Jamal
عدد المساهمات : 38 السٌّمعَة : 1 تاريخ التسجيل : 22/09/2009 العمر : 67
| | رحلة من القلب إلى القلب | |
رحلة من القلب إلى القلب
أخي الحبيب أبو وحيد حفظكم الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
كيف الحال والاهل والصحة والهمة زادك الله بسطة في العلم والجسم ومن تمام الوفاء لك أيها الاخ الحبيب الكبير والخبير وقد كابدت معي وأنجزت وأبدعت فنون الرسائل ترجمة وإخراجا من أجل ومصلحة إبنتي إيمان رزق الله إبنتك أيمان وزوجها الذرية الصالحة اللهم آمين وأدم المودة والمحبة بينهما يا رب العالمين
أهديك هذه القصة الواقعية كما أصررت عليّ في سرعة إنجازها وإخراجها ولم تتم بعد وهي ومضات سريعة عسى أن ينتفع بها القارئ في موقعك المفيد والمجيد
سلامنا للجميع عندكم وايمان تهديك سلامها
أخوك المحب جمال السويد
قصة فتاة من ذوي الاحتياجات الخاصة تبحث عن أمل وحياة خالية من الكدر وخالصة من الاذى وهيهات الكاتب والد الفتاة الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد فهذه القصة وفاء لعهد الاخوة الصادق حيث طلب مني الاخ الحبيب أحمد أبو خضرة أبو وحيد حفظه الله تعالى كتابة شيء عن قصة إبنتي ووعدته وطال الموعد وهاتفني من وراء البحار يحثني على الكتابة فله جزيل الشكر على همته وحرصه جزاه الله كل خير هذه عصارة ذكريات طفولة وحياة عشتها أذكر أطرافا منها للدرس والعبرة وليس فيها كبير فائدة عسى الله أن ينفع بها فتلقى قبولا ودعاء لقد ولدت في بيت في مدينة بيت لحم في فلسطين شيدّه الأبوان بأظفارهم وجهدهم وعرقهم وكدهم ودموعهم تعصف بهم ريح مزمجرة تخلع القلوب من جنبات الصدور وحجارة البيت الكبيرة القاسية تنبئ عن شظف العيش وقسوته وجوعه والضباع المفترسة الظالمة والغاشمة تدفع باب المنزل مداهمة أهله الابرياء في ظلمة ليل تصدها الاوفياء من الكلاب ولما وعيت على جرائم الصهاينة الظالمين عرفت أن الضباع تلك أرحم من هؤلاء لا بل ضباع طواغيت العرب وأبناء الجلدة أفتك وأشرس وكان نظام الوالد الحبيب حفظه الله وضبطه وترتيبه وتربيته وعسكريته لأذهب معه إلى ساحات المسجد الاقصى حتى يربط الطفل بمسرى رسوله صلى الله عليه وسلم وبعدها إلى مسجد خليل الرحمن في مدينة الخليل وللهدف نفسه حتى يكون الربط والارتباط والوثاق والذي لا ولن ينقطع أبدا مع تلك الارض المباركة ومع المسرى سكنا حي سلوان في القدس وفيها درجت ولعبت ووقعت وشج رأسي تحت شجرها المبارك وربيع فلسطين من أجمل ما رأيته طفلا لوحة وسجادة زهور لا زالت أمام ناظري عبقا ورائحة وتنوعا وروعة فتبارك الله أحسن الخالقين وكنت أرافق الحراث وهو يحرث الارض ويبذر القمح وأساعد في الحصاد تجذيرا لحب أرض الاسراء وأرض العقيدة الطاهرة شموس فلسطين ومطرها وثلجها تحكي قصصا من روائع القصص كلها تشدك إلى حبها شوقا وحنينا وجائت الذئاب المسعورة وثعالب الشر والصهاينة المجرمين فكانت الهجرة والنزوح 1967 حيث ظلم المحتلين وعدوانهم وتقاعس حكام العرب المشين والمخزي وكان سير النزوح شديدا قاسيا مؤلما متعبا وقطع النهر الذي كشر عن أنيابه وكما رأيت الاشرار كيف أطلقوا النار على مزارع معه قطيع بقر فقتلوه أمامنا عملا بسياسة الترويع والتهجير ووتأتي شاحنات لنقل النازحين من النهر إلى عمان وتبدأ هناك فصول جديدة من المعاناة والتشريد مع تقديم الحلوى والخبز عند رمينا في منطقة رأس العين في عمان ولا أدري لماذا وما المناسبة ؟! وهناك أمر لا يمحى من ذاكرتي أنني نذرت أن لا يمس الماء رأسي ولا أحلق شعر رأسي حتى أعود إلى فلسطين وهذا نموذج للطفل الفلسطيني المتمرد العاشق لفلسطين معتقدا أن الهجرة هذه لن تطول وما هي إلا أيام والعودة قريبة جدا وهذه لا تحتاج لقسم من طفل صغير فهو لا يغتسل إلا مرة في الاسبوع ولا يقص شعر رأسه إلا مرة في الشهر وبدأت إدارة المدرسة بالانكار على طفل متمرد طول شعر رأسه ومضى أول أسبوع والادارة تتوعد وتهدد بالعقاب الشديد كأنما قدمت القدس على طبق من فضة للمحتلين الصهاينة وتم ما أرادت المدرسة وكان إحباطا فيه الخير حيث أطلق شرارة الحب في قلبي لهذه القضية الحق والعدل وبدأت عاصفة الثورة وأناشيدها تأسر قلب طفل مجروح ومحزون حتى مشيت في مسيرة من بعد صلاة الجمعة من المسجد الحسيني وسط عمان إلى المدينة الرياضية قبل بنائها إحتجاجا على حرق المسجد الاقصى على يد الصهاينة الحاقدين تم الزواج المبارك وأردته مشروع حياة متكاملا وصرحا مشيدا بالايمان ومكثت أربعة شهور ثم هاجرت إلى الصحراء والرمال المتحركة في الكويت وكان إلتحاق الزوجة المباركة من أصعب الامور قانونيا وبعد عام واحد بفضل من الله ونعمة وبدأ إنتظار المولود بعد تأخر الحمل وهذه أجمل ساعات العمر صلة بالله سبحانه في الدعاء والالحاح والتذلل