حرب غرناطة.. كتاب يرصد حرب الدفاع عن الهوية بالاندلس قبل 440 سنة
نشرت بتاريخ - الخميس,10 يونيو , 2010 -10:10
القاهرة (رويترز) - يكتسب كتاب (حرب غرناطة) قيمته من موضوعيته ومعاصرة مؤلفه لحرب الدفاع عن الهوية في الاندلس قبل 440 سنة وهي معارك دارت بين عامي 1568 و1570 بين طرفين يريد كلاهما أن يقضي على الاخر ولكن المؤلف تخلى عن نهج المنتصر الذي يعمد الى الانتقام من المهزوم بتشويه تاريخه.
ويرصد مؤلف الكتاب أورتادو دي مندوثا (1503-1575) الذي كان أديبا وشاعرا ومحاربا ودبلوماسيا وقائع المناورات والمواجهات في جنوب اسبانيا بين أقلية مسلمة تحارب بأسلحة بدائية وتنتظر عونا من الاتراك والمغرب والجزائر وامبراطورية صاعدة أعلنت عن نفسها عام 1492 بعد أن سقطت غرناطة وسلمها الملك أبو عبد الله محمد الصغير للملك فرديناندو الخامس.
ويقول مندوثا انه اختار "طريقا ضيقا وشاقا وعقيما بلا مجد لكنه ذو فائدة للاجيال القادمة" بالتأريخ لثورة "المتمردين من المسيحيين الجدد" من الذين أكرهوا على اعتناق المسيحية وخاضوا الحرب ضد الملك الكاثوليكي فيليبي الثاني.
ورغم شهادته أحيانا في حق الموريسكيين -وهم بقية العرب المسلمين الذين تظاهروا بأنهم كاثوليك هربا من البطش- فانه يطلق عليهم اسم "الاعداء" الذين هزموا في نهاية الامر "وتم اخراجهم من أراضيهم وطردهم من منازلهم وتم أسر الكثيرين من الرجال والنساء الذين تم تكبيلهم بالقيود وتم أسر الاطفال أيضا وبيعهم في المزادات أو حملهم الى أراض بعيدة عن وطنهم الاصلي. لقد كان أسرا وتهجيرا لا يقل عما نقرؤه في قصص الحروب الاخرى."
ويشهد المؤلف بعزيمة المسلمين في حرب صعبة لم يكن الانتصار فيها مضمونا حتى انه "في بعض الاحيان لم نكن نعرف اذا ما كنا نحن أو أعداؤنا هم من أراد الرب معاقبتهم."
وتقع الترجمة العربية للكتاب في 227 صفحة من القطع الكبير وأصدرها المركز القومي للترجمة في القاهرة وقامت بها ايمان عبد الحليم أستاذة الادب الاسباني بجامعة القاهرة وسلوى محمود أستاذة الادب الاسباني بجامعة حلوان. وراجع الكتاب جمال عبد الرحمن أستاذ الادب الاسباني بجامعة الازهر الذي يصف المؤلف مندوثا بأنه "كان متمردا على الاوضاع وأن كتابه تجاوز عدة خطوط حمراء" ولهذا لم ينشر قبل عام 1627.
ويقول ان المؤلف تميز بالحياد "فيثني على بطولات قام بها الثوار المسلمون وينتقد أخطاء أخلاقية وقع فيها الجيش المسيحي... انتقد مندوثا كذلك قمع الموريسكيين وطمع الجنود وحرصهم على نهب ممتلكات الموريسكيين وفساد القادة" وان الكتاب كان معروفا قبل طبعه ولكنه لم ينشر انذاك لاسباب منها أن مندوثا الذي شاهد أخطاء الجيش وبعض انتصارات الاقلية المسلمة كتب "ما أملاه عليه ضميره... خرج عن الاجماع" وظل كتابه حبيس الادراج الى أن تمكن الورثة من نشره.
ويقول مندوثا ان ترتيبات اتخذت بعد عام 1492 منها محاولات "لاقناع المسلمين باعتناق المسيحية رغبة في أن تكون مملكة اسبانيا بأكملها مملكة مسيحية" ثم لجأ الملكان الكاثوليكيان فردينادو وايزابيل الى "تعميد المسلمين" قبل انشاء محاكم التفتيش التي ضغطت على الموريسكيين "بشكل غير عادي" اذ حظر الزي الخاص بهم وكذلك لغتهم وموسيقاهم وغناؤهم واقامة الاعياد واحتفالات الزواج وأن تظل أبواب بيوتهم مفتوحة.
ويسجل أن "المسيحيين القدامى" أدركوا أن هذه الممارسات يمكن أن تؤدي الى تمرد أو مؤامرة حيث ان الموريسكيين سبق أن أرسلوا يطلبون المساعدة من عدة جهات مثل "أمراء البربر" و"امبراطور الاتراك في القسطنطينية حتى يغيثهم وينقذهم من حياة الاستعباد التي يحيونها" اذ كانوا موضع احتقار فينظر اليهم المسيحيون كمسلمين كما يعاملهم المسلمون كمسيحيين.
ويسجل مندوثا أن ثورة الموريسكيين في منطقة البشرات الواقعة بين مدينة غرناطة والبحر بدأت بقيام الموريسكيين "بمطاردة المسيحيين القدامى وقاموا بحرق الكنائس وتدنيس مقدساتها وتعذيب رجال الدين المسيحيين. فكانت كراهيتهم لهم شديدة اما بسبب مخالفتهم لهم في الدين أو بسبب اجبارهم لهم على التنصر أو بسبب اساءتهم معاملتهم لهم" كما تفننوا في ابتداع أشكال لتعذيب المسيحيين.
