ساره صاحبة أجمل قلم
عدد المساهمات : 617 السٌّمعَة : -179 تاريخ التسجيل : 31/05/2009 العمر : 31
| موضوع: آيات الأخرس .. من أعلام المقاومة الأربعاء مايو 12, 2010 9:58 am | |
| السلام عليكم:
هذه الصبية الفلسطينية الحسناء طالبة في الصف الثاني الثانوي ... لخصت مأساة الفلسطينيين برسالة مفتوحة وجهتها إلى ثلاث جهات قبل أن تفجر نفسها في القدس ... الجزء الأول من الرسالة وجهته إلى الحكام العرب قائلة " كفاكم تخاذلا " الجزء الثاني وجهته إلى الجيوش العربية والتي تتفرج على بنات فلسطين وهن يدافعن عن الأقصى على حد وصفها ... وكان الجزء الثالث موجها إلى إسرائيل وكان والد الفتاة الفلسطينية التى نفذت العملية الاستشهادية فى القدس ايات محمد الاخرس (16 عاما) عن اعتزازه وفخره بابنته.. وقال ان جرائم الاحتلال المستمرة هى التى دفعتها لهذا العمل. وكانت جماهير مخيم الدهيشة بمحافظة بيت لحم قد خرجت فور ذيوع النبأ فى مظاهرات فرح كبيرة حيث أطلقت النيران ووزعت الحلوى فرحا بالاستشهادية ابنة المخيم الذى قدم العديد من الاستشهاديين فى الفترة الأخيرة. وكشفت زميلات آيات محمد الأخرس منفذة عملية القدس انها لم تتخلف عن دوامها المدرسى فى مدرسة بنات بيت لحم الثانوية فى الصف الثانى الثانوى حيث ذهبت إلى المدرسة أمس رغم أنه الجمعة وعطلة رسمية التزاما منها ببرنامج تعويضى أعدته مديرية التربية فى محافظة بيت لحم لتعويض الطلبة على ما فاتهم من دوام خلال الغزو الاسرائيلى الكبير للمحافظة قبل أسبوعين. وقالت زميلة لآيات بأن آيات التزمت بالدوام حتى آخر لحظة وعندما غادرت زميلاتها إلى بيوتهن تخلفت عن العودة معهن قائلة بأن لديها عملا تريد أن تنجزه ولم تكن هناك أية شواهد على نوعية هذا العمل سوى ما قامت به من حضن احدى زميلاتها وكأنها تودعها الوداع الأخير. وقالت هذه الزميلة ان آيات انشغلت بالكتابة على ورقة وأخفت ذلك عن زميلاتها اللواتى طلبن بدافع الفضول معرفة ما تخطه ولكنها قالت لهن بأنهن سيقرأن ذلك فيما بعد ويعتقد أن ما كانت تخطه الشهيدة آيات هو وصيتها فلتزف عيوننا دمعا ما لم نستطع الدافع ان إخواننا التي تنتهك حرماتهم في فلسطين ( اللهم إنا نسألك الشهاده علي أعتاب المسجد الأقصي ) آيات الأخرس امتزجت الزغاريد بالبكاء؛ فاليوم عرسها، وإن لم تلبس الفستان الأبيض وتُـزف إلى عريسها الذي انتظر يوم زفافه ما يزيد على عام ونصف.. وارتدت بدلا منه بدلة الجندية والكوفية الفلسطينية، وتزينت بدمها الأحمر الحر لتحوله إلى عرس فلسطيني يدخل البهجة والفرح على قلب أم كل شهيد وجريح. ففي شهر يوليو القادم كان المتوقع أن تقيم آيات محمد الأخرس حفل زفافها كأي فتاة في العالم، ولكنها أبت إلا أن تُزف ببدلة الدم التي لا يُزف بها إلا مثلها؛ لتصنع مجد شعبها الفلسطيني بنجاحها في قتل وإصابة عشرات المحتلين الصهاينة في عملية بطولية ناجحة نفذتها فتاة في قلب الكيان الصهيوني. عرس لا عزاء وفي بيت متواضع في مخيم الدهيشة أقيم عزاء