بين يديه سبحانه فكان الحمل وبدأ ينمو ويكبر بإذنه سبحانه حتى أننا سافرنا في نفس اليوم الزوجة بالطائرة حرصا على صحة الام وجنينها وأنا سافرت في سيارتي 1500 كم ليس من أنيس إلا النجوم زينة السماء في لوحة ما أعظمها ولن تمحى من الذاكرة وطرنا إلى مستشفى البشير يوم 15/7/1986 وبعد فحوص بشرونا بأن الجنين ذكر وفي اليوم التالي قالوا لا بد من عملية قيصرية وفي يوم 16/7 وبعد ساعات خرج الطبيب وحدثني حمدا لله على سلامة الام والبنت ولدت عندها تشوه تكويني في العمود الفقري وعندها كيس في أسفل الظهر والبنت ستعيش يوم أو يومين وتموت فأزددت لها حبا ودعاء اللهم أجرني في مصيبتي وأخلفني خيرا منها وهانت المصيبة بإذنه تعالى وفي اليوم التالي زرت الام في المستشفى وكانت لحظات صعبة جدا على قلوب يتعلق بعضها ببعض ترى ألم الام والحزن ولا تستطيع تحمله أو تقاسمه عمن تحب ونظرت إلى إبنتي وإذ هي كالبدر في جمالها وهي في صندوق الزجاج الخداج وأجرى لها طبيب الاعصاب د. منير الياس عملية جراحية ثان يوم من ولادتها لإزالة الكيس وترقيعه فأخذت عينة من دم إبنتي باليد إلى بنك الدم وقد سال منها نقاط على يدي كالزهر الجميل كأنما هو الوعد والعهد بالدم على التفاني والمحبة والفداء والحب والاخلاص للبنت وأمها ومن وسط هذه المأساة والابتلاء وإذ بأخت زوجتي تقول لي لا بأس تزوج عليها وكأنما جمدت الدم في عروقي فأنا على عهد لا أستطيع تخليص زوجتي من آلام العملية ومشاعرها وهي لم تر إبنتها فكل منهما في مكان مستقل عن الآخر وقد كتبت إليها عشر رسائل طيلة أيام إقامتها في المستشفى عما يجيش ويعمر قلبي نحوها وبأنني السند والوفيّ وعلى عهد العناية بإبنتنا الجميلة وهدية الرحمن ونقابلها بالرضى والتسليم وللايمان بل سميت الحبيبة إبنتي مباشرة إيمان لتذكرنا وتعمق الايمان في قلوبنا ثم تأتي دعوة بالزواج وممن ؟ من أخت زوجتي فقلت لها لا دخل لك بالموضوع ولم أشكو لك ولاأسمح لك بمثل هذا العدوان السافر وتألمت لحال زوجتي لو سمعت نصيحة أختها من هذا التاريخ بدأت المصارعة والمكابدة ورحلة المشاق والاجر من الله سبحانه مع المستشفيات وبخاصة أيام المراجعة وشدة الزحام هناك ورجعنا إلى الكويت بعد شهرين وهناك تم إجراء عملية جراحية في الرأس على وجه السرعة وتركيب في بي شنط في الرأس وهو صمام بلاستيك لتفريغ السوائل الراجعة من العمود الفقري إلى الرأس وتفريغها في المعدة وهذا الصمام في الرأس وتحت الجلد مصاحب لها طوال عمرها وقد أصيبت في 5/10/1993 بإلتهاب السحايا مما جعل الاطباء يبدلونه لها في عمان ولكن الادوية التي أعطيت لها بعد العملية غير مناسبة وأصابت الدكتور العبقري الانسان البارع الانسان الحاذق المبروك في سمته وإخلاصه في النصيحة لمرضاه أخصائي الاعصاب بالذهول حتي طلب مني إحضار البنت إلى عيادته مباشرة جزاه الله كل خير وهو د. عبدالإله الحديدي في م. البشير وبدّل لها هذا الدواء والذي صرفه طبيب قبله لمدة عام ومما يؤثر على الهرمونات فأوقفه فورا وكان هذا الطبيب نعم الاب والاخ يتطلع دائما لسعادة إبنتي جزاه الله كل خير ورحم الله والديه وكان الاهتمام بها والرعاية والعناية والفرح والخروج بها إلى شواطئ البحار ومعارض الكتاب بشكل دوري في الكويت وعمان والمتنزهات وكان وزنها قليلا وكانت تسأل وتضحك وتلعب وتمرح ولكن بدون مشي على القدمين فنصفها السفلي لا يتحرك ولا تشعر به أبدا وفي ظهر يوم صائف وفي الخط السريع الدائري الخامس ذهبت بصحبتها لإحضار أمها من المدرسة الثانوية والتي كانت تدرس فيها في الكويت كان عمرها 4 سنوات فقط فقلت لها يا إبنتي إن شاء الله تركبين على حصان له جناحين يطير بك حيث شئت في الجنة ...!! فقالت لي يا بابا أنا لا أعرف المشي فكيف أركب على الحصان ؟ فقلت لها يا إبنتي أنت في الجنة صحيحة إن شاء الله لا يوجد فيها مرض ومضت الايام وسنوات معدودة حتى دخل صدام حسين إلى الكويت وكانت المعاناة والألم والصبر والمواجهة مع الجشع والنهب والسلب والظلم والقتل والفتك والاجرام فلم يطب العيش في مثل هذه الاجواء وفي بلاد كانت تصدر الخير وتم نزوح العائلة والتشريد مرة أخرى من الكويت بعد قتل جاري الشيخ صلاح الرفاعي إمام وخطيب في مسجد البخاري في خيطان الجديدة يوم الاربعاء 3/10/1990 الساعة 11 قبل الظهر وكان إعدام الامام على سور نفس المسجد من قبل الظالمين الغزاة فضاقت الدنيا في وجهي متى المغادرة وذهبت للمسجد في خيطان القديمة يوم الجمعة 5/10/1990 وكانت خطبة الجمعة عن الشهيد عن شهيدنا الصالح صلاح الرفاعي رحمه الله ورفع مقامه في الفردوس الاعلى وكان عليه ديون لأنه حديث عهد بزواج ودعوت لجمع الاموال لسداد دينه في ظرف بالغ الخطر والصعوبة ولكن الله سلم والحمدلله الذي تتم بنعمته