الأسيرة قاهر السعدي وتسعة أعوام قهرت فيها السجان فؤاد الخفش باحث مختص في شؤون الأسرى الفلسطينيين 8/5/2010
لا أعلم من أين ابدأ حكايتي وكيف أروي قصة صاحبة هذه الكلمات ، كل ما أعلمه أنه لا حد لدورة الزمان لديها وبالرغم من السنين التسع التي أمضتها حتى الآن فارستنا خلف قضبان السجن وأنياب السجان ، والسنوات الأربعة عشر التي أمضتها الطفلة اليتيمة في ملجأ للأطفال بعد أن فقدت أمها إلا أن قلبها المجروح ما زال ينبض بالحياة والحب معلناً بكل إباء أن لا حد لدورة الزمن لديها .
الحياة بلا إيمان وبلا أفكار ومبادئ حياة صعبة قد يجن الإنسان إذا ما ألمت بهم مصيبة فكيف إذا كانت مصائب كالتي ألمت بقاهرة السعدي مصائب تنوء الجبال عن حملها ، كثيراً ما أنهكها التعب وكثرة التفكير وشردتها الحيرة وآلمها قسوة الأيام عليها فهجر النوم جفونها وذرفت دموعها على وجنتيها ، ومع كل تنهيدة كانت تقول يا الله ما لي سواك كن معي فتبرد روحها المشتاقة لفلذات كبدها الأربعة ساندي ومحمد ورأفت ودنيا.
قد يكون النوم سبباً من أجل الخلود للراحة إلا لقاهرة فالنوم قد هجر عيونها وحرمها حتى من لذة الأحلام ، تنام على برشها تغطي رأسها تغرق نفسها في ظلمة فوق ظلمة المكان وتتخيل صور أطفالها الصغار ينيرون عليها عتمتها تمسح دموعها تمنع صوت بكائها من الخروج تغرق وسادتها بدموعها لا تعرف للنوم سبيلاً ولا للراحة طريقاً وكيف يرتاح من سجن وأبعد جسده عن روحه وفلذة كبده .
للأسيرة المجاهدة قاهرة السعدي حكاية خاصة خطت حروفها بمنوال الصبر وصيغت كلاماتها بآهات وآلام ودموع وذكريات حفرت في سفر الخالدين ، حبها وعشقها لفلسطين أكبر من كل شيء وأعظم من كل شيء فرخص في سبيلها ومن أجلها كل صعب ومستحيل.
الأسيرة قاهرة السعدي اسم له وقع خاص في نفس كل من يسمع هذا الاسم فهي من قهرت عدوها وعلمته كيف يكون الفداء وكيف تفدى الأوطان وكيف يرخص من أجلها كل صعب ونفيس .
عاشت اليتم منذ أن كانت طفلة صغيرة وبالرغم من كل ذلك عشقت فلسطين فهي من عاشت اللجوء وحياة المخيمات الصعبة ، شاهدت بأم عينيها كيف تقتحم البيوت وكيف تداس الحرمات فكبرت وكبر معها حب الوطن ومعاني التضحية والفداء فلبت منادي الجهاد وثارت فكانت حامية للمجاهدين وآوت المطاردين وأوصلت الاستشهاديين وهي من آلمت المحتلين الذين اقتلعوا واختطفوا زوجها من بين أطفاله بعد أن اغتالوا عم أطفالها أمام ناظريها الشهيد محمد السعدي.
قاهره حكايتها مع المحتل حكاية طويلة بها من المآسي والمعاناة ما بها فمن اغتيال لأقاربها إلى اقتحام لبيتها وإطلاق النار واختطاف من كانت تؤوي من المجاهدين إلى اعتقال زوجها ومن ثم اعتقالها هي وإخضاعها لأبشع وأقسى أنواع التحقيق على طول 115 يوماً متواصلة ما عرفت للنوم سبيلاً ولا للراحة طريقاً هي ليست كل الحكاية بل جزء بسيط من القصة التي بدأت ولم تنتهِ بعد.
اعتدنا أن نرى قاهرة السعدي من خلال ما تبثه الفضائيات من صور وهي تقف على خدمة أخواتها الأسيرات وتقديم الطعام تكسو وجهها ابتسامة رائعة استطاعت أن تنتزعها من بين براثن السجان تقف أمام الكاميرا بحجابها تهز رأسها للمحاور وتقول قاهرة السعدي محكومة بثلاثة مؤبدات بالإضافة إلى ثلاثين عاماً تتوقف الكاميرا وتنقطع الصورة وتبقى قاهرة في سجنها تنتظر موعد الفرج ووعود الرجال بأن بقاءهم في الأسر مستحيل.
وما بين الممكن والمستحيل سننتظر الأيام المقبلة وإلى أن تعود قاهرة السعدي إلى بيتها وأطفالها وتعود معها الحياة الدافئة والجميلة كجمال زهرة الأقحوان أقول لك أم محمد صبراً أخيتي لليل ساعات ويرحل.
--------------------------------مركز أحرار لدراسات الأسرى وحقوق الأنسان