الشهيدة آيات الأخرس، اعتدت أن أسمع صوت العويل والصراخ على العروس التي لم تكتمل فرحتها، ولكني فوجئت بصوت الزغاريد والغناء تطرب له الآذان على بُعد أمتار من المنزل، ووالدة الشهيدة الصابرة المحتسبة تستقبل المهنئات لها، وبصعوبة استطعت أن أفوز بالحديث معها لتصف لي صباح آخر يوم خرجت فيه "آيات" من المنزل، فقالت: "استيقظت آيات مبكرة على غير عادتها، وإن لم تكن عينها قد عرفت النوم في هذه الليلة، وصلّت صلاة الصبح، وجلست تقرأ ما تيسر لها من كتاب الله، وارتدت ملابسها المدرسية، وأخبرتني أنها ذاهبة للمدرسة لتحضر ما فاتها من دروس، فاستوقفتها؛ فاليوم الجمعة عطلة رسمية في جميع مدارس الوطن ولكنها أخبرتني أنه أهم أيام حياتها، فدعوت الله أن يوفقها ويرضى عنها". وتكمل الأم: وما كدت أكمل هذه الجملة حتى لاحظت بريق عينيها وكأني دفعت بها الأمل، ووهبتها النجاح في هذه الكلمات، فنظرت إليّ بابتسامتها المشرقة، وقالت: هذا كل ما أريده منك يا أمي، وخرجت مسرعة تصاحبها شقيقتها سماح إلى المدرسة. العلم لآخر رمق الشهيدة "الأخرس" من مواليد 20-2-1985، طالبة في الصف الثالث الثانوي، والرابعة بين أخواتها السبع وإخوانها الثلاثة، عُرفت بتفوقها الدراسي؛ حيث حصلت على تقدير امتياز في الفصل الأول لهذا العام، ورغم معرفتها بموعد استشهادها فإنها واصلت مذاكرة دروسها، وقضت طوال ساعات آخر ليلة تذاكر دروسها، وذهبت إلى مدرستها لتحضر آخر درس تعليمي لتؤكد لزميلاتها أهمية العلم الذي أوصتهم به. وحول ذلك تؤكد زميلتها في مقعد الدراسة "هيفاء" أنها أوصتها وزميلاتها بضرورة الاهتمام بالدراسة، والحرص على إكمال مشوارهن التعليمي مهما ألمَّ بهن من ظروف وأخطار. وتضيف هيفاء -التي ما زالت ترفض أن تصدق خبر استشهاد آيات :- منذ أسبوع تحتفظ آيات بكافة صور الشهداء في مقعدها الدراسي الذي كتبت عليه العديد من الشعارات التي تبين فضل الشهادة والشهداء، ولكن لم يدُر بخلدي أنها تنوي أن تلحق بهم؛ فهي حريصة على تجميع صور الشهداء منذ مطلع الانتفاضة، وهي وأشد حرصا على أن تحصد أعلى الدرجات في المدرسة. وداع سماح وتستطرد والدة الأخرس بعد أن سقطت دمعة من عينها أبت إلا السقوط: وعادت شقيقتها سماح مع تمام الساعة العاشرة بدونها؛ فخفت وبدأت دقات قلبي تتصارع؛ فالأوضاع الأمنية صعبة جدا، والمخيم يمكن أن يتعرض للاقتحام في أي لحظة، وغرقت في هاجس الخوف ووابل الأسئلة التي لا تنتهي أين ذهبت؟ وهل يعقل أن تكون قد نفذت ما تحلم به من الاستشهاد؟ ولكن كيف؟ وخطيبها؟ وملابس الفرح التي أعدتها؟ وأحلامها؟... وبينما الأم في صراعها بين صوت عقلها الذي ينفي، ودقات قلبها التي تؤكد قيامها بعملية استشهادية، وإذ بوسائل الإعلام تعلن عن تنفيذ عملية استشهادية في نتانيا، وأن منفذها فتاة، وتضيف الأم وقد اختنقت عبراتها بدموعها: فأيقنت أن آيات ذهبت ولن تعود، وأصبحت عروس فلسطين؛ فقد كانت مصممة على أن تنتقم لكل من "عيسى فرح" و"سائد عيد" اللذين استشهدا إثر قصف صاروخي لمنزلهم المجاور لنا. صناعة الموت ويشار إلى أن الشهيدة الأخرس كانت حريصة على أن تحتفظ بكافة أسماء وصور الشهداء، وخاصة الاستشهاديين الذين كانت تحلم بأن تصبح مثلهم، ولكن طبيعتها الأنثوية كانت أكبر عائق أمامها، فقضت أيامها شاردة الذهن غارقة في أحلام الشهادة حتى نجحت الشهيدة وفاء إدريس بتنفيذ أول عملية استشهادية تنفذها فتاة فلسطينية، وزادت رغبتها في تعقب خطاهم، وحطمت كافة القيود الأمنية، واستطاعت أن تصل إلى قادة العمل العسكري، ليتم تجنيدها في كتائب شهداء الأقصى رغم رفضها السابق اتباع أي تنظيم سياسي أو المشاركة في الأنشطة الطلابية. وأكدت والدة الأخرس أنها كانت تجاهد نفسها لتغطي حقيقة رغبتها بالشهادة التي لا تكف الحديث عنها، وقولها: "ما فائدة الحياة إذا كان الموت يلاحقنا من كل جانب؟ سنذهب له قبل أن يأتينا، وننتقم لأنفسنا قبل أن نموت". حبات الشوكولاته أما شقيقتها سماح - طالبة الصف العاشر، وصديقتها المقربة، وحافظة سرها-، فقد فقدت وعيها فور سماعها نبأ استشهاد شقيقتها آيات رغم علمها المسبق بنيتها تنفيذ عمليتها البطولية، وتصف لنا لحظات وداعها الأخير لها فتقول بصوت مخنوق بدموعها الحبيسة: رأيت النور يتلألأ في وجهها ويتهلل فرحا لم أعهده من قبل، وهي تعطيني بعض حبات الشوكولاته، وتقول لي بصوت حنون: صلي واسألي الله لي التوفيق. وقبل أن أسألها: على ماذا؟ قالت لي: اليوم ستبشرين بأحلى بشارة؛ فاليوم أحلى أيام عمري الذي انتظرته طويلا، هل تودين أن أسلم لك على أحد؟ فرددت عليها باستهزاء: سلمي لي على الشهيد محمود والشهيد سائد؛ لأني على يقين أنها لن تجرؤ على تنفيذ عملية بطو! لية، فحلم الاستشهاد يراود كل فتاة وشاب، وقليل جدا من ينجح منهم. ثم سلمت عليّ سلاما حارا وغادرتني بسرعة لتذهب إلى فصلها. وسكتت سماح برهة لتمسح دموعها التي أبت إلا أن تشاطرها أحزانها، وتابعت تقول: شعرت أن نظراتها غير طبيعية، وكأنها تودع كل ما حولها، لكني كنت أكذب أحاسيسي، فأي جرأة ستمتلكها لكي تنفذ عملية استشهادية؟ ومن سيجندها، وهي ترفض الانضمام إلى منظمة الشبيبة الطلابية؟ ولكنها سرعان ما استدركت قائلة: هنيئا لها الشهادة؛ فهي تستحقها لجرأتها، وأعاهدها أن أمشي على طريق الشهادة؛ فجميعنا مشروع شهادة. عروستي لغيري أما "شادي أبو لبن" زوج آيات المنتظر، فقبل ساعات قليلة من استشهادها كانا يحلقان معا في فضاء أحلام حياتهما الزوجية وبيت الزوجية الذي لم ينتهيا بعد من وضع اللمسات الأخيرة له قبل أن يضمهما معا في شهر يوليو القادم بعد انتهائها من تقديم امتحانات الثانوية العامة، وكاد صبرهما الذي مرّ عليه أكثر من عام ونصف أن ينفد، وحلما بالمولود البكر الذي اتفقا على تسميته "عدي" بعد مناقشات عديدة، وكيف سيربيانه ليصبح بطلا يحرر الأقصى من قيد الاحتلال. ولكن فجأة وبدون مقدمات سقط شادي من فضاء حلمه على كابوس الاحتلال؛ ففتاة أحلامه زُفَّت إلى غيره، وأصبحت عروس فلسطين، بعدما فجرت نفسها في قلب الكيان