الصالحات تم تسليم المبلغ ويزيد عن أربعة آلاف دينار لزوجته وكانت حاملا بإبنهما والذي ولد بعد إستشهاد والده شيدت آلامي حصونا ولبست ثوب الصابرينا والصبر أشرف مسلكا من أن أرى جزعا حزينا والصبح يعقب ليله لا بد , والريح السكونا وتحينت فرصة المغادرة وكان ذلك عصر يوم الجمعة 23/11/1990 ولم أقسم يمينا بعد هذا التشريد ففلسطين بعيدة عنا مسافة إلا أنها تسكن غي أعماق قلوبنا نزلنا عمان في منزل عند الوالدين وصارت إبنتي إيمان تذهب إلى مدرسة جمعية الحسين في الدوار السابع تبعد عن المنزل أكثر من 15 كم تقريبا ويأتيها باص صغير من الجمعية وتجلس فيه بدون حزام أمان وبدون معلمة مشرفة على الطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة في رحلة تزيد على الساعتين من بعد الفجر إلى ما بعد الساعة الثامنة وفي جو من الدخان المظلم والذي ينبعث من سجائر السائق ومثلها حين العودة إلى البيت ومن الطرائف أن إبنتي أول من يأخذها السائق في رحلة تجميع الطلاب وآخر من تعود للبيت فقد رجع لبيته ونسي إبنتي في الباص حتى نبهته لذلك ورجع بها لأنه لا يوجد إلا حافلة واحدة وطبعا كنت أدفع رسوما شهرية لهذه المدرسة فهي ليست مجانية التعليم لهولاء الاطفال ودائما شكواهم قلة الموارد والدعم والاموال وتعال وأنظر إلى حفلاتهم بعشرات الالوف وهذه من نكبات التخلف العربي الرسمي أشحة على الخير وتبذيرا وإسرافا على كل شر وسافرت عدة مرات إلى المانيا وفي شهر رمضان من كل عام حيث الامامة والخطب والدروس وكنت أطلب من الاصدقاء الاحبة أن نزور مراكز وجمعيات المعوقين هناك للإطلاع على مدى العناية والرعاية التي تقدم لهؤلاء فوجدت عجبا وبخاصة في هولندا حيث تم إستقبالنا في مركز وفيه 17 طالب منهم طالب تركي وآخر من المغرب وكيف أنهم يراعون الخلفية الثقافية للطالبين مثل تقديم الطعام واللحم الحلال للطالبين وغير ذلك من خدمات تعتبر في أعلى وأرقى السلم الحضاري خدمة لهؤلاء فأنقدحت في رأسي فكرة الهجرة بإبنتي إلى هذه البلاد للعناية بها على منهج عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في رعايته لهم كما ورد في التاريخ اللاسلامي المزهر والمشرق حضاريا حيث بدأ الانحسار والتراجع والتنكر له على أيدي أبناء الجلدة في العصور المتأخرة وفي خريف عام 1996 سمعنا أن الرئيس الفرنسي جاك شيراك سيزور الاردن وقد رأيت مقابلة على التلفاز الاردني في برنامج يوم جديد مع السفير الفرنسي برنارد باجوليه في عمان بالعربية كأحسن ما تكون العربية من متمكن بالحديث بها بطلاقة فقلت ولماذا لا نكتب للرئيس الفرنسي رسالة بالعربية ورسالة أخرى للسفير الانسان وكانت الرسالة بلغة رقيقة ومؤثرة وبمؤثرات بلاغية ورغم أنه تم تسطيرها بخط اليد مناشدة للرئيس في بلاد الحرية والازدهار والتعاون أن ينظر إليها بعين العطف وعلاجها وتم تسليم الرسالتين للرئيس والسفير الانسان باليد في مكتب الاستعلامات في السفارة الفرنسية في عمان وجاء الرئيس في 22/10/1996 وتمت الزيارة وغادر الرئيس الفرنسي عمان ونحن نراقب ونتابع الاخبار وكأنما تلقينا إهمالا للرسالة وأنها لم تصل على عادة حكام العرب والبطانة التي تحيط بهم وقلنا هذه السفارة هل تهتم بشأن طفلة معوقة أو رئيس بلد أوروبي متقدم يلقي بالا لرسالة صفراء ولم يطل هذا اليأس إلا أياما فيقطعه جرس الهاتف من السفارة الفرنسية في عمان : هل هذا منزل الطفلة إيمان ؟ نعم أعطنا العنوان بشكل دقيق وتم الامر فقال المتصل إن يوم السبت 4/11/1996 الساعة العاشرة صباحا هو يوم زيارة وفد من السفارة للطفلة إيمان وإذ بجرس البيت يقرع تماما على الوقت وكان الطقس مطرا غزيرا يبشر بخير فلما خرجت لإستقبال الوفد الزائر كما قالوا وإذ به السفير الانسان برنارد باجوليه مع سائقه فقط يحمل باقة زهور جميلة كصاحبها ويحمل رسالة جوابية من الرئيس الفرنسي جاك شيراك ومما جاء فيها : عمان 23 تشرين الاول 1996 عزيزتي ايمان لقد وصلتني رسالتك وتأثرت بها كثيرا . آمل من كل قلبي أنك ستستطيعين المشي يوما ما. أطلب من سفيرنا أن يتصل بك وأن يرى إلى أي مدى يمكن أن تقدم لك الرعاية . وسيقوم بإرسال طبيب السفارة إليك فورا بعد زيارتي . أشكرك لما تضمنته رسالتك من كلام مؤثر وصلني وأعرب لك عن أطيب المشاعر مع أجمل المشاعر التوقيع جاك شيراك وأحضر السفير الانسان هدية من الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك عبارة عن أطلس عام لفرنسا وقاموس للغة الفرنسية وهدية أخرى من السفير الانسان برنارد باجوليه عبارة عن كتاب مصور لباريس وقاموسا آخر باللغة الفرنسية وجلس السفير وشرب القهوة والعصير وقال لإيمان أنا سعيد بزيارتك يا ايمان فقلت له نحن السعداء بزيارتك أيها السفير الانسان وهذا تقدير من