من الصراعات العرقية والطائفية " كانت القوة المعادية وهي مكونة من معظم الدول الصليبية التني اتفقت جميعا على " ضرب العراق " بحجة وجود " أسلحة نووية " لديها في الوقت الذي تملك فيه تلك الدول " ترسانات هائلة من أسلحة الدمار الشامل " ففي منظومتهم الفكرية لا يجوز لغيرهم ولا يسمحوا لغيرهم بأن يكون له شأن في هذا العالم المادي الذي يؤمن " بالقوة العسكرية " وسيلة للسيطرة والتملك ..كانت قوى التحالف " هكذا يسمونها " وفي الحقيقة كان أغلبها من الأمريكان والبريطانيين " تقتل عموم الشعب العراقي وكان العراقيون يقتلون بعضهم على الهوية تناهى الى سمعة صوت امرأة عراقية تتحدث بعصبية الى زوجها : قلتلك ما بدي اطلع من البلد ..وين جايبني . . ما حدا فاهم علينا ..ويرد عليها الزوج .. لا ترفعي صوتك .. احنا مو في العراق ..ويركض الطفل الصغير في القاعة .. تعال يا ولد .. الطفل يعتلي المقاعد " وينط عليها " .. شوفي ابنك فضحنا ..الشاب العراقي الذي ينتظر الدور يقول في نفسه .. مالنا نحن العراقيين .. ما الذي جرى لنا ؟ معقوله بلدنا مو واسعيتنا ؟!!!! معقوله ؟ ويرد على نفسه : البلد واسعه وفسيحة ولكن صدورنا هي التي تضيق بنا ..وأصبحنا ننظر الى " الهوية الطائفية " وكأنها كتاب مقدس !!عافاك الله يا عراق ..متى يأتي الدور ؟ الطفل الصغير يسقط أرضا ..تصيح امه .. الله يحميك ..يتقدم أحد المراجعين من الشاب ويشير اليه بأن الموظف يطلب منك تقديم أوراقك .. نعم أنا آسف .. يخرج ورقة من الملف الذي يحمله ويقدمها الى موظف الهجرة ..لماذا قدمت الى كندا ؟ الحياة في البلد صعبة والوضع خطير..!! نعم ..انت تحمل شهادة ماجستير لغة وعلوم سياسية .. هل تحب أن تعمل هنا .. ماذا تفضل أن تعمل ؟ أي عمل .. لا يهم المهم أن أجد عملا أعتاش منه !! فيقول موظف الهجرة : هل تعمل في مطعم .. خدمة الزبائن .. ما رأيك .. أنه عمل جيد !! ويجيب الشاب : نعم أعمل ولا بأس في ذلك ..وينظر الموظف الى الشاب وهو يرفع نظارتيه ويضعهما على الأوراق أمامه ويقول له : معك شهادة ماجستيراليس كذلك .. وتريد أن تعمل خادما في مطعم ؟ هل تعلم أن شهادتك مزورة ؟ أنت تحمل شهادة مزورة .., ونزلت كلمات الموظف على الشاب كالصاعقة .. ولكنه تمالك نفسه وقال له بكل ثقة : ماذا تقول ؟ أعد علي ما قلته ؟ وقبل أن يجيب الموظف بادره الشاب قائلا : أين المدير .. مدير الدائره أين هو مكتبه ؟ فأجاب الموظف : ماذا تريد منه ؟ قال الشاب : هذا ليس من شأنك ..أريد المدير الآن !!! ويتدخل أحد العراقيين قائلا : يا أخي لو سمحت بلاش تعطل علينا .. هسه بيسكر المكتب وما بيمشي ولا معامله !!! وألقى الشاب نظرة سريعة على المتكلم ثم عاد يقول للموظف بصوت أعلى قليلا : قلت لك أين مدير الدائرة ؟ وهنا فتح باب أحد المكاتب وتقدم منه رجل الى " الكاونتر " وقال أنا المدير .. ماذا في الأمر ؟ فقال الشاب للمدير : هذا الموظف قد أهانني وسخر مني .. فقد قدمت اليه أوراقي وهي صحيحة ولكنه أتهمني يالتزوير وبالكذب ولم نسمع عن مثل هذا التصرف في بلادكم الحرة !!! هذه أوراقي وهذا الملف بكامله تحت تصرفك وتستطيع التأكد بنفسك عن صحته !!!! وهنا أشار المدير للموظف والشاب بأن يتبعانه الى مكتبه .. تصفح المدير الملف قليلا ثم خاطب الموظف : أنت لست في مكان بجيز لك اتهام الناس ..أنت تقبل الأوراق المطلوبة فقط وأذا شككت في أحدها تمررها الى المدير.. هناك جهة متخصصة في التثبت من الأوراق ولست أنت .. عد الى عملك . وهنا قال المدير للشاب .. لا عليك ..أوراقك صحيحة ..وأنا آسف جدا لما حصل .. هل تريد شيئا آخر ؟ فقال الشاب : نعم اريد أن اتقدم بدعوى ضد هذا الموظف الذي سخر مني أمام الناس ومعظمهم من العراقيين .. وأنتم دولة حرة وحقوق الأنسان مضمونة عندكم . فقال المدير : نعم .. كما تريد ..وكانت النتيجة " أن فصل الموظف من عمله لأنه استعمل وظيفته للسخرية من الناس واهانتهم .. وحكم للشاب العراقي بتعويض مالي مناسب .. وغادر الشاب العراقي باب المحكمة حيث كان ينتظره أحد معارفة من العراقيين الذين سبقوه الى كندا . وصعد الى السيارة وهو في حالة نشوة لشعوره بالأنتصار .. ومضيا في طريقهما لتناول الطعام احتفاء بهذه المناسبة .. فأخرج الشاب من جيبه علبة سجائرجديدة .. ونزع الشريط الأحمر عن العلبه والقى به من نافذة السيارة .. وأشعل سيجارته وهو يستمع الى أغنية عراقية قديمه من المسجل .. وما هي الا لحظات حتى سارت بمحاذاتهما سيارة للشرطة وأشارت للسائق بالتوقف وطلبت منهما أوراقهما . . فقال السائق : ما المشكله ؟ فأجابه الشرطي : هذا الرجل الي يجلس بجانبك قد القى بالقمامة من نافذة السيارة وهذه مخالفة يعاقب عليها القانون .!!!!! نظر السائق الى الشاب .. أية قمامة ..هل القيت بشي من النافذه ؟ فهمس اليه الشاب .. نعم شريط علبة السجائر .. فقال السائق للشرطي : هذا الشاب ضيف على هذه البلد وهو لا يعلم بهذ القانون ..فقال الشرطي لما لم تعلمه أنت ؟. على كل حال يمكنك أن تقول هذا الكلام في المحكمة .. وفي المحكمة أخبر الشاب القاضي بأنه قادم جديد ولا يعلم شيئا فقال له القاضي مؤنبا : أنتم في بلدكم العراق .. هل تلقون القمامة في الشوارع ؟ فأبتسم الشاب وقال للقاضي : أنا مذنب .. فقال القاضي يمكنك أن تدفع نصف الغرامة .. وغادر الشاب العراقي باب المحكمة وهو يضحك مع صديقه ويقول : سمعت شو قال .. انتم في العراق هل تلقون القمامة في الشوارع ؟ نعم يا سيدي .. لا يوجد لدينا مكان نلقي فيه القمامة فكل " الحاويات المخصصة لذلك نجدها ممتلئة بجثث مقطوعة الرؤؤس حتى لا يعرف أصحابها !!!!!!!!!