الصهيوني. وما كدت أسأل شادي عن خطيبته آيات التي أحبها بعد أن عرفها لعلاقته بإخوتها، وطرق باب أهلها طالبا يدها أول سبتمبر من العام 2000 حتى سقطت دمعة عينيه الحبيسة، وقال بعبرات امتزجت بالدموع: "خططنا أن يتم الفرح بعد إنهائها لامتحانات الثانوية العامة هذا العام، لكن يبدو أن الله تعالى خطط لنا شيئا آخر، لعلنا نلتقي في الجنة، كما كتبت لي في رسالتها الأخيرة". وصمت شادي قليلا ليشخص بصره في "آيات" التي ما زال طيفها ماثلا أمامه ليكمل: "كانت أحب إليّ من نفسي، عرفتها قوية الشخصية، شديدة العزيمة، ذكية، تعشق الوطن، محبة للحياة، تحلم بالأمان لأطفالها؛ لذلك كان كثيرا ما يقلقها العدوان الصهيوني". وأردف قائلا: "كلما حلمت بالمستقبل قطع حلمها الاستشهاد؛ فتسرقني من أحلام الزوجية إلى التحليق في العمليات الاستشهادية، وصور القتلى من العدو ودمائنا التي ستنزف بها معا إلى الجنة؛ فنتواعد بتنفيذها معا". واستطرد شادي -وقد أشرقت ابتسامة على وجهه المفعم بالحزن-، فقال: "لقد كانت في زيارتي الأخيرة أكثر إلحاحا علي بأن أبقى بجوارها، وكلما هممت بالمغادرة كانت تطلب مني أن أبقى وألا أذهب، وكأنها تودعني، أو بالأحرى تريد لعيني أن تكتحل للمرة الأخيرة بنظراتها المشبعة بالحب لتبقى آخر عهدي بها". ورغم أن شادي حاول جاهدا أن يظهر الصبر والجلد على فراق آيات، ليبوح لنا بأمنيته الغالية: "كنت أتمنى أن أرافقها بطولتها، ونُستشهد معا.. فهنيئا لها الشهادة، وأسأل الله أن يلحقني بها قريبا.. قريبا..!!". وستبقى عروس فلسطين آيات الأخرس مثلا وقدوة لكل فتاة وشاب فلسطيني ينقب عن الأمن بين ركام مذابح المجرم شارون ويدفع دمه ومستقبله ثمنا لهذا الأمن. ----------------------------------------------------------
أربعون يوماً .. أكثر من أربعين يوماً .. !
| |
من خان آيات الأخرس ؟؟
بقلم : أسامة العيسة |
|
|
| بعد أكثر من أربعين يوماً على استشهاد آيات ، كنت يوم الجمعة (24/5/2002) أخطو نحو منزل أبو سمير ، بعد انسحاب الاحتلال الصهيوني الجزئي من المنطقة . و كنت أود الجلوس معه منفرداً بعد غياب ظروف المفاجأة الضاغطة عليه ، هذا إذا كان يمكن أن تغيب ، التي أسمّيها من باب التخفيف "مفاجأة" .. ! و في الطريق إلى منزله في أحد زواريب مخيم الدهيشة قرب مدينة بيت لحم ، كان السؤال الداخلي ما يزال يلحّ عليّ طوال الأيام الماضية : أيام الحصار و الدم و الألم : هل كان يجب أن تستشهد ، آيات ، الطالبة المجتهدة ابنة السابعة عشر دفاعاً عن كرامة هذه الأمة ؟؟ و ما هي هذه الأمة التي تحتاج لآيات كي تدافع عن كرامتها ، هل أمة بهذا الشكل بقي لها أدنى كرامة ، لتقوم آيات ، أو غيرها بالدفاع عنها ؟؟ و أمة كهذه هل تستحق أن تدافع عن (شرفها) آيات ؟ و أي (شرف) هذا الذي ستدافع عنه .. ! كان ذلك في يوم الجمعة 29/3/2002م ، عندما غابت آيات ، و إلى الأبد ، عن شوارع المخيم .. ! كان العرب الرسميون قد عقدوا قمة تاريخية لمناقشة قضية فلسطين ، و التصعيد الصهيوني غير المسبوق خلال انتفاضة الأقصى ، التي كانت تخطو في شهرها الثامن عشر ، و كان مقرّراً للقمة التاريخية أن تستمع لرئيس السلطة الفلسطينية المحاصر في مقره في رام الله ، يلقي كلمة افتتاحية عبر الأقمار الصناعية ، و لكن تدخلات عربية رسمية منعت عرفات الرسمي من إلقاء كلمته ، و بحث الرسميون مبادرة سلام عربية جديدة ، و أقرّوها ، في وسط أجواء القمع الصهيوني و البلاهة العربية . و في المؤتمر الصحافي الذي عقد في ختام القمة التاريخية سأل صحافي أجنبي : - أنا مندهش .. شارون أعلن أمس عن خططه التوسعية و تمسّكه بسياسته و رفضه لمبادرتكم ، فما معنى هذه المبادرة أصلاً … ؟! و سأل آخرون : - ماذا لو رفضت (إسرائيل) مبادرتكم ؟ ماذا ستفعلون ؟ هل ستفرضونها بالقوة ، ما هو بديلكم .. ؟! و خرج صحافيو الأنظمة يبشّرون بعهد جديد ، .. أخذت فيه الأنظمة المبادرة و لم تنزل لمستوى مطالب شعوبها ، و أنها لم تعد تحتكم للشارع الغوغائي .. ! و ما كاد المؤتمر التاريخي ينهي أعماله ، و ينسى صحافيو الأنظمة ما قالوه ، حتى كان رد مجرم الحرب شارون عنيفاً و غير مسبوق ، ببدء حملة أسماها (السور الواقي) في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967م ، و بدأ حرباً لم تشهدها تلك الأراضي في تاريخها . و تقدّمت دبابات الاحتلال إلى مقرّ عرفات الذي كان محاصراً منذ أشهر و بدأت باقتحامه وسط أجواء ترقّب و متابعة شعبية عربية ، و صمت رسمي عربي .. و في هذه الأجواء حضرت آيات .. الفضائيات العربية ، كل وسائل الإعلام ، مراكز صنع القرار في العالم ، الرئيس الأمريكي "بوش" .. اتجهت بأنظارها إلى هناك ، إلى حي "كريات أوفيل" الاستيطاني بالقدس الغربية ، و العملية الاستشهادية .. إلى آيات . بعد أقلّ من ساعة على الإرباك الذي أصاب "شارون" ، مما حدث في "كريات أوفيل" ، بدأت أصوات الرصاص تلعلع في مخيم الدهيشة ، و تعلو الزغاريد .. ! كنت ، مثل غيري أستعد ، للعدوان المقبل على المحافظة ، نزلت إلى الشارع ، .. شارع القدس – الخليل ، الطريق التاريخي الذي مرّ به فاتحون و غزاة و أفّاقون و مغامرون طوال قرون ، كان الفتيان و الفتيات انتظموا في تظاهرة كبيرة فرحاً بمنفذة العملية : عندما اقتربت أكثر منهم سألت : -هل تأكد أنها من المخيم ؟ -من هي .. ؟ - ….. ؟ - آيات …. ! لم يكن منظر المتظاهرين غريباً في أجواء انتفاضة الأقصى ، لكنه اكتسب معنى آخر ، كان جيل جديد من الفلسطينيين ، يخرج إلى هذا الشارع تسبقه الزغاريد و يلحقه أزيز رصاص الفخر الذي ينطلق من بنادق يحملها شبان صغار من أبناء المخيم ، عاشوا يحملون قضيتهم على أكتافهم. شرد ذهني إلى أعوام كثيرة سابقة .. إلى وقائع حدثت في هذا الشارع قبل خمسة و ثلاثين عاماً .. تاريخ بعيد لا أعيه تماماً و لكن عشت سنوات عمري مع نتائجه … و لا يعيه هؤلاء الفتية و الفتيات و لكنهم كانوا أبناءه : أبناء ما أسموها : نكسة .. ! و سمعوا من آبائهم عندما وقفوا في هذا الشارع : شارع القدس – الخليل ، في ذاك الحزيران الحزين ، حزيران السابع و الستين ، أشهر حزيران في تاريخ العرب ، ينتظرون الجيش العراقي المخلّص ، و الجيوش العربية الأخرى التي ستسحق "تل أبيب" .. !