بلادكم لهؤلاء الاطفال وإبنتي إيمان تعرف السفير وقد رأت صورته ومقابلته في التلفزيون الاردني فسألت إبنتي عن إسم السفير فقالت بكل عفوية : جاك شيراك فضحك السفير وقال لها جيد أنك جعلت مني رئيسا والتقط عددا من الصور التذكارية وللأسف لم نحصل على نسخة من تلك الصور للتوثيق والذكرى ثم غادر السفير واعدا بالعناية والاهتمام بها وزيارة طبيب السفارة لإيمان في البيت وفحصها وتقديم تقرير للسفارة عن الوضع الصحي لإيمان ومن ثم إرساله إلى فرنسا وودعناه بحفاوة وغبطة وسعادة على هذه البادرة الانسانية الرائعة ومن هنا بدأت الصداقة مع هذا السفير الانسان فإن الاستجابة وصدق المشاعر والشكر على المعروف والتواصل معه ورعايته أصل من أصول ديننا الحنيف فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله ومن خلال هذا المبدأ العظيم كانت مسيرتنا فما بين هدية للسفير أدبية ثقافية وهي ديوان الشوقيات مجلدين للشاعر أحمد شوقي رحمه الله تعالى وبدأت المراسلات والترتيب لسفر ايمان إلى فرنسا للعلاج وكان الانتظار طويلا ولكنه أسهل من مراجعتنا للمستشفيات المحلية بما فيها من زيادة الضغط وفوضى التنظيم والمحسوبية وغيرها الكثير وجاء مندوب آخر يتابع موضوع السفر وهنا برزت مشكلة جديدة أن هناك إحتمال كبير لإجراء عملية جراحية لإيمان في فرنسا تزيد تكاليفها على 480 ألف دولار وفرنسا الجمهورية تعتذر ولا تستطيع تحمل هذه التكاليف الباهضة وعلينا أن نبحث عن مصدر لتمويل هذه العملية وعلى حسابنا ومن أين ؟ ونحن راتبي وزوجتي لا يزيد على 650 دولار شهريا ونحن مجرد موظفين عاديين فقلت مع نفسي عندنا تأمين صحي حكومي فلنطرق هذا الباب وبدأت رحلة المتاعب وحصلنا على تقارير طبية من كبرى المستشفيات الرسمية في عمان بكتب رسمية مثل م. الجامعة الاردنية وم. البشير وم. مدينة الحسين الطبية كلها تفيد أنه ليس لها علاج في الاردن وكان هذا رأي اللجنة الطبية العليا كذلك حتى وقفت المعاملة بين يدي وزير الصحة د. أشرف الكردي وجلست معه وبعد حديث ومقابلة اليأس هذه سأل الوزيرعن إمكانية إحضار تقرير طبي فرنسي يفيد ويتعهد بنجاح هذه العملية وهذا ضرب من المستحيل ولم يشترط مثله على مسؤول يخرج للإستجمام وشراء الشامبو والعطور على حساب التأمين الصحي وأما المواطن الغلبان فلا بواكي له ولا للمريض بين يديه ووضعنا السفارة بنتائج بحثنا فكان القرار بالسفر وإجراء الفحوصات أولا وتم حجز تذاكر السفر من قبل السفارة للطفلة ووالدها فقط وحملنا معنا كتابا من السفارة يوصي بالرعاية والعناية وتسهيل الامور لهذه الطفلة وودعت السفير في مكتبه في السفارة ويوم سفرنا في 17/10/1997 صاحبنا موظف من السفارة إلى المطار لوداع الطفلة كنوع من التقدير والاهتمام بها وكانت الرحلة جميلة من فوق القدس المباركة وصولا إلى مطار باريس وتم إستقبالنا في المطار وفورا بسيارة إسعاف إلى م. سانت فينست دي بول للأطفال في وسط باريس وحملنا معنا هدية للرئيس الفرنسي كتاب تاريخ الاردن في القرن العشرين من مجلدين لمؤلفه منيب ماضي وسليمان موسى وهدية لوحة الامل بالالوان الزيتية وهناك كتاب باللغة الفرنسية عن البتراء للبروفيسور الطبيب والذي سيتولى الاشراف عليها وحملنا معنا أكثر من 300 بطاقة معايدة عن البتراء نعطيها لكل من نلتقي به في فرنسا وكأننا مشروع دعاية وترويج سياحي للبتراء فقمنا وإبنتي بجهد جيش من وزارة السياحة الاردنية ولكن الاشرار يكيفون الولاء والانتماء نفاقا ومهادنة وظاهرة صوتية ونحن نشكر فرنسا من أعماق قلوبنا فهذه البتراء تمد يدها شكرا لمن ساعد طفلة أردنية على إعاقة معينة وجرى هناك عدد من الفحوص والتحاليل والتصوير المختلفة والمعمقة وفي أماكن مختلفة وعند عدد من الاخصائيين ومنه طبيبة أخصائية الامراض الجلدية حينما سألتني من ينظف لإبنتك ؟ مع العلم أنها لا تتحكم ولا تسيطر على البول والغائط فجزؤها السفلي لا تشعر به إطلاقا فقلت لها أمها فقالت الطبيبة أود أن أشكر هذه الام على شدة عنايتها بإبنتها وهنا ذرفت عيناي دمعا وفاء لزوجتي والكل يقول لي تزوج عليها أفتكون المكآفأة لها على عنايتها بإبنتنا بالزواج عليها وهذا لايستقيم ومكثنا هناك أسبوعين لا نأكل إلا السمك والفواكه والخضروات وليس في ذلك بأس بل نحن سعداء بذلك وواجهتنا مشكلة الترجمة ولم نرى طبيب السفارة ولا شخصا من السفارة الاردنية في باريس والمهم أن الله عزوجل يسر وتمم الامر على خير وجائنا مرة بروفيسور جزائري الاصل في الفيزيا النووية مترجما ولقد قدموا غاية الاهتمام بإبنتي وكان لنا برنامج لزيارة قصر الاليزيه وأستقبلنا هناك رجل فرنسي يتقن اللغة العربية بلهجة مصرية جميلة وشربنا عصير البرتقال في القصر وقدمنا الهدايا لهم وفي المقابل كانت هناك هدايا أكبر