ويفسر أن الموريسكيين قاموا بهذه الاعمال القاسية لانهم "يشعرون بالذل والمهانة... بهدف الانتقام... فالموريسكي مضطر وبلا أمل..." ولكن التهديد والوعيد لم يؤد الى ارتداد مسيحي "واحد عن دينه... بل انتبه الغافلون عن دينهم وقدموا أرواحهم بارادتهم فداء له" ثم انتهت الثورة بالهزيمة وفر الثوار الى الجبل.
ويقول ان معركة "مثلت حدثا كبيرا" دارت عند مطلع الجبل وتم فيها سحق "الاعداء" وقتل فيها كثير من رجال الموريسكيين ونسائهم.
ويسجل مندوثا أن المعارك استمرت حتى قتل الزعيم الموريسكي الاخير ابن عبو "ملك المسلمين" وسلمت جثته ليجرها الفتيان في الشوارع قبل حرقها وعلق رأسه فوق بوابة المدينة واستسلم بعض المسلمين ورحل اخرون "الى بلاد البربر" وقضت فرق المطاردة وبرودة الجبال على الباقين وانتهت الثورة والحرب.
**********************************************************************************
ابن عبو سلطان الأندلس للسلطان العثماني:إذا خسرنا المعركة فإن الله سيحاسبك حسابا عسيرا
إنها سنة .1570 .مرأكثر من سنة على اندلاع ثورة غرناطة الإسلامية بالأندلس. و لازال المجاهدون بجبال البشرات و ماجاورها من بلاد مملكة غرناطة يجابهون أكبر قوة عسكرية في أوربا أنذاك. فالحمد لله وحده.
لكن الحرب بدأت تخرج من يد المجاهدين خصوصا بعد هزيمة الإسبان على يد العثمانيين في تونس و خروجهم منها. فركز الإسبان جهودهم على إجهاض الثورة الإسلامية و الثأر لأنفسهم من الهزيمة أمام المسلمين العثمانيين.
السلطان الأندلسي ابن عبو رحمه الله أحس بقوة الجيش الإسباني الزاحف نحوهم من كل الجهات. لقد تصور السلطان ما سيفعله النصارى بالأبرياء من قتل و اغتصاب و استرقاق إذا ما تمكنوا من المجاهدين.
و بعد التوكل على الله راسل مفتي القسطنطينية العثمانية حاتا إياه على إقناع السلطان العثماني أنذاك سليم الثاني بإرسال مساعدات عسكرية عاجلة للأندلسيين.
و قد تجنب السلطان بن عبو مراسلة السلطان العثماني مباشرة لأن هذا الأخير سبق أن أجاب الأندلسيين بأن أولويته هي تحرير قبرص و تأمين طريق الحج ثم مساعدتهم بالأساطيل.
و هذه الرسالة مقتطفة من كتاب "انبعاث الإسلام بالأندلس" للأستاذ علي المنتصر الكتاني رحمه الله.
و أمام هذا الوضع الحرج أخذ السلطان ابن عبو يستغيث بالدولة العثمانية من جديد. فأرسل كتابا إلى امير أمراء الجزائر, علي باشا, وأخر إلى مفتي القسطنطينية مؤرخا ب11 شعبان عام 977 ه (11-2-1570م-) هذا نصه:
"بسم الله الرحمان الرحيم, العزة لله, من عبد الله المتوكل على الله, الحي بفضله و قدرته, المجاهد في سبيله, أمير المؤمنين, المستمسك بشريعة الله, مبيد الكفار و قاهر جيوش العاصين لله, مولاي عبد الله محمد بن عبو, بارك الله مسعاه, وسدد خطاه ليسترد عزة الأندلس, و يجدد نهضتها, نصرها الله القدير, و هو القادر على كل شيء, إلى صديقنا و حبيبنا الخاص, السيد العظيمو و الشريف الكريم, السامي المتقدم , العامل المحسن, الخائف من الله, أنعم الله عليه بنعمة الغفران"
" أما بعد فسلام الله عامة على دولتنا العلية, و نعمته و بركاته الوفيرة. أيها الأخ العزيز, لقد بلغتنا أنباء دولتكم العلية, و شخص السلطان الكريمو وما صدر عنه العطف على التعساء البائسين, و أنه سأل عنا, مهتما لمعرفة ما يجري لدينا, وأنه اهتم و تألم لما أصابنا من ضنك و نصب على أيدي أولائك النصارى, و أن صاحب الجلالة و العظمة السلطان قد أرسل إلينا كتابا مختوما بخاتمه يعدنا فيه بالنصرة بعدد وافر من الرجال المسلمين, و بما نحتاج إليه من العون و العدد التي تسمح لنا بالحفاظ على هذه الأرض".
" و بما أننا نقاسي المتاعب الشديدة في هذه الأزمة المريرة, فإننا نلجأ من جديد إلى الباب العالي, نطلب النجدة و المعونة و النصر عن يدكم. فالنجدة النجدة, بالله القاهر فوق الناس جميعا. ونرجو من سيادتكم إعلام السلطان القادر بأحوالنا و إخباره بأخبارنا, بالحرب الكبرى التي نخوضها, وقولوا لعظمنه إنه إذا أراد أن يشملنا برعايته و عطفه فليبادر إلى إنجادنا بسرعة قبل أن تهلك, فهناك جيشان قويان يتجهان إلينا لمهاجمتنا من جهتين. و إننا إذا مااندحرنا في المعركة, فإن الله سبحانه سيحاسبه على ذلك حسابا عسيرا يوم القيامة, يوم لا تنفع القوة في الحجة. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته. حرر يوم الثلاثاء في الحادي عشر من شهر شعبان 977ه. مولاي عبد الله محمد بن عبو".الصفحة 112-113.