------------------------------------------صباح يوم التنفيذ ، و مثل أية طالبة مجتهدة لم تتخلّف آيات عن دوامها المدرسي في مدرسة بنات أرطاس الثانوية ، و ذهبت آيات الطالبة في الصف الثاني الثانوي إلى المدرسة رغم أن اليوم هو الجمعة و عطلة رسمية التزاماً منها ببرنامج تعويضيّ أعدته مديرية التربية في محافظة بيت لحم لتعويض الطلبة عن ما فاتهم من دوام خلال الغزو الاحتلالي و أكّدت زميلات لآيات بأنها التزمت بالدوام حتى آخر لحظة ، و قدّمت امتحاناً ، كانت علامتها فيه كاملة ، و عندما غادرت زميلاتها إلى بيوتهن تخلّفت عن العودة معهن قائلة إن لديها عمل تريد أن تنجزه ، و لم تكن هناك أية شواهد على نوعية هذا العمل سوى ما قامت به من حضن إحدى زميلاتها و كأنها تودّعها الوداع الأخير . و تتذكّر زميلاتها شاهداً آخر أكثر وضوحاً ، عندما قامت آيات بتعليق صورة الاستشهادي محمد ضراغمة على أحد جدران الصف و طلبت من زميلاتها أن يعلّقن صورتها إذا حدث و استشهدت قبالة صورة ضراغمة تماماً . و لاحظت بعض زميلاتها بأنها انشغلت بالكتابة على ورقة و أخفت ذلك عن زميلاتها اللواتي طلبن بدافع الفضول معرفة ما تخطه و ضحكت الزميلات على خيال آيات المفرط ، و لكن بعد أن استشهدت علّقن صورتها قبالة صورة ضراغمة و هن يبكين . و لكنها قالت لهن إنهن سيقرأن ذلك فيما بعد .و لم تكن آيات فقط تخطّ في تلك الساعات على ورقة ، ربما كانت تلك التي قرأت منها خلال وصيتها المصوّرة و لكن أيضاً كانت تخط على مقعدها . كتبت آياتٍ .. آيات قرآنية و أبيات من قصائد و كلمات أغاني .. ! ( يا .. رب .. ، إما حياة تسر الصديق و إما ممات يغيظ العدا) (علمتني ضربة الجلاد .. أن أنهض ، أنهض .. و أقاوم … .فلسطين عربية ..) (.. يا أمي الحنونة .. لا تبكي علي .. شعارنا : لا إله إلا الله .. محمد رسول الله) . (وين الملايين .. الشعب العربي وين .. وين الغضب العربي .. وين الدم العربي … وين الله .. معنا الله أقوى من بني صهيون ..) (الشهيد البطل جاد عطا الله) (الويل للعملاء و الخونة .. ثورة حتى النصر) . (بسم الله الرحمن الرحيم : و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً ، بل أحياء عند ربهم يرزقون) (بسم الله الرحمن الرحيم : قل هو الله أحد ، الله الصمد ، لم يكن له كفواً أحد) . (حلمنا طول عمرنا .. صدر يضمّنا كلنا .. جايز ظلام الليل …. إنما يوصل لأبعد مدى) . (يا أقصى ما أنت وحيد ، سيّجناك بقلوبنا ، عنك ما نحيد إنت سراج قلوبنا) . (إن عشت فعش حراً ، و إن مت كالأشجار وقوفاً … وقوفاً كالأشجار) . (فلسطين الحبيبة …. أنا الشهيد يا أمي إن النصر صبر ساعة …) . (سحقاً لأطفال العالم إن لم يعش أطفال فلسطين) . (يا ثوار الأرض ثوروا على الطغيان ..ثوروا على الحرمان) . | |
|