الجزء الأول من حاشية العالم العلامة الحبر الفهامة امام الفضلاء الفخام شيخ مشايخ الأسلام مظهر الفيض القدوسي الأستاذ السيد مصطفى العروسي المسماة بنتائج الأفكار القدسية في بيان معاني شرح الرسالة القشيرية لشيخ الأسلام زكريا الأنصاري نفع الله بها كما نفع بأصلها آميـــــــــــن .
-------------------------------------
يقولون أن المرء يحيا بنسله .... وليس له ذكر اذا لم يكن له نسل
فقلت لهم نسلي بدائع حكمتي .... فان فاتنـــا نســل فأنا بهـــا نسلو
اعلموا ايها الصوفية رحمكم الله أن المحققين من هذه الطائفة انقرض أكثرهم , ولم يبقى في زماننا هذا من هذه الطائفة الا أثرهم من التشبه بهم في لبس المرقعات والتلبس بالهيئات في الظواهر مع خلو القلب من السرائر كما قيل :
أما الخيام فانها كخيامهم وأرى نســـاء الحي غير نسائها
وذلك لأختلال العلم وغلبة الجهل وحب الدنيا ونيل المقاصد العاجلة منها , فقد مضى الشيوخ الذين كان يهتدي لهم غيرهم , وقل الشباب الذين لهم بطريقة الشيوخ اقتداء وزال الورع وطوى بساطه وهو التفتيش عن الحلال والتثبيت عند القيل والقال .
واستخفوا باداء العبادات واستهانوا بالصوم والصلاة وركضوا في ميدان الغفلات لزعمهم بجهلهم ان العبادات انما هي وسيلة لحضور القلب مع الله فاذا حضر المتوسل اليه اغتنى عن الوسيلة وقد سئل الجنيد رحمه الله عن هذه الطائفة فقال : الذي يسرق ويزني احسن حالا ممن يزعم هذا لأن من يسرق ويزني يعتقد نقص نفسه وعصيانه لربه وترجى له التوبة بخلاف ان من اعتقد ان من جملة ما يقربه الى ربه ترك هذه العبادات فلا يرجع عن ذلك ابدا ونقل عن بعضهم انه قيل له عمن يقول ذلك ويزعم انه وصل فقال صدق فقد وصل ولكنه وصل الى سقر وركنوا الى اتباع الشهوات والى قلة المبالاة بتعاطي المحظورات والارتزاق بما يأخذونه من السوقة والنسوان والظلمة من أصحاب السلطان ثم انهم لم يرضوا بما تعاطوه من سوء الأفعال حتى أشارو الى وصولهم الى أعلى الحقائق والأحوال وادعوا انهم تحررو اي انفكو من رق الأغلال وتحققوا اي اتصفوا بحقائق الوصال وهم قائمون بالحق يجري عليهم احكامه وهم محو اي ذاهب أثرهم يعني لا تكليف عليهم وليس لله عليهم فيما يؤثرونه اي يختارونه ويفعلونه او يتركونه
حتى صاروا الى عدم العتب واللوم وأنهم كوشفوا باسرار الأحدية وزالت عنهم احكام البشرية . اعلمو ايها الصوفية رحمكم الله ان شيوخ هذه الطائفة منكم بنوا قواعد أمرهم على اصول صحيحة في التوحيد صانوا بها عقائدهم عن البدع كالتشبيه الذي قال به المجسمة ونفيه تعالى الذي قال به الفلاسفة القائلون بقدم العالم والتعطيل وأن من ركن الى التقليد في توحيده ولم يتأمل دلائل التوحيد فالتقليد في الأعتقاد ممتنع بل يجب على كل احد النظر لا عن طريق المتكلمين فالتوحيد ليس فرض كفاية ولكل واحد النظر والتأمل كما أجاب الأعرابي عن سؤاله بما عرفت ربك فقال : البعرة تدل على البعير وأثر الأقدام على المسير فسماء ذات ابراج وأرض ذات فجاج الا تدل على اللطيف الخبير . وأول الواجبات معرفة الله تعالى وأول فرض افترضه الله تعالى على خلقه هو المعرفة لقوله تعالى ( وما خلقت الجن والأنس الا ليعبدون ) فال ابن عباس رضي الله عنهما الا ليعرفون . فهو تعالى انما خلق العالم ليستدل به عليه كما قال ( وفي أنفسكم افلا تبصرون ) ولهذا قيل أعرفكم بنفسه اعرفكم بربه وأولها الأقرار بالشهادتين لقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه الى اليمن أنك تقدم على اهل كتاب فليكن اول ما تدعوهم اليه شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله . قالوا والأقرار بها يتضمن المعرفة بلا تشبيه ولا تكييف ولا تصوير ولا تمثيل فالتوحيد افراده تعالى ذاتا وصفة وفعلا ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) فهو منزه عن الزمان والمكان والحلول وقالوا المعرفة معناها وجود تعظيم في القلب يمنعك من التعطيل والتشبيه
------------------------------