وأعظم تخص إبنتي إطلعنا عليها في مكان داخل القصر وهي كرسي كهربائي للمعوقين وكرسي آخر يدوي عليه فرشة فيها الزئبق كيلا يسبب لها طول الجلوس أي تقرحات لجلدها وغادرنا القصر متوجهين إلى كنيسة روتردام ومتحف اللوفر والكنيسة البيضاء وفي يوم آخر ذهبنا إلى برج ايفل بصحبة موظفة من المستشفى ليس في رأسها شعرة سوداء وذهبت بنا إلى النفق الذي ماتت في الاميرة ديانا في حادث السيارة وهناك زار إبنتي في المستشفى موظف وزوجته من العاملين في السفارة في عمان في متابعة متواصلة لها وكان التقرير النهائي من المستشفى أن الطفلة بحاجة لإجراء عملية جراحية في العمود الفقري لتصويب إعوجاجه وهذه تجري في م. أوتيل ديو في الاشرفية في بيروت لأن بعض الاطباء الجراحين يعملون بين باريس وبيروت وتكاليف العملية على حسابنا نحن ولما كانت تكاليفها مرتفعة فصرفنا النظر عنها ومن ثم رجعنا إلى عمان بعدما رأت ايمان هديتها في الاليزيه وقد هاتفوا سفارتهم في عمان عليكم إستقبال الطفلة ايمان ونقلها والهدايا إلى بيتها في عمان ولما نزلنا وتم إستقبالنا وإذ بموظف الجمارك يسأل عن محتوى الطرد الكبير فقلت له هذه هدايا من قصر الاليزيه من فرنسا فطالبنا بكتاب إعفاء جمركي فقلت تفضل هذه رسالة بالعربية من قصر الاليزيه تفيد بأنها هدية لهذه الطفلة فما كان منه إلا أن أخرج المشرط الحاد من جيبه وطعن بطن الطرد الكرتوني طعنة نجلاء حتى سقطت أمعاءه وعجلات الكرسي اليدوي المتحرك على الارض ليكشف عن الممنوعات وأسلحة الدمار الشامل وقارن بين معاملة مسؤول كيف يستقبل وهوعالة على الوطن يمجده وهو يحلب منه السمن والعسل وينهب من خيراته وبين المواطن الغلبان وقال الموظف الحريص لن تخرج هذه الهدايا من المطار حتى تأتي بكتاب إعفاء جمركي من وزارة التنمية الاجتماعية وهنا قال له موظف السفارة تخرج الهدايا الآن وهذه بطاقتي رهن عندك حتى آتيك غدا بكتابين للاعفاء وليس واحدا ومن وزارتي الخارجية والتنمية فقال رجل الجمارك فإن لم تأتي به غدا فلسوف أعيق معاملاتكم الاخرى وخرجنا من المطار بمشاعر الاحباط من كرم الاصدقاء من وراء البحار في فرنسا الجمهورية وبين معاملة الاهل في المطار من عدم التقدير ولوكانت الطفلة ايمان تستطيع القيام من كرسيها المتحرك لقامت صارخة لا أريد الهدايا من قصر الاليزيه خذوها ودعوني أسرع في مقابلة أمي فقد إشتقت إليها ثم بيعوا الهدايا بعد ذلك وضعوا ثمنها في خزينة الدولة حتى إن صحيفة العرب اليوم اليومية نشرت هذه القصة تحت عنوان عريض في 21/11/1997 فيه : في باريس إستقبلها قصر الاليزيه وفي عمان طلبوا إعفاء جمركيا لكرسيها المتحرك ! رجعنا للبيت لنبدأ مشوارا جديدا من رد الجميل لفرنسا وشكرهم على ما قاموا به وأرسلنا الشكر تلو الشكر ونشرته عدة صحف محلية أسبوعية ويومية وكانت التعليقات الايجابية من قبل الاهل والاصدقاء والاحباب جميلة رائعة ومن أجملها تعليق الوالد حفظه الله تعالى حينما قال هؤلاء القوم أفعالهم أفعال الصحابة رضي الله تعالى عنهم ومن فصول مأساتنا حينما إنتقلت إبنتي من مدرسة متوسطة إلى مدرسة ثانوية مقابل البيت تماما ولكن لا توجد صفوف أرضية مناسبة للطلاب المعوقين إلا في الادوار العليا وهي غير مناسبة ولا يوجد مصاعد وهنا لابد من إيجاد حلول ايجابية واقعية فيها المرونة والتقديم والتأخير فقد إقترحت على مديرة المدرسة أن يتم ترحيل المكتبة من الطابق الارضي إلى الدور الاول وأن تجعل مكانها الصف العاشر والذي فيه إبنتي ولا نستطيع عبر الادراج الطويلة الوصول بكرسيها إلى الطابق الاول فكان جواب مديرة المدرسة التربوية أنها لا تستطيع التصرف بذلك ولا تستطيع نقل المكتبة فهي مرفق من مرافق المدرسة الثابتة وبدأنا رحلة طويلة مع وزارة التربية ولم أستطع مقابلة الوزير رغم طلبي ومراجعتي المستمرة.. فمن هذا ..؟ وما هي المشكلة ..؟ وحاولت بكل الوسائل والمحاولات دون جدوى حتى نشرت صحيفة يومية قصتها أكثر من مرة وبقيت إبنتي عاما دراسيا كاملا بدون مدرسة بسبب الروتين القاتل في حل مشاكل أبنائنا وليست المشكلة في عقلية الاداري بل هي ظاهرة من المركزية في غير محلها وتخيلوا معي في كل يوم تجلس أمام البيت وتسمع الاذاعة المدرسية وترى الطالبات وتأتي صديقاتها للسلام عليها وهي تسأل لماذا أحرم من الدراسة ؟ أهذه معاملتنا حسب قوانين اليونسيف وحقوق الاطفال وقوانين رعاية المعوقين ودمجهم في الحياة العامة ؟! وما ذلك كله إلا حبر على ورق وهديت مرة في محاولة ناجحة أن أكلم شابة صحفية في صحيفة يومية عن مأساة إبنتي مع الادلة والاوراق وهي فتاة تشعر بآلام أختها فقالت لي إرجع ولا يكون لكم فكر ستدخل إبنتك المدرسة أول العام الدراسي الجديد إن شاء الله وبحنكتها وطرائقها وفنونها ومداخلها ومعارفها جزاها الله كل خير ورحم الله والديها وجعل مأواهم الفردوس الاعلى وإذ بفريق تحقيق من تربية عمان الرابعة يتصل بي هاتفيا نحن الآن في المدرسة أحضر إلينا حالا وخلال دقيقة كنت أمامهم فسلمت وإذ بمديرة المدرسة تقول لي أنا زعلان جدا عليك لماذا تذهب إلى الصحافة وحري بك أن نحل المشكلة بيننا وديا بدون صحافة وهذا الكلام صاعق جدا وأمام فريق التحقيق التربوي وبعد محاولات ومحاولات وعناء ومشقة فقلت للجنة التحقيق لقد سرت بالمحاولات عبر الطريق الرسمي وقدمت شكوى لمدير تربية عمان الرابعة ولما أردت تسجيلها في الديوان وتم ختمها بالخاتم الرسمي وقرأها الموظف ثم مزقها فقلت لم ؟ هذا ليس من إختصاصنا بل من إختصاص التربية الخاصة في وزارة التربية فقلت له لو سمحت فقط أريد الكتاب الذي مزقته وأخذته وتم تجبير الكتاب الممزق باللاصق حتى عاد من ركام سلة المهملات والنقطة الثانية في الرد على كلام مديرة المدرسة فقلت لها بحضورهم لقد جئتك وكان جوابك هذا مرفق من مرافق المدرسة لا أستطيع تغييره فأنت متسلطة على ولي أمر الطالبة وعلى المعلمة وجميع أهل الحي يشكون من الاستبداد في الادارة وكانت هذه الحقائق غير متوقعة من الجميع وسوي الامر مباشرة وتم الامر والحمد لله على نعمه وفضله ومكثت عاما واحدا في تلك المدرسة وبعدها سافرنا إلى السويد عام 2003 وقد نزلنا مع العائلة في طرف العاصمة وزرنا مركز المدينة وما لفت إنتباهنا أن الطرق كلها مهيأة وميسرة ومذللة لأصحاب الكراسي المتحركة اليدوية والكهربائية وطرق المشاة المستقلة تحاذي طرق السيارات أو تبتعد عنها وفي وسط الغابات أو أطرافها ومن تحت الجسور وفوقها وكنا نمشي في اليوم عشرات الكيلومترات تمتعا وتفكرا بهذه الجنان الغناء ونتعجب من كثرة الملاعب والساحات وكنا نرى فتاة معوقة على كرسي كهربائي جاءت لسحب مبلغ من المال عبر الصراف الآلي فأرتفع بها كالمصعد تماما إلى أن صار بإمكانها إدخال بطاقتها ورقمها السري ومن ثم سحب ما تحتاجه من مال وفي مشهد آخر إمرأة تقود كرسيا كهربائيا وفيه سلة أمامية فيه طفلها وفي مشهد آخر شاهدنا رجلا كبيرا على درجة كبيرة من الاعاقة يقود كرسيه الكهربائي برأسه عبر لوحة ألكترونية تسهل على كل معوق حسب درجة إعاقته لتوفر له كل سبل الراحة والسعادة والطمأنينة وأما ذكر القطارات والحافلات فهذا أمر محسوم أصلا ففيه كل ما يوفر الصعود والنزول الآمن للكراسي المتحركة بكل يسر وسهولة لا بل هناك أسطول من الحافلات الصغيرة والسيارات كذلك لنقل العجزة لنقل هؤلاء مهما بلغ عدد الرحلات يوميا فقط أن تتصل هاتفيا ثم تعطيهم الرقم الوطني وعندهم عنوانك وتريد العنوان المقصود والذي تنوي الذهاب إليه فيعطيك ساعة القدوم وهناك بطاقة شهرية تشتريها تخولك الركوب في القطار والحافلة والسفينة داخل المدينة وقلنا لبعضنا هذه بلاد تحتفي برعاية المعوقين على منهاج عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وقررنا تقديم اللجوء وتمت وكان الموعد في دائرة الهجرة وقلنا للموظف الذي حقق معنا هذه جوازات سفرنا وتذاكر سفرنا ونحن موظفون في بلدنا وعندنا بيت جميل وسيارة ود كان صغير وليس عندنا مشكلة إقتصادية ولا سياسية فقط هذه إبنتنا ليس لها علاج ولا عناية ونظرة الناس تزدري هؤلاء تمييزا ونظرات سلبية فقال لنا المحقق بعدما ضرب رأسه بكلتا يديه أنتم عائلة عجيبة تسلمون جوازات سفركم وتذاكر السفر ومعلوماتكم يبدوا أنها صحيحة وبعد ساعات تم توزيعنا إلى مخيم في شمال السويد يبعد عن العاصمة 1100 كم ونزلنا مدينة من أجمل مدن السويد يوم 3/8/2003 وعدد سكانها لا يزيد على 28 ألف نسمة وأول سؤال توجهت به لرجل صومالي كبير في السن فوق الستين من عمره أين تصلون الجمعة ؟ فقال لا يوجد عندنا هنا مصلى فقلت له أخبر زملائك في السكن وكل من يصلي أن الجمعة الاولى ستكون عندي في البيت في الصالون وقد قمنا بتجهيزه فقط لصلاة الجمعة لأن هذه الشقة تتكون من الصالون وغرفة نوم واحدة وكنا ننقل أسرة الاولاد وهما ايمان وشقيقها فقط عائلتنا على النمط الغربي إلى غرفة نوم الابوين وفي أول جمعة حضر 22 مصلي من طالبي اللجوء من مختلف الجنسيات وقلت مرة لشاب له 5 سنوات يسكن في المخيم ولم يحصل على الاقامة لماذا لا تصلي معنا الجمعة ؟ فقال لا ألا ترى سيارة البوليس فقلت له بالعكس هؤلاء يعجبهم من يتمسك بالمبدأ والقيم والصدق وعندهم من حرية العبادة مالا يوجد في بلادنا الاصلية ثم تقدمنا بطلب إلى دائرة الهجرة هناك لإعطائنا صالة لإقامة الصلاة وقد قلت للموظفة هناك وهي مسؤولتنا عن أهمية المصلى في منع الشباب من المخدرات والسرقات وقالت لنا أنا أتفهم ذلك ولكن لا بد من رأي المسؤول المباشر وفي الاخير طلبوا منا التنسيق مع الكنيسة في المدينة للمساعدة في حل المشكلة ولكن إتقان اللغة السويدية محادثة مما ينقصني فلم أكمل المشوار وكان عندنا مدرس لغة يقول لنا أنا لا أؤمن بالموت ولا ما بعده وماتت أمه فكتبت له رسالة تعزية سطرا واحدا فقلت له ساعدنا نريد مكانا لصلاة الجمعة فقط نصف ساعة فقال صلوا هنا في المدرسة وصلينا فيها أكثر من أربعة شهور نرتب القاعة ونمسهحا بكل جد وإخلاص وكانت مديرة المدرسة والمعلمات يستغربن من تفانينا في تنظيف المكان رغم أن شركة التنظيف هي من يقوم بهذا العمل وكتبنا لهذا المعلم رسالة شكر وقع عليها أكثر من 24 طالب من المصلين في المدرسة فقال لي هذا المعلم الصديق لا تشكرني يا جمال أنت الوحيد الذي قدمت التعزية لي في أمي وفي صلاة العيدين جاء مرة 44 مصلي فقلت لزوجتي نحن بمقام ولي الامر لهؤلاء فيجب أن يشعروا بفرحة العيد فكنا نصنع لهم الكنافة والحلويات والبشار والشاي والقهوة والفواكه ونسمعهم النشيد ومسابقة ثقافية وجوائز بسيطة ليفرحوا بيوم العيد في ديار هي الاقرب للقطب المتجمد الشمالي وكانت المواعظ على أن نكون السفير الناجح عن الاسلام وترك كل ما يسئ للجالية والصدق في القول والمعاملة وحسن الاخلاق يسع الناس جميعا وعالم اللجوء ومخيماته تحتاج لمجلد ولا تنتهي من الحديث عن آلامه وهمومه وعجائبه وطرائفه ومخاطره وأخلاق أهله وقصصه وأفلامه الهندية وبدأنا رحلة التعرف على المدينة سيرا على الاقدام يوميا نمشي عشرات الكيلو مترات إلى البحيرات والمحميات الطبيعية والجبال وهناك ظاهرة شمس منتصف الليل 40 يوما في الصيف لا تغيب الشمس ولا تنام الطيور وكنا نصلي المغرب والعشاء والفجر في جلسة واحدة دون وقت للأذكار بعد كل فريضة وكنا نذهب بعد الفجر لصيد السمك من بحيرة خلف منزلنا مباشرة ثم بدأت العناية بإبنتي في المدرسة والمستشفى الاكبر والاحدث في شمال أوروبا وكانت الحافلة الصغيرة والتي تنقلنا إلى المستشفى والذي يبعد عن المدينة 30 كم تسير بسرعة 90 كم في الساعة في جو الجليد والثلوج وكانت تصل إلى 38 تحت الصفر لأن إطارات الحافلة ضمن مواصفات الامن والسلامة والخاصة بفصل الشتاء كانت الطبيبة تخرج لإستقبال إبنتي على الموعد والذي يصلنا عبر البريد خارج مكتبها وهناك مترجم وعملت عملية جراحية لقدميها هناك وفور خروجها من غرفة العمليات أعطوها حبة البوظة المفرزة وكانت عجيبة عندي فقط بدأ شهر رمضان علينا يوم الاحد 26/10 /2003 وكان عجيبا فالفصل ليله الشتوي طويل جدا يكون الامساك عن الطعام الساعة السابعة صباحا وتشرق الشمس الساعة العاشرة وتغرب الشمس الساعة 1:20 ظهرا فبعد الافطار تحتاج إلى وجبات من الطعام وهذا من عجائب الدنيا وفي يوم كنا نمشي في مركز المدينة وإذ بإمرأة عجوز سويدية تسلم على زوجتي وتقبل يدها والسبب أنها تلبس الجلباب والحجاب ثم سلمت علينا فقلنا ربما أن في عقلها شيئا وأخذنا عنوانها وأرسلنا لها رسالة وبطاقة معايدة ثم زرناها في البيت وكشفت لنا عن سر إعجابها بالحجاب وتبادلت الزيارات بيننا ودعوناها مرة على ورق دوالي مع الدجاج وعجبت من الصبر وطول الوقت في إعداده وكنا نذهب لزيارتها في بيتها وتنتظرنا على البلكون مرحبة أهلا أولادي وكنا نستأذن منها للصلاة في بيتها ونتوضأعندها وكانت تلبس جلباب الزوجة مع الحجاب وكانت تصلي معنا وقالت لنا مرة أريد السفر وعندها ذهب وتريد حفظه عندنا حتى تعود من سفرها فقلت لزوجتي نحن السفير المسلم فإما أن ننجح في إمتحان حفظ الامانة أو نفشل ولمن هذه الامانة ؟ لعجوز كنت أخاطبها بالام تكريما لها وهي تنادي علينا يا أولادي وتوطدت العلاقة الانسانية القائمة على الاحترام والمعاملة الحسنة وبر هؤلاء كبار السن بيننا حتى أخذتنا في زيارة أمها العجوز وكان عمرها 94 سنة في مدينة تبعد عنا أكثر من 70 كم ورأينا كيفية إعتماد هؤلاء على أنفسهم فهذه الام تسكن لوحدها وهي من القوة بمكان حيث صنعت لنا الحلوى والقهوة فقمت لأحمل عنها القهوة فرفضت وأبت فما كان مني إلا التسليم على مضض وهنا نستدل على درس مهم على نعمة الاسلام في بر الوالدين وأن الامر ببرهما جاء بعد طاعة الله سبحانه مباشرة فأين الابناء في ديار الغرب من آبائهم نعم هناك دور لكبار السن تقدم لهم كل شيء إلا برا من أحد الابناء ويجب أن نعترف أن هناك بعض القصص في بلادنا المسلمة من عقوق الوالدين مالا تجد له نظيرا في الغرب لقسوته وفظاعته ورجعنا بعد زيارة الام الكريمة وإنعطفنا إلى مقبرة البلدة تلك وزرنا قبر والدها ثم قفلنا راجعين وفي الطريق رأينا قطيع الأيائل وجمال الريف السويدي كأجمل ما يكون الريف ومن ثم في الطريق جلسنا في مقهى بطابع تراثي جميل جدا ومضت الايام جميلة في تلك المدينة في الشمال وفي أقل من عام حصلنا على الاقامة بفضل من الله ونعمة وتم إعادة جوازات سفرنا إلينا وذهبنا مباشرة وتم ختم الاقامة الدائمة في جوازات سفرنا الاربعة وقد عاتبني شاب صومالي أول ما سكنا في المخيم بعدما عرف أنني سلمت جوازات سفرنا لدائرة الهجرة وقال لي أنت حمار لماذا تسلمهم جوازات سفركم ؟ لماذا لم تمزقها ؟ أو تخفيها ؟ نحن عندنا راعي الغنم في الصومال يعرف ما يجري في ستكهولم فقلت له إن كلمة صدق واحدة خير من ملء السويد ذهبا وبعد خمسة أعوام حصلنا على الجنسية السويدية مع الاحتفاظ بالجنسية الاولى رحلة علاج إلى ألمانيا من 1/3/2000 إلى 7/3/2000 كنت أزور ألمانيا كما ذكرت عدة مرات وبخاصة في شهر رمضان وحاولت الكتابة لرئيس الوزراء هناك لعلاج إبنتي ولكن صديقا ملهما موفقا مؤيدا رحم الله والديه وممن عاش عقودا من الزمن هناك ويعرف أن مخاطبة السياسيين لا تفيد وقد نصحني أن نكتب للرئيس راو مباشرة فهو أسلم وأجود وقد قام بها خير قيام جزاه الله كل خير وأستجاب الرئيس لهذا الطلب فقط إجراء الفحوص والاختبارات والتحاليل والصور في مستشفى في مدينة ديسبورغ وهي مدينة تقع في ولاية نوردراين-فيستفالن في غرب ألمانيا وضمن منطقة دوسلدورف الإدارية وكانت تذاكر السفرفي الذهاب على حسابنا وسافرت مع إبنتي على متن الخطوط اليونانية ونزلنا في المدينة هناك وأستقبلنا في مطارها رجل من الصالحين رحمه الله تعالى شقيق الاول وهي عائلة مباركة نزلت مع إبنتي في المستشفى ومكثنا هناك مدة 6 أيام فقط والشاب الالماني الذي بعث لنا فيزة الزيارة لطيف مهذب صدوق أديب فقد ضرب معنا موعدا في مدينة فوبرتال في يوم من الايام الساعة العاشرة وقد قرع جرس الباب الساعة العاشرة تماما على الوقت ودقة المواعيد هذه نحن بحاجة إليها وهذا الوفاء نفتقره في بلادنا إلا من رحم الله ففي المانيا وفي مدينة مجاورة ضرب شاب عربي معي موعدا الساعة 11 قبل الظهر فجاء الساعة الواحدة وهو يضحك ويقول متفاخرا هذه ليست المرة الاولى ولا يبالي أحدنا على ذهاب ساعة من الزمن ضاعت على من ينتظر ويأثم من يفعل ذلك للحديث في ذلك وتداولنا مع الشاب الالماني أطراف الحديث وسألني : لماذا يهتم بقصتكم رجل بروتستانتي ولا يهتم بكم المسجد فقلت له أنت تقوم بمعروفك هذا من باب الانسانية الكبيرة والمسجد يهتم بكل قصة إنسانية ولوكانت عند غير المسلمين وللأمانة فإن المسجد هناك قام بواجبه خير قيام وتنادى أهله الطيبون وجميعهم يتنافسون للمساعدة أو الدعوة للطعام فهم يعرفونني قبل ذلك فقد زرتهم وخطبت عندهم الجمعة في سنوات قد خلت ولن أنسى إستقبال أخ من الصالحين المغاربة قد عمل عملية في قلبه وقد دعانا لطعام العشاء في بيته وله زوجة من الصالحات محتسبة وهما بدون أطفال في إبتلاء كبير عسى الله أن يؤجرهما في مصيبتهما ويخلفهم خيرا منها وحياتهما تقوم على الحب والعطف والحنان وصعدت مع إبنتي إلى منزلهم العامر بالايمان وقضت إبنتي معها ساعات من أجمل ساعات حياتها في المطبخ في إنسجام عجيب كأنما ايمان مع أمها الحقيقية وكذلكم هذه المرأة الصالحة كأنما ايمان هي إبنتها ورغم إعاقتها نزلت عليها من السماء وطالت السهرة مع الاحبة الصالحين وقد فاضت العبرات من عيناي وأمنعها وأدافعها وأخفيها ولكن شلالها كان أقوى من كل الحواجز ثم ذهبت بصحبة إبنتي في جولة في مدينة فوبرتال في القطار المعلق وخط الحديد معلق في الجو يمر من فوق نهر المدينة وعمر هذا القطار يزيد على 100 عام وعند نزولنا في إحدى المحطات جائنا شرطيان لطيفان لمساعدتي في حمل الكرسي المتحرك وشكرتهما جدا لأن محاولتي بمفردي أسهل جدا في النزول وهناك صرفوا كرسيا يدويا متحركا بعد قياسات وخيارات وأيهما أكثر مناسبة لإيمان وفي ظهر يوم في المستشفى الواقع وسط غابات ملتفة وجهت سؤالا لإبنتي لم أوفق في طرحه وكأنه شرارة أطلقت وفجرت بركانا من المشاعر والألم والحزن في قلب إبنتي ونبهت على ما كان يحمله قلب هذه الطفلة البريئة من بر وشوق وسكون وطمأنينة وأحاسيس نحو أمها الرؤوم والسؤال العصيب القاسي السيف أيهما تحبين أكثر الاب أم الام ؟ وما أن طرق سمعها هذا السؤال حتى إنفجرت باكية تشكو وتبحث بعدها عن صدر أمها الحنون وكذلك أنا لم أحتمل بكاء إبنتي في غربة عن الاهل والاحباب وهنا يدرك الانسان قيمة الام وأن الجنة تحت أقدامها وكيف تكون علاقة البنت بأمها في خصوصيات ومشاعر وهموم وأشواق والدرس الذي تعلمته من هذا الموقف أن لا أسأل مهموما ومحزونا سؤالا يثير فيه أشجان الحزن والاسى والمواجع وأن تسير الامور على الفطرة والطبيعة رغم أن الرحمة والشفقة هي من الفطرة فلا يلام السائل ولا نلوم المحزون فهي أحزان نحملها بدرجات متفاوتة ولكن مخزونها في القلوب يتفاوت من إنسان إلى آخر لا بل هذه الرحمة مركوزة في طباع الحيوان فكيف بالانسان
| |
|
الأربعاء يناير 25, 2012 1:11 am من طرف Jamal