ر قال ابراهيم ابن ادهم قيل اسم الله الاعظم ما دعوته به حال تعظيمك وانقطاع قلبك اليه الا استجيب لك لظاهر قوله ( امن يجيب المضطر اذا دعاه ) والمشهور انه اسم معين يعلمه الله من يشاء من خواصه قال البندقجي واكثر اهل العلم على انه الله تعالى واختار النووي تبعا لجماعة انه الحي القيوم قال ولذلك لم يرد في القرآن الا في ثلاث مواضع البقرة وآل عمران وطه , وكان ابراهيم يقول " اطب مطعمك ولا حرج عليك ان لا تقوم الليل او تصوم النهار نفلا لأن طيب المطعم كصلاح القلب اذا صلح صلح الجسد كله . وكان دعائه : اللهم انقلني من ذل المعصية الى عز الطاعة , وكان ابراهيم ابن ادهم يحرس كرما فمر به جندي فقال : اعطنا من هذا العنب ؟ فقال : ما أمرني به صاحبه , فأخذ يضربه بسوطه فطأطأ رأسه وقال اضرب رأسا طالما عصى الله تعالى فأعجز الرجل ومضى الى حال سبيله . وأنما صبر على آذاه لعجزه عن التخلص منه ولو بالهرب . وقال سهيل بن عمار صحبت ابراهيم ابن ادهم فمرضت فأنفق على نفقته فاشتهيت شيئا فباع ابن ادهم حماره وأنفق على ثمنه فلما تماثلت للشفاء قلت يا ابراهيم اين الحمار فقال بعته فقلت فعلى ماذا اركب فقال على عنقي وحملني ثلاث منازل . سمعت ذا النون المصري يقول : من علامات محبة الله تعالى متابعة حبيب الله صلى الله عليه وسلم في أخلاقه وأفعاله من حلم وعفو وكرم وغيرهما ومن متابعة أوامره وسنته , قال الله تعالى (قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) وسئل ذا النون ما سبب توبتك فقال : اردت الخروج من مصر الى بعض القرى فنمت في الطريق بارض الصحاري ففتحت عيني فاذا أنا بقنبرة عمياء سقطت من وكرها اي عشها فوقعت على الارض فانشقت الارض فخرج منهما كرجتان احداهما ذهب والآخرى فضة وفي احداهما سمسم وفي الآخرى ماء فجعلت تأكل من هذا وتشرب من هذا فقلت حسبي هذا في قوة يقيني قد تبت ولزمت الباب بالعمل المرجو ثوابه الى أن قبلني الله عز وجل , وقال ذا النون لا تسكن الحكمة معدة ملئت طعاما قال صلى الله عليه وسلم : ما ملأ ابن آدم وعاء شر من بطنه حسب المسلم أكلات يقمن صلبه فان كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه ! وفي حكمة لقمان يا بني اذا امتلأت المعدة نامت الفكرة . قيل عن سبب توبة الفضيل بن عياض انه كان " شاطرا ( لصا ) يقطع الطريق فعشق جارية وبينما هو يرتقي الجدران اليها سمع قارئا للقرأن يقول : ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ) فقلت يا رب قد آن فرجع فأواه الليل الى خربة فاذا بها رفقة فقال بعضهم نرتحل وقال قوم حتى نصبح فان " فضيل على الطريق فيقطع علينا ! فتاب الفضيل وأمنهم وجاور الحرم حتى مات وقال الفضيل اذا احب الله عبدا أكثر همه كي يتذكر أمر آخرته وبتقصيره في أمر دينه وعدم نهضته في طاعة ربه . واذا أبغض عبدا وسع عليه دنياه وشغله بحبه لها . ومن كلامه : ما أدرك عندنا ما أدرك بكثرة صلاة ولا صيام ولكن بسخاء النفس وسلامة الصدور والنصح للأمة . وقال ابو علي الرازي صحبت الفضيل 30 سنة ما رأيته ضاحكا ولا متبسما الا يوم مات ابنه فقلت له في ذلك فقال : ان الله أحب أمرا فأحببته وفيه دليل على كمال حزنه في سائر أوقاته وأنما تكلف الضحك والسرور بموت ولده على خلاف عادته لأنه علم ان الله تعالى يحب منه هذه الحالة لكونها دليل الرضى لقضائه فأظهرها لمولاه . وقال الفضيل : أني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق حماري وخادمي وهذا يغعله الله حفظا لأوليائه اذا قصروا في أحوالهم . ومنهم ابو محفوظ معروف بن فيروز الكرخي كان من المشايخ الكبار مجاب الدعوة بستشفى بقبره يقول البغداديون " قبر معروف ترياق " وقال ابو عبد الرحمن الزهري يقال من قرأ عند قبره مئة مرة قل هو الله احد وسأل الله ما يريد قضيت حاجته . وومثله يذكر عن قبري أشهب وابن القاسم يقف الزائر بين قبريهما ويقرأ ويده متوجهة القبلة فيستجاب له وقال الكرخي يوما لصاحبه اذا كانت لك حاجة الى الله فأقسم عليه بي وقيل ان والدي معروف الكرخي كانا نصرانيين وكان له معلم نصراني وهو صغير فيقول له المعلم قل الله ثلاثه فيقول الله واحد فيضربه المعلم فيهرب معروف فقال ابواه يرجع الينا معروف علي أي دين نوافقه عليه . فلما عاد معروف طرق الباب فقال انا معروف فسأله ابواه على اي دين عدت فقال الدين الحنيفي فأسلم أبواه . هذا من حفظ الله تعالة لأوليائه ان يكره لهم الشر في صغرهم ويحب لهم الخير كرامة لهم . وقال سري السقطي : رأيت معروف الكرخي في النوم كأنه تحت العرش فيقول الله عز وجل لملائكته من هذا ؟ فيقولون أنت أعلم به يا رب فيقول الله تعالى : هذا معروف الكرخي سكر من حبي فلا يفيق الا بلقائي ! فقد باهى الله به ملائكته بقوله من هذا وهو أعلم به وذلك ليجمع همهم عليه قبل الجواب ويعرفهم ما هو عليه من الأستقامة. سمعت محمد ابن الحسين يقول سمعت ابي يقول رأيت معروف الكرخي في المنام بعد موته فسألته ما فعل الله بك فقال : غفر لي فقلت بزهدك وورعك فقال لا بل بقبولي موعظة ابن السماك ولزومي الفقر ومحبتي للفقراء .